عن الصين والشرق الأوسط..محمد ياغي

الجمعة 28 يناير 2022 12:48 م / بتوقيت القدس +2GMT



شهدت العاصمة الصينية في بدايات هذا الشهر زيارات العديد من وزراء الخارجية العرب (من دول الخليج تحديداً) بالإضافة الى وزراء خارجية إيران وتركيا للصين.
الزيارات تأتي في سياق تطوير علاقات هذه الدول مع الصين، لكنها أيضاً تأتي في ظل تخوفات الدول الخليجية من الصراع المتزايد بين أميركا والصين وتأثيره عليها، ومن إدراكها المتزايد بأن الولايات المتحدة أصبحت أقل اهتماماً بهذه المنطقة.
لكي نفهم أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للصين علينا أن ندرك حجم الاقتصاد الصيني ومدى ارتباطه بالشرق الأوسط حالياً.
الاقتصاد الصيني تضاعف خمس مرات منذ العام ٢٠٠٠ والناتج المحلي الإجمالي للصين منذ عدة سنوات أكبر على الأقل بترليوني دولار في قيمته الشرائية من الناتج المحلي الأميركي.
الاقتصاد الصناعي للصين أصبح ضعف مثيله في الولايات المتحدة رغم أن اقتصادها الخدمي لا يزال أقل بكثير من الاقتصاد الأميركي بسبب ارتباط العالم بالدولار الأميركي. والصين اليوم قوة خارقة تقنياً في بعض المجالات مثل الفضاء والانترنت.
الصين هي أكبر مستهلك للنفط والغاز في العالم حيث تستورد ثلث احتياجاتها من الطاقة من الشرق الأوسط. الصين تستورد سدس ما تنتجه دول الخليج العربي من البترول، وخمس ما تنتجه إيران، ونصف ما ينتجه العراق.
ازدهار دول الخليج العربي تحديدا بسبب طبيعة اقتصادها الذي يتوقف على تصدير النفط، مرتبط الى حد بعيد بقيام الصين باستيراد النفط منها.
إيران في المقابل ورغم عدم اعتماد اقتصادها على النفط كباقي دول الخليج، إلا أن العقوبات الاقتصادية عليها أجبرتها على الارتباط اقتصاديا أكثر بالصين وعلى الارتباط أكثر باقتصاديات الدول الاوراسية وهذه بدورها مدمجة في مشروع الحزام والطريق الصيني، الذي انضمت له سبعة عشر دولة عربية.
مشروع الحزام والطريق الذي أعلن عنه العام ٢٠١٣ وبدأ العمل  لتنفيذه منذ ذلك الوقت حيوي للاقتصاد الصيني لأنه يربط قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا ببعضها البعض وينطلق من الصين عبر ممر بري (الطريق) وآخر بحري (الحزام). وهو مشروع تستثمر فيه الصين مئات البلايين من الدولارات لبناء شبكات طرق وموانئ بحرية من أجل نقل انتاجها الى الدول الأخرى.
لكن بدون الشرق الأوسط لا وجود لـ (حزام) لأنه يمر من إيران وتركيا، ولا وجود لـ (طريق) لمروره من البحر الأحمر الذي تشرف دول عربية على ضفتيه وعلى الممرين البحريين فيه (باب المندب وقناة السويس).
حتى ما قبل أعوام قليلة وتحديدا منذ بداية الولاية الثانية للرئيس الأميركي أوباما، لم تكن الصين بحاجة للتفكير في تأمين مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط لأن علاقاتها كانت جيدة مع الولايات المتحدة، والأخيرة كانت تقوم بتأمين منطقة الخليج والممرات المائية الموجودة في الشرق الأوسط، ولأن مشروع الحزام والطريق لم يكن موجودا.
المعادلات تغيرت منذ ذلك الوقت.
الولايات المتحدة جعلت من الصين اليوم خصمها الرئيس، وهي تريد محاصرتها ومنعها من التحول الى قوة عسكرية موازية لها بعد أن أصبحت اقتصاديا وتقنيا في مستواها إن لم تتفوق عليها. تبعاً لذلك تقوم الولايات المتحدة بتخفيض وجودها في الشرق الأوسط ونقله للمحيطين الهندي والهادي وقريبا من مناطق نفوذ الصين. الأخيرة بدورها أصبح الشرق الأوسط لها حيوياً لاستمرار نموها الاقتصادي ولتنفيذ مشروعها للحزام والطريق.
هذه المعادلات الجديدة تفرض على الصين أن تلعب دوراً مهماً في أمن منطقة الشرق الأوسط لتأمين مصالحها وهي قد بدأت بذلك فعلاً.
اليوم يوجد للصين قاعدة عسكرية في جيبوتي على البحر الأحمر، وتقوم بتطوير وإنتاج صواريخ بالستية لصالح العربية السعودية وداخل السعودية نفسها، وكانت تبني سراً قاعدة عسكرية في الامارات العربية وبالتعاون معها حتى اكتشفها الأميركيون وطلبوا من الامارات تفكيكها إن أرادت بقاء قوات أميركية على أرضها.
أميركا بالتأكيد ستقاوم الحضور الصيني الأمني في منطقة الشرق الأوسط، مثلما حدث في موضوع القاعدة العسكرية الصينية وسابقا له في استخدام الامارات لتكنولوجيا الـ "جي 5" الصينية الذي أوقفته أيضا الامارات بعد الضغوط الأميركية.
لكن هذه المقاومة ستضعف تدريجيا مع الوقت لأن مصالح دول الخليج العربي تحديداً مع الصين أصبحت أكبر وأهم من مصالحها مع الولايات المتحدة، خصوصاً إذا قبلت الصين بلعب دور أمني في المنطقة.
قد لا تكون للصين رغبة في ذلك، لكنها مثل الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ستجد نفسها شيئا فشيئا تبني وجودا عسكريا لها في المنطقة لحماية مصالحها.
الولايات المتحدة كانت تريد أن تنأى بنفسها عن مشاكل الشرق الأوسط في خمسينيات القرن الماضي لكن الحرب الباردة فرضت عليها توسيع نفوذها وحضورها، وهذا الحضور العسكري اتسع كثيراً بعد احتلال صدام حسين للكويت ليصبح لها أكثر من 17 قاعدة عسكرية في المنطقة العربية لوحدها بعد أن كانت لها قاعدة عسكرية واحدة في البحرين بداية ثمانينيات القرن الماضي.
الصين لها اليوم قاعدة عسكرية واحدة في جيبوتي، لكن مع انسحاب الولايات المتحدة التدريجي من المنطقة وصراعها معها، ستكون مضطرة لبناء حضور عسكري في المنطقة سيتسع تدريجيا، تماما مثلما حصل مع الولايات المتحدة.
هل ستقف الصين مع مصالح العرب أم مع مصالح أعدائهم؟
الصين ستقف مع مصالحها ومع من تتقاطع مصالحها معهم، ولأنها تمتلك مصالح لها مع العرب ومع أعدائهم على حد سواء، فهي أكثر قدرة من الولايات المتحدة على أن تكون وسيطاً "نزيهاً" لإنهاء أو خفض الصراعات الموجودة في المنطقة.