الطنطورة مجزرة مروعة في سياق سياسات التطهير العرقي الصهيوني المستمرة منذ النكبة!

الجمعة 28 يناير 2022 12:37 م / بتوقيت القدس +2GMT
الطنطورة مجزرة مروعة في سياق سياسات التطهير العرقي الصهيوني المستمرة منذ النكبة!



كتب نواف الزرو :

بمناسبة مبادرة الباحث الاسرائيلي أدام أراز وقبله الباحث تيدي كاتس بكشف النقاب عن المزيد من الوثائق-الحقائق –التفاصيل المتعلقة بمجزرة الطنطورة وتفاصيلها المروعة، نعود ونكرر ونؤكد ونذكر ونقرع ثانية وثالثة انه في الحكاية الفلسطينية بمضامينها النكبوية، ربما أول ما يخطر بالبال والفكر والذاكرة، هو ذلك العنوان المرعب “التطهير العرقي في فلسطين”، فهو من أهم وأخطر العناوين التي ذكرنا بها جنرالات “اسرائيل” على مدى العقود الماضية، ويذكرنا بها نتنياهو وبينيت واليمين الصهيوني الفاشي في هذه الآونة نظرا لأفكارهم ومواقفهم ومقترحاتهم ودعواتهم العنصرية اليمينية الفاشية التطهيرية التي يطلقونها تباعا، وينسحب ذلك على المجتمع الصهيوني كله، وكان من أبرز دعواتهم للتخلص من العرب الباقين في فلسطين 48 ما قال ليبرمان على سبيل المثال: “أنه يرغب في أن تكون إسرائيل دولة يهودية وصهيونية.. وأنه يجب التخلص من العرب”، وكذلك دعوته ل”شطب القضية الفلسطينية من القواميس”، يضاف إلى ذلك طبعا تلك الفتاوى التي أطلقها كبار حاخاماتهم وصغارهم على حد سواء، والتي تبيح الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين لتبقى فلسطين يهودية نظيفة من العرب، ما يحدث في فلسطين في هذه الأيام يعيدنا إلى ذاكرة النكبة وإلى نقطة البداية وهي “خيار التطهير العرقي” الذي تريد المؤسسة الصهيونية اليوم أن تقود الأوضاع إليه.
وفي هذه المضامين العنصرية التطهيرية الابادية الممتدة، كان المؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه أكد “ارتكاب جرائم تطهير عرقي في فلسطين عام 1948 وفقا لخطط مفصلة، وأن إسرائيل تواصل ذلك حتى اليوم بطرق مختلفة”، موضحا “أن فكرة التطهير العرقي ولدت مع نشوء الصهيونية، إلا أنها حولتها لخطط عندما بات اليهود يحتلون ثلث سكان البلاد، لافتا إلى أن الخطط “ا”(1930) و”ب” (1946) و”ج” (1947) تتحدث عن ذلك، لكن الخطة “د” (1948) تحدد معالم خطة التطهير العرقي بوضوح وبشكل صريح”، وشدد بابيه على “أن الحرب عام 48 استخدمت من قبل الصهيونية وسيلة لتطبيق خطة التطهير العرقي بخلاف أبحاث المؤرخين الإسرائيليين الجدد الذين اعتبروا أن التطهير جاء نتيجة للحرب”، وقامت الخطة على تطويق المدن والقرى العربية من ثلاث جهات وترك الجهة الرابعة مفتوحة لتمكين السكان من النزوح وإطلاق النار على المدنيين وهدم المنازل بالمتفجرات وسرقة الممتلكات بشكل منهجي”، كما تضمنت الخطة اقتراف مذابح ضد المدنيين في الأرياف الفلسطينية لإرهاب السكان ودفعهم على الهرب، لافتا إلى أن الصهيونية نفذت مجزرة في بعض القرى قبيل احتلال المدن الكبرى”.
يبدو المشهد الماثل في هذه الأيام في فلسطين.. في مدنها وقراها  ومخيماتها وخربها وأمكنتها المختلفة، وكأنه ذلك المشهد التدميري الذي عاشته فلسطين قبل نحو ثلاثة وسبعين عاما… ذلك المشهد الذي لم يبق ولم يذر من الأرض والعرب شيئا.. إنه مشهد التطهير العرقي …ما يعيدنا  بداية إلى استحضار تلك الخطط التي عملوا بها ما قبل قيام دولتهم، فحسب الدكتور “ايلان بابيه” فقد وضعت الصهيونية خطة مكتوبة للتطهير العرقي في فلسطين قبل النكبة بسنوات تم تطويرها مع الوقت إلى أن تبلورت نهائيا فيما يعرف بـ”الخطة- د”، ولكن وفي سياق مخططها الاستراتيجي للسطو على فلسطين بغية إقامة الدولة الصهيونية، كانت الحركة الصهيونية –بتنظيماتها العسكرية الإرهابية العديدة آنذاك- قد تبنت ما أطلقوا عليها الخطة – ج- التي نصت بوضوح على ما ستشمل عليه الأعمال الإجرامية ضد  العرب من ضمن ما نصت عليه:
“قتل القيادات السياسية الفلسطينية؛ قتل المحرضين الفلسطينيين ومن يدعمونهم ماليا؛ قتل الفلسطينيين الذين يعملون ضد اليهود؛ قتل ضباط ومسؤولين كبار كانوا يعملون مع سلطات الانتداب؛ تخريب المواصلات الفلسطينية؛ تخريب موارد العيش الفلسطينية: آبار المياه، الطواحين …الخ. مهاجمة القرى الفلسطينية المجاورة التي يحتمل ان تساعد في الهجمات في المستقبل؛ مهاجمة النوادي الفلسطينية، والمقاهي، وأماكن التجمع… الخ”. وبعدها عمدت الصهيونية الى تطوير الخطة-ج- وقامت بصياغة جديدة للخطة الاخيرة خلال أشهر قليلة اطلقت عليها الخطة -د، وهي الخطة التي قررت مصير العرب داخل المنطقة التي كان زعماء الحركة الصهيونية يتطلعون إلى إقامة دولتهم اليهودية المقبلة عليها.
وكما وثق لاحقا، فمنذ الإعلان عن قرار التقسيم الصادر في 29 تشرين الثاني 1947، تم الإفراج عن الخطة “د” لوضعها موضع التنفيذ، بعد إقرارها – نهائياً- من قبل قيادة الهاغانا في 10 آذار 1948، وكانت تقضي، كما اعترف الجنرال “يادين” في مقابلة مع صحيفة “حداشوت” في “كانون الأول 1985، بـ “تدمير القرى العربية المجاورة للمستعمرات اليهودية، وطرد سكانها”…. أما “بن غوريون” فقد أصدر كما هو مدون في يومياته، أمراً في 19 كانون الأول 1947 يقضي بأن “كل هجوم يجب أن يكون ضربة قاضية تؤدي إلى تدمير البيوت وطرد سكانها”… واستجابة لهذا الأمر، وبعد أقل من أسبوعين، دعا الجنرال “يغال آلون” قائد البالماخ – فلوغوت ماحتس (كتائب السحق)، في الأمر اليومي الذي أصدره الى حرب شاملة تحقق الإبادة الجماعية والتدمير الاقتصادي، إذ “من الصعب (كما ينص الأمر) تمييز الأعداء من غير الأعداء، ومن المستحيل تفادي قتل الأطفال… إلى ذلك، لم تتوقف المخططات والنوايا الابادية عند عام النكبة، بل هي مستمرة، فقد كشف قائد شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، ‏أهرون يريف، النقاب سنة 1973 إن هناك مخططات لاستغلال أول حرب قادمة وترحيل ما بين ‏‏600 ـ 700 الف مواطن عربي من الجليل والضفة الغربية إلى شرق الأردن. وهناك أكثر من رأي لدى ‏المؤرخين اليهود عن أن مجزرة كفر قاسم التي نفذت سنة 1956 إبان حرب السويس (المعروفة باسم ‏‏”العدوان الثلاثي على مصر”)، استهدفت إرهاب فلسطينيي 48 وحملهم على الرحيل هم وبقية ‏فلسطينيي 48 في منطقة المثلث، ولكنها فشلت‎.‎
وما بين الأمس.. أمس النكبة والتهجير والتهديم والمجازر، واليوم، بعدنحو اربعة  وسبعين عاما، ما زلنا نتابع الحخكومات والسياسات الصهيونية ذاتها كيف تواصل مهماتها التي لم تنجز من وجهة نظرهم.. ونتابع سياسات التطهير العرقي والمجازر الجماعية… ونتابع عمليات التهديم والتهجير المتواصلة التي يستكملون فيها سياسات التطهير العرقي المقترفة منذ النكبة… فمن العراقيب في النقب العربي المحتل في اقصى الجنوب الفلسطيني التي قامت جرافات الاحتلال بهدمها حتى الآن 197 مرة وأعاد أهلها بناءها 197 مرة في معركة وجودية صريحة، مرورا بيطا الخليلية التي لم تتوقف بلدوزرات التهديم والاستيطان عن العمل فيها، ومرورا أيضا بالأغوار المحتلة التي تبلغ ثلثي مساحة الضفة، وصولا إلى بيتا وبرقة وطانا الواقعة على مقربة من نابلس شمالي الضفة الغربية… تلك هي المساحة التي تتحرك فيها وعليها بلدوزرات الهدم والتدمير والتخريب والتهجير الصهيونية، بلا توقف أو كلل، فالهدف الكبير لديهم كان منذ ما قبل إقامة دولتهم، وما زال ساريا إلى اليوم هو: هدم وتدمير وتنظيف الارض من معالمها واهلها وتمهيدها للتهويد الشامل بلا عرب!.
يقف الفلسطينيون العرب هناك، على امتداد مساحة فلسطين من بحرها إلى نهرها أمام تحد وجودي في مواجهة البلدوزرات الصهيونية، فليس في الأفق أي تسوية أو حل أو انسحاب صهيوني، وليس في الأفق أيضا سوى الحروب مع المشروع الصهيوني…! وليس في الأفق كذلك أي دور أو تدخل عربي أو أممي.
نأمل أن تستخلص كافة القوى والفصائل الفلسطينية، العبر والاستخلاصات اللازمة.. فالوحدة والمصالحة الوطنية الفلسطينية هي الممر الاجباري نحو هزيمة المشروع الصهيوني والتحرير والاستقلال…!
كاتب فلسطيني
Nzaro22@hotmail.com