ما كان متوقعاً بقوة أن يتم تأجيل، وهو إلغاء الانتخابات في ليبيا، أصبح حقيقة واقعة. فقد أعلنت مفوضية الانتخابات، في بيان رسمي، تأجيل الانتخابات لمدة شهر.
توقع التأجيل كان ناتجاً عن وجود عديد من الأسباب الخلافية بين القوى الليبية ومناصريها المحليين والخارجيين. إضافة إلى إشكالات بعضها قضائي حول بعض المرشحين.
وظل العنوان والمسبب الأبرز وراء توقع التأجيل، أن مفوضية الانتخابات لم تعلن رسمياً أسماء المرشحين حتى اليوم الأخير، إضافة إلى الأسباب الخلافية والإشكالات الكثيرة المعروفة والمعلنة. التوقع الذي أصبح واقعاً هو أن الانتخابات الليبية، التي كان مقرراً إجراؤها في ليبيا أمس (الجمعة 24/12)، لن تحصل.
السبب الأبرز الذي أورده بيان المفوضية للتأجيل دون أي تحديد أو تفصيل، هو وجود إشكالات واعتراضات قانونية وقضائية غير محسومة حول عدد من المرشحين.
ورغم أن البيان لم يورد أي اسم منها، فإن اسم سيف الإسلام القذافي ظل هو الأبرز والأكثر تداولاً بين الناس مع الحكم القضائي الدولي الصادر ضده.
غير ذلك لم يرافق إعلان التأجيل أي أسباب سياسية أو ظروف ومبررات مجتمعية، ولا رافقه تاريخ محدد بديل لإجرائها.
يعني أن الأمور عادت إلى حال الخلافات العديدة والمتشعبة بين مكونات المجتمع المدني الليبي والقوى التي تمثله على اتساع تنوعها: من سياسية - على ندرتها ومحدوديتها - إلى مجتمعية، إلى قبلية ومناطقية، وإلى امتداداتها الإقليمية والدولية على تعدد واختلاف مصالحها وتطلعاتها وأهدافها ومطامحها.
يزيد من تعدد وصعوبة هذه الخلافات وصعوبة الخروج باتفاق حولها، عدم وجود تجارب سابقة وخبرات وأعراف انتخابية لدى الليبيين. ففي حال حصول الانتخابات العامة وتحققها بنجاح، فسوف تكون هي التجربة الأولى لكل أهل ليبيا وقواها المجتمعية والسياسية. فلم يحصل أن تمّت انتخابات شعبية في العهد الملكي، ولا في عهد حكم القذافي الذي استمر أربعين عاماً.
هذا ما يفرض ويتطلب ضرورة أن يكون دور القوى غير الليبية ذات الحضور والتأثير في الأمور الليبية إيجابياً وتوافقياً بالحد الأعلى الممكن، ومتجرداً من المصالح الذاتية، أو على الأقل إبقاؤه في مرتبة متأخرة وراء مصالح البلاد وأهلها، وأن يبقى هذا الدور في موقع المساعدة النزيهة لإيصال البلاد وأهلها إلى حال من التوافق والوحدة والانسجام بما يعود على ليبيا وأهلها بنعمة التوحد والتوافق والاستقرار والتقدم.
لا تبدو الأمور مشجعة ولا هي تبعث على التفاؤل في العنوانين: الذاتي الليبي، والخارجي صاحب المصالح المختلفة؛ فهناك عدم توافق شبه تام بين الأطراف المختلفة على قواعد اللعبة الديمقراطية والانتخابية، وعلى الإطار الدستوري لها.
ويبقى هناك تساؤل يفرض نفسه: إذا حصل وتم تأجيل الانتخابات (الاقتراع)، وقد حصل ذلك فعلاً، فهل سيتم بذل الجهود اللازمة والضرورية للحصول على أعلى حد ممكن من القبول، ومن الإقبال أيضاً أم هل يكون الأمر ببساطة مجرد تأجيل للأزمة إلى وقت لاحق أو أن احتمال أن تؤدي نتائج الانتخابات إلى إشعال التوترات يبقى قائماً؟
لا يوجد هناك شيء مؤكد ومحسوم في المسالة الليبية، ولا تزال البلاد تحتاج إلى مساعدة الغير في الوصول إلى بر الأمان، فلماذا لا يكون هذا الغير هو» العربي»؟ ولماذا لا تكون المساعدة منه أو عن طريقه؟
ولا فرق أن يكون هذا الغير «العربي « جامعة الدول العربية مباشرة بذاتها، وعلى شكل مبادرة حلّ باسمها وإدارتها المباشرة، وهذا هو الأفضل، أو أن يكون من بعض الدول العربية؟
ليست ليبيا هي الوحيدة بين الدول العربية التي تحتاج إلى المساعدة للخروج من أوضاع خلافية وإشكالية فيها أو حولها، بصرف النظر عن طبيعتها وظروفها وحدتها.
فلماذا لا يكون التدخل فيها والمساعدة لها تدخلاً ومساعدة عربيَّين ومبادرَين؟
ألم يكن هذا من الأهداف الرئيسية وراء فكرة وإقامة جامعة الدول العربية؟