الهجمات الأخيرة التي نفذها الحوثيون بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية على دولة الإمارات العربية لم تكن مفاجئة، فقد أعلن الحوثيون نيتهم القيام بذلك قبل أيام قليلة من تنفيذها.
وفق تقرير نشره موقع «العربية» على صفحته باللغة الإنجليزية فإن السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، أعلن في لقاء له مع أحد مراكز البحث الأميركي، أن الإمارات تمكنت من اعتراض عدد من الصواريخ والطائرات المسيرة ومنعها من الوصول إلى أهدافها ولكن بعضها الآخر لم يتم اعتراضه.
هجمات الحوثيين الصاروخية على الإمارات ليست جديدة، فقد قاموا بذلك وفق موقع «المسيرة نيت «التابع للحوثيين أربع مرات بين العامين 2017 و2018، ولكن هجماتهم توقفت منذ ذلك الوقت خصوصاً أن الإمارات قد أعلنت عن انسحابها من المشاركة في الحرب بشكل مباشر العام 2019.
منذ ذلك الوقت، لم يوقف الحوثيون هجماتهم العسكرية ضد الإمارات العربية فقط ولكن أيضا ضد القوى التي تدعمها الإمارات في جنوب اليمن، وهو ما يوحي بأن انسحاب الإمارات من الحرب، كان مشروطا أيضا بتوقف الحوثيين عن مهاجمة حلفائها الجنوبيين.
ما الذي تغير إذا بين الطرفين وفرض على الإمارات العودة مجدداً للمشاركة في الحرب؟
خلال العام الماضي كثف الحوثيون هجماتهم للسيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط، ورغم خسارتهم ربما للآلاف من عناصرهم خلال الحرب للسيطرة عليها إلا أنهم لم يتراجعوا وتمكنوا من الاستيلاء على معظم مديرياتها الأربع عشرة وأصبحت مديرية أو مدينة مأرب التي لا تزال في أيدي قوات الشرعية اليمنية في حكم الساقطة عسكريا.
سيطرة الحوثيين على معظم مديريات مأرب تعني استراتيجياً أن خطوتهم اللاحقة قد تكون محافظة شبوة لفصل القوات اليمنية التي تدعمها العربية السعودية عن القوات اليمنية التي تدعمها الإمارات وهو ما يعني محاصرة القوات التي تدعمها الإمارات في جنوب اليمن والتعامل معها إما فوراً ومن وضع عسكري أفضل أو بعد التوصل لاتفاق مع العربية السعودية لإنهاء الحرب في شمال اليمن.
هذه المخاوف دفعت الإمارات قبل أقل من شهرين تقريباً إلى سحب القوات اليمنية التي تدعمها من الساحل الجنوبي الغربي لليمن، حيث كانت تحاصر ميناء الحديدة، وإعادة مَوضَعتِها في أماكن قيل حينها إنها تستهدف تحصين الدفاعات عن جنوب اليمن.
وهو انسحاب تبعه مباشرة استيلاء للحوثيين على أكثر من مائة كيلومتر من الساحل الجنوبي الغربي معززين بذلك سيطرتهم على ميناء الحديدة ومقتربين أكثر من المناطق المطلة على باب المندب.
المفاجأة للحوثيين كانت أن الإمارات نقلت القوات التي تدعمها لمحافظة شبوة وبالتنسيق مع العربية السعودية لتعزيز سيطرة القوات اليمنية التي يدعمها كلا الطرفين على هذه المحافظة وإنهاء سيطرة الحوثيين على بعض مديرياتها، ومراكمة هذا الإنجاز بالعمل على استعادة المديريات التي سيطر عليها الحوثيون في محافظة مأرب.
عندما هاجم الحوثيون الإمارات العربية، نشر موقع المنار التابع لحزب الله خبراً مفاده أن الولايات المتحدة كانت قد طلبت من الحوثيين وعبر الوسيط العماني عدم التقدم باتجاه شبوة ورغم أن الموقع لم يشر إن كان الحوثيون قد استجابوا لذلك أم لا، إلا أن نشر الخبر مترافقا مع الضربة للإمارات كان فيه إيحاء بأن الحوثيين قد التزموا بما طُلِب منهم وأنهم تعرضوا تبعا لذلك «للخداع».
ليس من الواضح ماذا سيحصل بعد عودة الإمارات للمشاركة المباشرة في حرب اليمن ولكن ما هو مؤكد أن الحوثيين سيقومون باتباع سياسة الرد في العمق الإماراتي كما يقول صراحة مسؤولوهم وإعلامهم.
الإمارات بالتأكيد سترد ولكن لن يكون من مصلحتها استمرار الهجمات الصاروخية على عمقها لأن ذلك يجعلها بيئة طارد للاستثمار الاقتصادي، وهي بالتالي تفضل مقاربة جديدة ربما يكون منها تعهدات من الحوثيين بعدم التقدم باتجاه جنوب اليمن وعدم العمل على السيطرة تحديداً على محافظة شبوة، بالإضافة إلى وقف هجماتهم على الأراضي الإماراتية بضمانات إيرانية وذلك مقابل عودتها للوضع إلي ما كان قائما قبل الهجوم على محافظة شبوة.
هذا الاتفاق الضمني، وفق إعلام الحوثيين، كان موجوداً سابقاً وهو السبب الذي دفعهم لعدم استهداف الإمارات منذ العام 2019، لكن هذا الاتفاق، بالنسبة للإمارات وكما يبدو، كان قائماً على فرضية أن قوات الشرعية اليمنية (قوات عبد ربه منصور هادي) ستتمكن من الاحتفاظ بمحافظتي مأرب وشبوة.
لكن بعد التقدم الكبير للحوثيين في مأرب وانكشاف محافظة شبوة لهم، أصبح هذا «الاتفاق» في غير مصلحة الإمارات لأنه يعني ببساطة أن الحوثيين في وضع يسمح لهم، إن أرادوا، بمحاصرة جنوب اليمن وقضمه بالتدريج.
هل يقبل الحوثيون بهذه المقاربة؟
رغم أنهم يعلنون عن رغبتهم في الاستمرار بالقتال حتى «تحرير كامل اليمن» إلا أن قبولهم بالمقاربة السابقة يعتمد على قدراتهم العسكرية وعلى رغبتهم في كسر التحالف السعودي الإماراتي.
إن كانت قدراتهم قد تطورت كثيراً وأصبحوا أكثر قدرة على إيلام خصومهم فإنهم على الأغلب لن يقبلوا.
لكن إن كانت قدراتهم ما زالت محدودة فإنهم سيميلون إلى سياسة تفسيخ المعسكر المقابل مقابل اتفاق مع طرف منه.