ربطت أوساط سياسية فلسطينية، الاتصالات السياسية التي أجرتها الإدارة الأمريكية، مع قيادة السلطة وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، بخطوات أمريكية سابقة قام بها مستشار الأمن القومي، خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، بهدف منع تدهور الأوضاع السياسية إلى “الأصعب”، خاصة مع اقتراب موعد عقد جلسة المجلس المركزي الفلسطيني، يوم السادس من الشهر الجاري، الذي يتهيأ لاتخاذ “قرارات مصيرية” قد تشمل وقف العمل بـ “اتفاق أوسلو”.
وأكدت مصادر مطلعة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أعلى هيئة قيادية فلسطينية، أن الإدارة الأمريكية طلبت بشكل رسمي من الرئاسة الفلسطينية، عدم المضي في اتخاذ إجراءات أو قرارات سياسية، تخص اتفاقيات السلام الموقعة مع إسرائيل، لافتة إلى أن هذا الطلب قدم خلال زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي لرام الله في ديسمبر من العام الماضي، وكرره أيضا وزير الخارجية أنتوني بلينكن أكثر من مرة، وآخرها في اتصاله الأخير مع الرئيس عباس ليل الاثنين.
وكشفت المصادر المطلعة لـصحيفة“القدس العربي”، أن الإدارة الأمريكية التي تتخوف من مخرجات المجلس المركزي، وطلباتها بتخفيف حدتها، لم تقدم أي “ضمانات حقيقية” تلزم حكومة إسرائيل بالتوجه إلى نهج السلام، والعمل بالاتفاقيات الموقعة، ووقف النشاطات الاستيطانية، وهو الأمر الذي دفع بالرئيس عباس إلى تغيير خطته السياسية التي تقوم على إعطاء المجتمع الدولي عاما لإنهاء الاحتلال، قبل التحرك في خطوات تشمل “التحلل” من الاتفاقيات الموقعة، واستبدالها بعقد جلسة المجلس المركزي، المقرر أن يتخذ قرارات مصيرية تخص القضية الفلسطينية.
ويتردد أن الرئاسة الفلسطينية، أبلغت الإدارة الأمريكية والعديد من الدول العربية والأوروبية الوازنة والصديقة، بخطة تحركها بعد اجتماع المركزي، كما ألمحت إلى البنود الأساسية التي سيتبناها المجلس، والتي ستؤكد أن الفلسطينيين لن يمضوا وحدهم في الالتزام باتفاقية السلام، فيما تتجاهلها بشكل كامل حكومات الاحتلال.
وعلمت الصحيفة، أن وزير الخارجية الأمريكي حاول جاهدا خلال اتصاله بالرئيس عباس، عدم وصول الملف السياسي إلى “طريق مسدود”، وتخفيف قرارات المجلس المركزي، مبديا اعتراض إدارته على أي قرارات فلسطينية جديدة تصدر عن المجلس، تشمل “التحلل” من “اتفاق أوسلو”، كما عمل في ذات الوقت على إرسال رسالة للقيادة الفلسطينية، تشمل بأن إدارته ستمضي في تطبيق وعودها الخاصة بالملف الفلسطيني.
ورغم هذه المحاولة الأخيرة للإدارة الأمريكية لـ “التهدئة السياسية”، فإنها لم تقدم في ذات الوقت أي أفكار أو خطط، تشمل إطلاق عملية سلام ذات مغزى محكومة بسقف زمني محدد، وتخضع لإشراف دولي كما ينادي الفلسطينيون، كما لم تقدم أي التزام للفلسطينيين، يشمل دفع الاحتلال لتنفيذ ما عليه من التزامات وردت في اتفاقيات السلام، واكتفت بتقديم وعود بالتحرك في هذا الملف قريبا، وهو ما أفشل المحاولة الأخيرة التي قام بها بلينكن مع الرئيس عباس، حسب ما أكدت المصادر.
وفي دلالة على ذلك، كان جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، قال إن هناك مساعي لأن تكون مخرجات المجلس المركزي معبرة عن طموحات وتطلعات الفلسطينيين، سواء باتجاه المخرجات السياسية التي لها علاقة بإعادة صياغة الموقف تجاه الاحتلال الإسرائيلي والعلاقة معه، والاعتراف به ومواجهته في المحاكم الدولية، والانضمام لكل المنظمات الدولية ومساءلته ومراجعة عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة التي تمت بموجب الالتزام بتطبيق القرارين 181 و194.
وأشار إلى أن حركة فتح تسعى لأن تكون قرارات المجلس المركزي معبرة عن مواقف كل القوى الوطنية والفلسطينية ومنسجمة مع المصالح والتطلعات الفلسطينية.
وسبق وأن قال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إن الاتصالات مع الإدارة الأمريكية “تسير ببطء شديد”، وأنها لم تصل الى نتائج بعد حول القضايا الأساسية، وعلى رأسها تنفيذ وعود الرئيس جو بايدن سواء فيما يتعلق بالقدس، أو القنصلية، أو وقف الاستيطان.
وكان الرئيس بايدن وعد بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية التي أغلقها الرئيس السابق دونالد ترامب، كما وعد بتحقيق السلام على أساس “حل الدولتين”، وأعلن كذلك معارضته للاستيطان، غير أن أيا من تلك الملفات لم يتحقق.
وقد أعرب أبو ردينة عن أسفه لـ “ضبابية” الموقف الأمريكي الحالي، الذي قال إنه “لا يخدم قضية السلام وحل الدولتين”، مشددا على ضرورة أن يعلم الجميع أن القضية الفلسطينية لا يمكن تجاوزها، وأكد أبو ردينة أن المجلس المركزي القادم سيؤكد رسالة الرئيس عباس الدائمة بأنه “لن يكون هناك أمن ولا استقرار دون القدس وتحرير الأسرى”، واصفا تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الأخيرة برفضه إقامة الدولة الفلسطينية بأنه “لا قيمة لها”، وشدد على ضرورة أن تعلم الحكومة الإسرائيلية أن مفتاح السلام والأمن في يد الشعب الفلسطيني، ولن ينفعهم لا الحماية الأمريكية ولا التطبيع.
والجدير ذكره أن التحركات الأمريكية الجديدة، والموقف الفلسطيني هذا، جاءت في أعقاب تصريحات أدلى بها رئيس حكومة الاحتلال تفتالي بينيت قبل أيام، أكد فيها رفضه لإقامة دولة فلسطينية، وقال إنه لن يسمح بإجراء أي محادثات تؤدي لقيامها، وإن “اتفاق أوسلو” لن يطبق طالما بقي هو في رئاسة الوزراء.
وقال بينيت “أنا من الجناح اليميني، ومواقفي لم تتغير، ما زلت أعارض إقامة دولة فلسطينية وأدافع عن دولتنا، ولن أسمح بمفاوضات سياسية على خط الدولة الفلسطينية، ولست مستعدا للقاء أي من قادة السلطة الفلسطينية”.
وجرى بين الرئيس عباس ووزير الخارجية الأمريكي بلينكن، حسب البيان الرسمي الفلسطيني، بحث آخر المستجدات في الأراضي الفلسطينية والعلاقات الثنائية بين الجانبين الفلسطيني والأمريكي.
وخلال الاتصال أكد الرئيس عباس للوزير الأمريكي، أن الوضع الحالي “غير قابل للاستمرار”، وشدد على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، ووقف النشاطات الاستيطانية، كما شدد على ضرورة وقف الممارسات الإسرائيلية أحادية الجانب التي تقوّض حل الدولتين، والانتقال لتطبيق الاتفاقيات الموقّعة بين الجانبين، وعقد اجتماعات اللجنة الرباعية الدولية على المستوى الوزاري، من أجل البدء بعملية سياسية حقيقية وفق قرارات الشرعية الدولية، وأن المجلس المركزي القادم سيقوم بتقييم الأوضاع، واتخاذ القرارات اللازمة لحماية حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني.
ونقل البيان الرسمي الفلسطيني، عن وزير الخارجية الأمريكي، تأكيده على التزام الولايات المتحدة بـ “حل الدولتين”، وأهمية خلق أفق سياسي، مشيرا إلى إدراك إدارة بايدن للصعوبات السياسية والاقتصادية التي تمر بها السلطة الفلسطينية.
كما أكد رفض الإدارة الأمريكية للاستيطان واعتداءات المستوطنين، والاجتياحات في مناطق السلطة الفلسطينية، ورفض طرد السكان وهدم البيوت، مؤكدا التزام الإدارة الأمريكية بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، ووعد بالعمل المشترك مع الجميع للمضي قدما لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
وفي واشنطن قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، إن بلينكن وعباس ناقشا “الحاجة إلى إصلاح داخل السلطة الفلسطينية”، لافتا إلى أنهما بحثا أيضا “ضرورة تحسين نوعية حياة الشعب الفلسطيني بطرق ملموسة”.
كما اتصل بلينكن بوزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، وبحثا العلاقات الأمريكية الإسرائيلية الوطيدة والتحديات المشتركة.
وذكرت تقارير عبرية أن وزير الخارجية الأمريكي، جدد التزام إدارة الرئيس جو بايدن الراسخ بأمن إسرائيل، إضافة إلى ذلك، بحث بليكن ولبيد القضايا الإسرائيلية الفلسطينية.
ولم يكشف إن كان الاتصال ناقش ملف فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية لخدمة الفلسطينيين، أو إمكانية استئناف مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين أم لا.
يشار إلى أن وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، قال في كلمة له أمام “الكنيست” الإسرائيلي إن العلاقات مع السلطة الفلسطينية ستتوسع وستتعمق، وقال غانتس الذي التقى مؤخرا الرئيس عباس “أنا أبذل قصارى جهدي للسعي من أجل السلام، وفي لقائي مع محمود عباس اتفقنا على تعزيز الاقتصاد الفلسطيني والمطالبة بالعودة إلى اللقاءات”.
وأضاف “يجب أن نسمح لأفق سياسي، والعلاقات مع الفلسطينيين ستتوسع”، مشيرا إلى أن ضعف السلطة الفلسطينية سيعزز حماس، وأشار إلى أنه لن يدفع الاتفاقات السياسية في هذه الحكومة، لكنه أكد أنه سيحافظ على أفق سياسي وتحقيق المصلحة.