2022 ..ميسا جيوسي

الجمعة 24 ديسمبر 2021 10:22 ص / بتوقيت القدس +2GMT
2022 ..ميسا جيوسي



أيام لا تجاوز أصابع اليد الواحدة تفصلنا عن طي صفحة العام الحالي والدخول لعام جديد ملامحه قد تبدوا شبه واضحة للموضوعيين من البشر فيما يتصل وتبعات الجائحة، فإننا جميعا نحمل لهذا العام الجديد عبء وباء صال وجال في أرجاء المعمورة ولا زال يغلب البشرية جولة بعد جولة، ويضعها أمام تحديات إقتصادية وإجتماعية وتربوية وبنيوية صعبة جدا وعلى رأس هذه التحديات الصحية منها والتي تساوت بها غني الدول وفقيرها في الوقوف في كثير من الأحيان مكتوفة الأيدي في مقارعة الجائحة. ولعل من الصور التي لا تفارق ذهني في أوائل عهد البشرية بفيروس كوفيد 19 هو تقرير لصحفي من مستشفى ميداني في إسبانيا اصطفت به أسرة المصابين بالفيروس بما يشبه أصطفاف قطع الدومينو والتشابه في إتسارع نهيار الإثنين كان حاضرا بقوة... لكننا ومن المحزن القول إعتدنا هذه الصور وهذه التقارير من كل مكان حول العالم فما بين خيام اللاجئين على حدود القهر واللجوء، إلى ضواحي الأثرياء في نيورك وباريس، لم يسلم أحد من الوباء بغض النظر عن مكانه ومكانته. لكننا ومع إستمرار الوباء وإستفحاله رأينا البشر يقومون بما إعتادوا عليه منذ بدء الخليقة ألا وهو التأقلم مع الوضع الطارئ ومحاولة الإلتفاف على التحديات التي لم تعد مجابهتها خيارا بل وسيلة للإستمرار والبقاء ليس بالمفهوم الحيوي فحسب، لكن محاولة محاصرة الفيروس كي لا تكون عواقبه اكثر سوءا على مناحي قطاع الصحة والإقتصاد والتعليم والعمل والسياحة وغيرها. 

لكننا أيضا وفي ظل استمرار الوباء لمدة لم يتوقعها الكثيرون رأينا طرقا في التعاطي معه غيرت أنماط العيش والتعاملات اليومية لبني البشر، فلم نكن لنتخيل أن التعليم عن بعد سيصبح بهذه الأهمية والضرورة، فوفقا للآخر إحصائيات البنك الدولي  في هذا السياق نرى بأن " تظل الفصول المدرسية مغلقة كليا أو جزئيا أمام ما قد يصل إلى 647 مليون تلميذ حول العالم" وهذا  يشكل تحديا لا يقف عند التحصيل الأكاديمي فحسب بل يتجاوزه لمراحل تتصل بالصحة النفسية للطلاب وما يترتب على هذا من تبعات لسنا في موضع يمكننا من صرها حاليا ومتحورات الوباء لازالت في أوج قوتها وتأثيرها. فوفقا لتقديرات البنك الدولي، "ربما يتسبب إغلاق المدارس بسبب الجائحة في دفع "فقر التعلم"، نسبة الأطفال في سن العاشرة الذين لا يستطيعون قراءة نص أساسي ــ إلى الارتفاع إلى نحو 70% في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وقد يتكبد جيل كامل من أطفال المدارس بسبب خسارة التعلم على هذا النحو ما يقرب من 17 تريليون دولار أميركي من دخلهم على مدار حياتهم". وفقا للتقرير. 

ومن الجانب  التعليمي ننتقل للتجارة التي ولم تكن عمليات التسوق عبر الإنترنت على أهميتها لتلقى كل هذا الإقبالكذلك لم يكن لكثير من النشاطات التي إزدهرت عبر التقنيات الافتراضية لتكن مقبولة لهذا الحد وعلى أعلى مستويات اللقاءات الرسمية بين شخصيات إعتبارية وقيادية قبل إنتشار الوباء. لكننا لا نتحدث عن أنماط طارئة ستختفي بإنحسار الوباء على العكس فقد خلقت هذه الأساليب الجديدة في التواصل نسقا قد يحول نظرتنا لسوق العمل والتسوق والتعليم والصحة وغيرها. فقد أشارت الكثير من الدراسات لإستغناء أرباب العمل في كثير من الدول وفي قطاعات مختلفة عن كثير من الموظفين بعد أن تبين أن عددا أقل من الموظفين يستطيعون إنجاز المطلوب بذات الكفاءة، لا بل من خلال العمل عن بعد. وهذا قد يكون سلاح ذو حدين، فمن شأن هذه النقلة ان تحدث خللا في سوق العمل في عديد من الدول لكنها أيضا قد تكون حافزا لخلق مجالات جديدة قد يصبح استحداثها لإستيعاب هذه العمالة التي فقدت مصدر رزقها ضرورة ملحة. كما ظهرت لنا إستخداما جديدة للإنسان الآلي ال robot الذي أيضا سيلتهم المئات لا بل الألاف من الوظائف بشرية الإنجاز. ولا بد للعالم أن يستعد على عديد من الصعد لتقبل هذا ومحاولة التماشي مع تبعاته. ولعل اتمتته العمل ليست جديدة لكنها لم تكن بهذه السيطرة والشمولية في الإستحواذ على مكانة البشر في ما يعد مصدر قوتهم معيشتهم. فنحن اليوم وفي كثير من دول العالم بتفاوت بسيط ندخل مكان تلقي الخدمات ونخرج وبالكاد تعاملنا مع بني بشر. قد يحتاج العالم الأقل حظا من الأتمتتة لوقت أكثر ليشهد فجاجة إستحواذ الإنسان اللآلي والأجهزة على وظائفه لكنه لن يجد بدا عاجلا أم أجلا من تبني ذات النهج. وهذا مجال يطول الحديث فيه ويتشعب.

بعيدا عن الوباء لازال العالم يرزح تحت وطاة أشد وأسوا صور اللجوء عددا في تاريخه فأعداد اللاجئين المتمخضة عن صراعات ضارية يقع جلها في منطقة الشرق الأوسط تلقي بظلال ثقيلة على دول هذه المنطقة والعالم. وتعيد أسئلة أخلاقية ووجودية لواجهة البشرية التي تصدح منابر دولها المتحضرة بحقوق الإنسان والحريات وغيرها مما تولي نفسها وصيا عليه، لكنها حين يأتي الأمر لإختبار مدى تبنيها لهذا النهج مع غير مواطنيها نرى التمييز في أبهى صوره. ولقد حاصرتنا صور اللاجئين من كل حدب وصوب على حدود الدول لاهثين خلف فرصة ضائعة في حياة كريمة. ولن يكون العام القادم خال من ذات المشاهد المرعبة. وهذا يتصل أيضا بقضايا الفقر والمجاعة وإتساع الهوة مابين الأغنياء والفقراء حول العالم. اضف إليه معاناة المهمشين من النساء والأطفال وكبار السنة في دول يتربص بها شبح الحروب الأهلية والحروب بالوكالة ولا نبدوا متشائمين إن قلنا ان ليس هناك ضوء قريب في نهاية النفق لتعقيدات لا تخفى على المضطلعين على هذه الصراعات بحيثياتها المعقدة. 

كما أننا سننقل معنا نحو 2022 معضلة ثقيلة تحدق بالبشرية جمعاء وتنذر بما لا تحمد عقباه من وبال قد يعود علينا من جراء تغير المناخ الذي أصبح الآن واقعا نحياه لا وثائقيا نشاهده يستقرؤ مستقبلا بعيد. وهنا لن أطيل فهذا موضوع من التعقيد بمكان حصر جوانبه في سطور قليلة. لعل ما سبق ذكره يشكل جزءا من عدد كبير من التحديات الأكبر التي سنقف جميعا في وجهها بشكل فظ في العام القادم والأعوام القادمةـ لكن يبقى الأمل معقودا على صحوة قد تنقذ ما يمكن إنقاذه من هذا العالم المتهالك.