نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا قالت فيه إن عائلة الفلسطيني المسن الذي توفي بعد احتجاز القوات الإسرائيلية له، تطالب بتحقيق دولي. وكشفت الصحيفة عن تفاصيل جديدة، وهي أن عمر عبد المجيد أسعد فقد الوعي أثناء احتجازه من قبل الجنود الإسرائيليين.
وفي تقرير أعده جون هندريكس ومريام بيرغر، قالا فيه إن عائلة الفلسطيني التي تحمل الجنسية الأمريكية، تطالب بتحقيق دولي في ظروف مقتل أسعد الذي يحمل الجنسيتين الفلسطينية والأمريكية. وقالت العائلة إنه لا يمكن الثقة بإسرائيل كي تحاسب الجنود الذين سحبوا الرجل البالغ من العمر 78 عاما من سيارته وتركوه ملقى على الأرض بدون حراك.
وقالت هالة حمد (48 عاما) واحدة من بنات الرجل الذي مات “نريد العدالة. نريد تحقيقا عميقا من الولايات المتحدة والأمم المتحدد لأن (إسرائيل) لا تستطيع التحقيق في جرائمها”. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه يقوم بتحقيقاته في ظروف وفاة المواطن الأمريكي الذي كان يسكن سابقا في ميلووكي الأمريكية ويملك محلات تجارية، والذي استشهد الأربعاء بعدما أوقف جنود الاحتلال سيارته في بلدة جلجيليا قرب رام الله.
وقال مسؤول إسرائيلي إن أسعد اعتقل بعدما رفض التفتيش عند حاجز، وأنه كان على قيد الحياة عندما أفرج عنه بعد ذلك. وبحسب ثلاثة من أبناء القرية كانوا في مكان الحادث، فقد كان أسعد ميتاً عندما غادر الجنود المكان وتركوه معصوب العينين وملقى على بطنه.
وفي يوم الأحد، قال رجل اعتُقل في نفس الوقت، إن أسعد لم يكن يتنفس عندما غادر الجنود المكان. وقال طبيب محلي وصل إلى المكان سريعا بعد الاتصال به، إن وجه الضحية كان مزرقّا، وكان بدون أوكسجين لمدة تتراوح ما بين 15- 20 دقيقة.
وطلبت وزارة الخارجية الأمريكية “توضيحات” من إسرائيل حول الظروف التي أحاطت بوفاة أسعد. وقال مسؤولون فلسطينيون إن نتائج التشريح لن يتم الكشف عنها إلا بعد عدة أيام. واستشهد أسعد في القرية التي نشأ فيها وسط الضفة الغربية، حيث عاد إليها بعد إقامة طويلة في الولايات المتحدة مع زوجته نظمية عبد الله عام 2010. وعاشا معظم حياتهما في وسط الغرب الأمريكي، حيث هاجرا إلى الولايات المتحدة بعد زواجهما مباشرة عام 1967. وبدأ أسعد بإدارة أعمال في ولايتي ويسكنسون وإلينوي. وربّى الزوجان سبعة أولاد في الولايات المتحدة حيث اجتمع خمسة منهم في ميلووكي يوم الأحد في بيت ابنته نهى صالح (36 عاما) لتذكر والدهم الذي كرس حياته لأبنائه والذي كان اجتماعيا، ومؤمنا فخورا بالحلم الأمريكي.
وقالت ابنته هالة: “لقد خسرت عائلتنا والمجتمع العربي رجل عائلة كريما”. وقال أفراد عائلته، إن عمره كان 78 عاما وليس 80 كما قال أبناء العائلة في الضفة الغربية ونشر في الصحافة العربية.
وامتلك أسعد بقالة في الحي الجنوبي بميلووكي وأخرى في شيكاغو. وكانت له عقلية تجارية، حيث اشترى وباع المحلات التجارية بسرعة كبيرة، واحتفظ بمحلين رئيسيين في ميلووكي لعقود، ولكنه استمر يغيّر المحلات على مدى سنوات، مع أن حدسه التجاري لم يكن عظيما كما يقول أبناؤه. وتمازحوا حول أن المحلات كانت تنتعش بعد بيعه لها. ولكنه كان صاحب محل كريما، ويتسامح مع ديون زبائنه الذين لم يدفعوا ديونهم، “لم يهتم بملاحقتهم أو أي شيء من هذا لأنه كان يعتقد أنهم كانوا بحاجة إليها” كما قالت ابنته هيا أسعد (46 عاما).
ولم يستطع عمر أسعد زيارة الولايات المتحدة في العامين الماضيين بسبب فيروس كورونا، لكنه ظل على اتصال شبه يومي مع أولاده و17 حفيدا. وكانت المكالمات تمتد أحيانا لساعتين أو ثلاث ساعات، تشمل الحديث عن الطعام وحب العائلة. وكانت آخر مكالمة له قبل يوم من وفاته. حيث سأل ابنته الصغيرة عن رأيها في شحنة الزيت والزيتون التي أرسلها إليها قائلا: “لقد التقطت أحسن أنواع الزيتون لكم” وسأل: “هل تريدين المزيد؟ سأرسل لك ما تريدين”. وبعد ليلة واحدة، اتصلت ابنته في أركسناس لتقول إنه مات.
وقالت ابنته: “لقد صدمنا” وانضم إليها أبناؤه الخمسة الذين يعيشون في ميلووكي. وسمع أحفاده وهم يصخبون في أنحاء البيت، كما ترك وراءه أيضا ثلاثة من أحفاد أحفاده. ورغم معرفتهم بالتوتر بين الفلسطينيين من جهة والجنود والمستوطنين الإسرائيليين من جهة أخرى، فقد اندهش أفراد العائلة من وقوع حادث في قريتهم الهادئة.
فالقرية الواقعة على تلة، هي محل إقامة لعدد من الفلسطينيين العائدين من الولايات المتحدة والبرازيل بعد تقاعدهم منالعمل، وعاشوا مثل أسعد في بيوت كبيرة بنوها من أموالهم التي اكتسبوها في الخارج. وقال ابنه هادي أسعد (41 عاما): “هناك فرصة لأن تربح اليانصيب أكثر من توقيفك في قريتنا. لم نكن نتوقع أن يحدث هذا ولو في مليون سنة”. وعانى أسعد من مشاكل في القلب وأجرى عملية قلب مفتوح في عام 2014. لكنه خرج من العملية نشيطا وعاد للحياة الاجتماعية، وكان يلعب الورق مع أقاربه لساعات متأخرة من الليل.
وفي ليلة وفاته، أخذ زوجته إلى البيت وذهب إلى منزل ابن عمه للسهر، وتم إيقافه في الساعة الثالثة صباحا. وشاهد أحد أبناء القرية اعتقاله، حيث وصف كيف سحب الجنود الإسرائيليون أسعد من معطفه وأجبروه على المشي باتجاه بيت تحت الإنشاء. وقال آخر واسمه عبد الرحمن حمودة (56 عاما) إن الجيش أوقفه في نفسه المكان بعد نصف ساعة من احتجاز أسعد، واقتيد إلى نفس المنزل. وشاهد في الظلمة شخصين آخرين.
وطُلب من الرجال الجلوس أو الركوع على الأرض. وقال عبد الرحمن إنه شاهد أسعد ملقى على الأرض بلا حراك. وغادر الجنود المكان بعدما قام جندي بفحص حركة أسعد. وعندما اتصلت الصحيفة مع حمودة أكد رواية عبد الرحمن. وعندما غادر الجنود، انضم إلى أصدقائه حول أسعد: “كان الرجل ميتا” .
وكان إسلام أبو زاهر يناوب في المركز العربي الطبي الذي لم يكن يبعد سوى خطوات عن المبنى. ورد على مكالمة بعد الساعة الرابعة صباحا. قائلا: “كنت هناك خلال دقيقتين. لم يكن هناك نبض أو تنفس وكان وجهه أزرق وحسب خبرتي الطبية، فقد كان بدون أوكسجين لمدة 15- 20 دقيقة”.
وأكدت السفارة الامريكية في إسرائيل يوم الإثنين، أنها تتوقع “تحقيقا معمقا” في الوفاة. وقالت: “نشعر بالقلق العميق من التقارير الإعلامية بشأن الظروف التي تحيط بوفاة أسعد ونجمع معلومات إضافية حول الحادث”، وذلك حسب رسالة إلكترونية أرسلها المتحدث باسمها.