لا نكاد نتجاوز حدثا اجتماعيا في بلد عربي حتى يطل عليناغيره بذات الزخم من احداث جدل مجتمعي عارم يكون اشبه بصياح ديوك في فجر نهار صيفي هادئ... الكل يصرخ في وجهته، وحده الفضاء هو المستمع الوحيد. وللأسف لا يتجه الحوارأبدا وجهة محاولة الفهم والوصول لأرضيات مشتركة تساعدنا في فهم الخلل.
لن اتطرق لحادثة معينة او عرض سينمائي او تلفزيوني بعينه، أو ظاهرة مجتمعية بعينها فنحن أصبحنا نرى ونسمع الكثير، لكني قد لا اقارب الخطأ ان قلت بأن مجتمعاتنا العربية تائهة في تركيبتها الاجتماعية كتوهانها سياسيا واقتصاديا وعلميا والقائمة تطول.في المجتمعات العربية اليوم تصاب في مقتل في كل مكونات وجودها وهويتها وتميزها، وهي بذلك ليست استثناء عن اي من شعوب العالم التي تقف في مقارعة امتداد الفكر الغربي الرأسمالي المغلف بقيم قد لا تتماشى ليس فقط والمجتمعات الشرقية العربية المسيحية المسلمة، بل لا تتماشى ومجتمعات كثيرة حول العالم تجاهد في الحفاظ على هويتها فيسيل عارم من ذوبان المجتمعات بعضها ببعض بفعل عوامل التكنولوجيا ومنصات التواصل الإجتماعي، وهذا مفترق خطير تقف عليه البشرية دون إدراك لتبعاته.
المجتمع الغربي الذي يقدم لنا حقوق الإنسان على طبق مغري بديباجة تناسب تركيبته وميوله و كما يرونها هم لا كما يجب أن تتماهى وخصوصية كل مجتمع حسب مكوناته الفكرية والسياسية والاقتصادية وبنية المجتمع وايديلوجيته.
وعلني اتجاوز اي سوء فهم في أن أؤكد على اهمية حقوق الانسان وصون كرامته ايا كان مكانه او فكره او دينه هي أساس لا جدال فيه. لكن ماي حدث اليوم وتحت مسميات لم نعد نستطيع مجاراتها اصبح يشكل تحديا كبيرا. ليس فقط على المجتمعات العربية التي جعلتها ظروفها السياسية والاقتصادية وإرث الاستعمار الثقيل فيها أشبه بريشة في مهب عالم سريع لا يرحم.
يؤلمني القول بأن العرب يقفون على هامش العالم ينظرون من بعيد لمشهد هم غير فاعلين فيه لأسباب يطول ذكرها وليس هنا متسع لها.فالحروب الكبيرة المستقبلية لا تشن بالسيوف، ولا حتى بالطائرات وبالمدرعات.
الحروب اليوم تستهدف العقول والوجدان وهذا أشد وقعا وخطرا، فأنت قد تصبح الد اعداء من حولك ان انت رأيت في إختلافهم تخلفا، وفي مطلق الحرية بلا حسيب أو رقيب منهج حياة يقارب حيوانات الغاب في أصله والمسمى تحضر وتمدن.
نعم الحرية هامة، لكن من يملك الحرية؟ ايمكن لك ان تمنح طفلا حرية السير على سطح منزل مكون من عشرين طابق؟ اهوعلى قدر اختيار قرار يمكنه من النجاة بحياته او وضع نهاية لها؟
ايمكن ان تسمح لمراهق أن يجرب المخدرات والكحول وأن يدخل في علاقات غير مشروعة فقط لأنه يريد ذلك ولانك والد او أنك ام متحضرة؟ المجتمعات الغربية تعاني من الكثير من المشكلات في بنيانها المجتمعي قد لا نلم بجوانبها لأن ما يظهر لنا هو صورة المدن النظيفة المنظمة والشعوب التي تحترم حرية مواطنيها. هذا لا شك هام وأساسي ونتطلع لمثله في مجتمعاتنا العربية، لكن دون أن نلبس القشور ونرفض الجوهر.
فالقشرة هو ما ينادي بها المعظم للأسف من انفتاح لا حسيب فيه ولا رقيف، ويقف مقابل أولئك زمرة تدعو لرفض كلما هو حديث للتخوف من ان تهدم أفكار الغرب هوية العرب المسيحية المسلمة الشرقيةا لمتميزة.
علنا في هذا السياق بحاجة لوقفة تدبر وتفكير فيما نريد ولا نريد، ليس بالبعيد لمن يقرأ في تاريخ العلم والمعرفة، نقل الغرب عن العرب والمسلمين كثيرا من العلوم وبنوا عليها وطوروها لرفعتهم وتميزهم. ونحن في المقابل لا نأخذ من الغرب سوى ما ينتج أيا كان نزرعه في بيوتنا وفي عقول أبنائنا وعقولنا، فالجوهر جهل والظاهر تحضر ومدنية.