يديعوت - بقلم: بن درور يميني- العنف هنا، ولا حاجة لتعريف ممارسيه بأنهم ينتمون إلى دائرة “شبه البشر” كي نعرف بأنهم زعران مناهضون للصهيونية. الصور لا تكذب. صباح الجمعة، تهجمت عصبة من الزعران تحمل العصي الطويلة على نشطاء يساريين. عجوز ابنة 80 أو 90 تلقت ضربات قاتلة. مجلس “يشع” نشر بيان شجب: “مصدومون بصور الحدث الشاذ… سلوك خطير كهذا يتعارض وقيم شعب إسرائيل ويمس بالاستيطان. ليس هذا طريقنا. ندعو قوات الأمن للتحقيق في الحدث ومحاسبة المشاغبين”. ومساء أمس، والويل للعار، كان تقرير عن قافلة مستوطنين من “يتسهار” مست ببلدة حوارة، رشقوا الحجارة وأصابوا طفلاً ابن ثلاثة.
المشكلة أنها لم تعد أحداثاً شاذة؛ ففي الضفة أجواء احتكاك. بشكل عام، يدور الحديث عن مناطق فيها بؤر استيطانية، بعضها غير قانوني، تقع بجوار قرى فلسطينية. مدى الاحتكاك يقرر بأنه بقدر ما تعيش الفئات السكانية المختلفة في منطقة ما أكثر عداء، تشتد أحداث العنف. التنوع البشري، أحياناً، وصفة للمشاكل. يمكن ويجب شجب الزعران، وتجب ملاحقتهم، ونبذهم، ومعاقبتهم. ولكن يجب أن ندرك بأن شجب الدولة ومجلس “يشع” والسياسيين لن يجدي نفعاً، ولا حتى يد قاسية ستحل المشكلة. يكمن أساس المشكلة في خلط السكان المعادين. عندما يدور الحديث عن أغلبية يهودية وأقلية عربية في دولة إسرائيل، فلا يخلق الاحتكاك عنفاً واضطرابات معظم الوقت، كما حدث في أيار الماضي. أما في “المناطق” [الضفة الغربية] فالقصة أكثر عنفاً بكثير.
ما دام الحديث يدور عن الكتل الاستيطانية – قلنا حسناً. فوفقاً لكل مسودة اتفاق سلام في العقود الأخيرة، ستبقى هذه بيد إسرائيل. ولكن قسماً من اليمين يؤيد المزيد من المستوطنات خارج الكتل، من خلال إقامة “أحياء” هي في واقع الأمر بؤر إضافية. وعلى هذا يجب على اليمين أن يشرح لنا كيف نخرج من هذه الورطة. فإذا كان الحديث يدور عن حكم مع حقوق مواطن لليهود فقط، وحقوق مختلفة للعرب فستكون هذه دولة أبرتهايد، وإذا منحت حقوقاً كاملة فستكون دولة ثنائية القومية. كل الحلول التي عرضها اليمين تضليل ذاتي. وحتى خطة الحكم الذاتي التي تبناها مناحم بيغن، كما ينبغي التذكير، تتضمن منح حقوق كاملة، بما في ذلك حقوق الاقتراع لكل فلسطيني يرغب في ذلك. فـ”التعايش” لم ينجح ولا ينجح بين العرب والعرب في لبنان، ولا في اليمن. فخلط السكان المتعادين يؤدي دوماً، نقول دوماً، إلى نزاع وسفك دماء. ففي قلب أوروبا أيضاً، في يوغسلافيا، كان يخيل أنه يمكن إقامة مجتمع متعدد القوميات تحت سقف مشترك. النهاية معروفة. تفكك لسبعة كيانات بعد حرب جبت ثمناً دموياً هائلاً من نحو ربع مليون إنسان. فلماذا يعتقد أحد ما بأن هذا الأمر سينجح هنا بالذات؟
ما حصل يوم الجمعة في المنطقة التي بين قرية بورين وبؤرة “رونين” الاستيطانية هو توقع ليوم بارد إذا لم يوقفه، فلا بد سيأتي. وثمة بؤر اشتعال غيرها. والناس ستنتشر وتأكلنا كلنا. ينبغي أن نتذكر بأن رؤية دولة واحدة كبيرة بين البحر والنهر تعود أيضاً لكارهي إسرائيل. هذه رؤية الـ BDS، وهي رؤية اليسار المناهض للصهيونية في إسرائيل والعالم. هذه هي الرؤية القديمة لـ م.ت.ف. لكن مقاولي تنفيذها هم أولئك الذين يصرون على المزيد من البؤر الاستيطانية.
اليسار المتطرف واليمين المتطرف هما واحد. فاليمين ثنائي القومية عارض أيضاً خطة ترامب، وعملياً، أراد أن يتبنى القسم الذي يعنى بفرض السيادة فقط. لكن هذا اليمين يقتادنا جميعاً من أنوفنا.
لليمين ادعاءات مبررة في موضوع الدولة الفلسطينية التي قد تصبح دولة حماس والجهاد، وادعاءات مبررة ضد الحملة المنظمة “لعنف المستوطنين”، مثلما أيضاً ضد التمويل الأوروبي للحملة. واليمين محق عندما يدعي بأن الزعران من بين المستوطنين ممن يسارعون إلى العنف، هم أقلية، بما في ذلك في أوساط محبي بلاد إسرائيل الكاملة. ولكنهم أقلية متصدرة، أقلية متنبئة للمستقبل وخالقة للمستقبل، أقلية تعرض المشكلة الأكبر لتصفية الرؤية الصهيونية.
هذا مشجع لأن يكون إجماعاً واسعاً، من أقصى اليسار حتى مجلس “يشع”، الذي يعارض العنف ويشجب الزعران. رائع. ولكن هذا يساوي تقريباً إجماع “من ضد الإرهاب”. كلنا ضد. على الأقل الأسوياء منا. الموضوع أننا بحاجة لإجماع آخر، إجماع صهيوني، إجماع لا يؤيد فقط دولة يهودية وديمقراطية، بل ويعارض دولة ثنائية القومية. بهذا المفهوم، يبدو أن الجدال ليس بين “اليسار” و”اليمين”، إنما بين المعسكر القومي والمعسكر ثنائي القومية. ولا، لا يكفي شجب الزعران. نحن بحاجة ماسة إلى أكثر، أكثر بكثير.