في يوم التاسع عشر من يناير عام 1991 استيقظت إسرائيل على ضربة غير مسبوقة بصواريخ "سكود" العراقية، طالت العمق الإسرائيلي واستمرت لمدة 38 يومًا خلال حرب الخليج الثانية.
وجاءت تلك الضربة لإسرائيل تنفيذًا لوعد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي هدد بضرب إسرائيل في حال تعرضت العراق لعدوان خلال غزوها الكويت.
دمار وقتلى بالعشرات
وفي تاريخ 17 يناير 1991، وخلال حرب الخليج الثانية، بدأت عملية "درع الصحراء" بغارات جوية شنتها قوات التحالف المكونة من 34 دولة على العراق بعد غزوها للكويت، والتي انتهت بتاريخ 28 فبراير 1991.
الضربة الصاروخية العراقية لإسرائيل خلفت دمارًا كبيرًا وأوقعت عشرات القتلى ومئات الجرحى ولا تزال الأرقام الدقيقة غير معلنة، لكن الجيش الإسرائيلي كشف في تقرير له العام الماضي بأن 14 قتيلًا سقطوا جراء الحرب.
كما أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، نقلًا عن موقع النصب التذكاري لضحايا إسرائيل خلال الحروب، بأن عدد القتلى الإسرائيليين أعلى من ذلك بكثير، ولم يتم الإفصاح عن تفاصيله.
وفي إحصائية للقوات المسلحة العراقية، أفادت أنها أطلقت 39 صاروخًا من طراز "سكود" صوب تل أبيب وميناء حيفا والنقب؛ ما أسفر عن مقتل 74 مستوطنًا إسرائيليًا وإصابة 230 آخرين، وتدمير نحو 7440 وحدة سكنية، وتضرر 223 محلًا تجاريًا ومبنى عام، وتدمير 50 سيارة، خلال الضربات.
تركيز على وسط إسرائيل
وفي تقريره عن الحرب، كشف الجيش الإسرائيلي، العام الماضي، معلومات ومقاطع فيديو لآثار الدمار الذي خلفه القصف في تل أبيب وحيفا وديمونا بالنقب.
وتظهر مقاطع الفيديو حالة الطوارئ في إسرائيل خلال تساقط صواريخ سكود، حيث بقي الإسرائيليون في المناطق المحصنة، وعاشوا حالة من الرعب في ظل سماع صافرات الإنذار في أنحاء البلاد.
وقد شكل تعامل إسرائيل في ذلك الوقت مدعاة للتساؤل حول امتناعها عن الرد على القصف العراقي، وحتى عدم مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بالرد.
وأظهرت وثيقة نشرت ضمن دراسة أعدها المقدم شمعون جولان عام 2002 حول "اتخاذ القرارات على المستوى الإستراتيجي الإسرائيلي في حرب الخليج"؛ أماكن سقوط الصواريخ، حيث بيّنت تركيز العراق على ضرب منطقة ديمونة ووسط إسرائيل ومنطقة تل أبيب وخليج حيفا،.
وكشفت الدراسة عن تخوف إسرائيلي من طبيعة الحرب المستقبلية، بالقول: "اليوم، بعد 31 عامًا، مع دقة صاروخية عالية، لا يسع المرء إلا أن يخمن كيف ستبدو خريطة مناطق سقوط الصواريخ في حرب مستقبلية".
مخاوف من صواريخ كيماوية
وبحسب ما كشفت عنه مذكرات لغرفة العمليات للقيادة المركزية الإسرائيلية، فإن حالة الخوف والقلق لم تقتصر على الإسرائيليين فحسب خلال الحرب بل شملت القيادة العسكرية التي عاشت حالة من الإرباك، خاصة في الأيام الأولى.
وفي تفاصيل الحرب، أوضحت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية كانت تحت وطأة القصف العراقي من ليلة 18 يناير/ كانون الثاني إلى 25 شباط/ فبراير 1991، حيث دوت صافرات الإنذار في جميع أنحاء إسرائيل، بعد رصد إطلاق صاروخ من العراق.
وبحسب الصحيفة، كان المجتمع الإسرائيلي على موعد يومي مع سقوط صواريخ سكود وصافرات الإنذار كانت تدوي على مدار الساعة، فيما ساد خوف لدى قيادة الجيش والقيادة السياسية في إسرائيل من أن نظام صدام حسين سيطلق صواريخ تحمل رؤوسا كيميائية.
وعلى إثر تلك المخاوف، تم توزيع الأقنعة الواقية من الغاز الكيماوي وغاز الأعصاب على جميع المستوطنين الإسرائيليين، وتحولت المنازل إلى غرف محكمة الإغلاق، وصدر قرار بمنع النزول إلى الملاجئ خشية الغازات الكيماوية التي قد تحملها الصواريخ العراقية، وفق "يديعوت".
وتركزت الضربات الصاروخية العراقية في ساعات الليل باستثناء يوم واحد تعرضت فيه إسرائيل لصواريخ سكود في الصباح.
كما ذكرت الصحيفة العبرية، أنه في ليلة 18 يناير/ كانون الثاني 1991، كانت إسرائيل على موعد مع أول وابل من الصواريخ العراقية، التي طالت العديد من الأهداف، حيث انفجرت 8 صواريخ 5 في منطقة تل أبيب، و3 في حيفا، وفي صباح اليوم التالي، أطلقت 4 صواريخ أخرى باتجاه منطقة تل أبيب.
كما كشف الأرشيف العسكري للجيش، أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية كانت تتعرض للقصف والرشقات الصاروخية من دون أي رد أو اعتراض من قبل الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
وكشف الأرشيف أنه بعد إطلاق ثالث رشقة صاروخية من العراق، أُطلق صاروخ واحد على تل أبيب، وعندها تم إطلاق صاروخي باتريوت لأول مرة لاعتراضه، وبعد ذلك بيوم أطلق صاروخ وحيد على حيفا وأطلق نحوه 4 صواريخ باتريوت لاعتراضه.
وعلى الرغم من بدء إسرائيل اعتراض الصواريخ لكن القصف العراقي كان عنيفا، ويفيد موقع "والا" العبري أنه في يوم 25 يناير/ كانون الثاني 1991 أطلق 9 صواريخ؛ 7 على منطقة تل أبيب، و2 على حيفا، بينما أطلقت الدفاعات الإسرائيلية 27 صاروخ باتريوت على تلك الصواريخ، دون الإفصاح عما إذا تم اعتراض صواريخ صدام بنجاح.
وينبه تقرير الجيش عن تلك الحرب، إلى أن في الفترة من 28 يناير/ كانون الثاني إلى الثالث من فبراير/ شباط 1991، انفجرت 4 صواريخ عراقية في منطقة الضفة الغربية، على ما يبدو بسبب خطأ من منصات الإطلاق العراقية.
وذكر التقرير أنه في 16 فبراير/ شباط، سقطت ثلاثة صواريخ على ديمونة، وواحد على منطقة حيفا، بينما كان آخر إطلاق للصواريخ في 25 فبراير/ شباط حيث استهدف منطقة ديمونة، دون الكشف أو الإشارة إلى أن الصواريخ كانت موجهة إلى المفاعل النووي في ديمونة أو أنها استهدفته بالفعل.
وفي إحصائية إجمالية لتلك الضربة، اعترف الجيش الإسرائيلي أنه تم إطلاق 43 صاروخ سكود باتجاه إسرائيل من العراق؛ 26 منها على تل أبيب، و8 على حيفا، و5 على منطقة ديمونة، و4 على منطقة الضفة الغربية.
وبحسب تقرير الجيش، فقد وقعت ضحايا وخسائر بشرية وأضرار في الممتلكات والمنشآت، لكنه ادعى أنها كانت قليلة.
وأكد الأرشيف إصابة ما مجموعه 229 إسرائيليًا بفعل الضربات الصاروخية العراقية المباشرة؛ 85 منهم في 22 فبراير/ شباط، و67 شخصًا في 25 يناير/ كانون الثاني، في حين أصيب 540 إسرائيليًا بالقلق والهلع، فيما تم حقن 222 شخصًا بإبر الأتروبين المضادة لغاز الأعصاب من دون سبب لذلك.