وإن من خطورة ما قامت عليه استراتيجية شارون – جورج بوش الإبن أنها جاءت لتعطي لدولة الإحتلال ليس الوجود كدولة طبيعية بالمنطقة بل دولة نفوذ يقر بنفوذها العرب بعدما يتم القفز عن القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية إحتلال وتحرر إلى قضية تجمعات سكانية ( ويدلل على ذلك تهديد شارون العام 2002 للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وهو محاصر بدبابات شارون الحربية في مقر إقامته برام الله بأنه إذا استمرت الإنتفاضة- الثانية- فإن شارون سيقطع الضفة الفلسطينية إلى 83 كنتون ويلغي التعامل مع السلطة ويتعامل مع قيادات محلية، وهذا التهديد قبل الإنسحاب أحادي الجانب الذي تم من قطاع غزة)ومتطلبات حياتية( في كل مرحلة من مراحل تذمر السلطة ورفضها للتنصل الإسرائيلي لعملية السلام وإستحقاقات هذه العملية يتقدم الغرب بمقترحات اسرائيلية غربية متعلقة بتحسين ظروف الحياة للفلسطينين كرفع نسبة التصاريح للعمل في دولة الإحتلال وغيرها من القضايا المرتبطة بالحياة اليومية وسياسة تخفيض للسقف السياسي الذي يناضل من أجله الفلسطينيين) وقد عملت دولة الإحتلال على مدار العقدين السابقين على تحقيق مجموعة من القضايا لتحقيق ذلك :
* تحقيق وتعزيز الإنقسام ما بين الضفة وقطاع غزة.
*خلق ارباك داخلي فلسطيني يسيطر على المشهد اليومي .
* زيادة الإستيطان.
*نقل التطرف الديني من مناطق 1948 الى مناطق الضفة وتحديدا للقدس ومحيط مدينة نابلس.
* محاصرة دوائر التأييد الدولي للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية.
* نزع الإسناد العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية حتى تفقد بعدها العربي والإسلامي).
وقد بدأت دولة الإحتلال ممارستها لدور النفوذ بالمنطقة في العقد الأخير، عبر دور أمني وعسكري وكان ذلك في بعض صوره في غرف العمليات الدولية التي شكلت وكانت مهمتها اسناد تنظيمات الإرهاب التي استهدفت كل من ليبيا
وسوريا( غرف العمليات والتي كشف عنها وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم لمحطة بي بي سي البريطانية وكانت دولة الإحتلال ممثلة في غرفة العمليات التي تتولي العمليات العسكرية للجماعات المسلحة التي تستهدف شمال سوريا ومقرها قاعدة انجرليك التركية ومهمتها المنطقة الشمالية من سوريا وتضم كل من الأمريكان والأتراك والسعوديون والقطريون والإماراتيون والمغاربة والأردنيون إلى جانب ضباط استخبارات دولة الإحتلال ومعهم الفرنسيون والبريطانيون، وغرفة العمليات العاملة في قاعدة الحسين الجوية في أربد ومهمتها المنطقة الجنوبية من سوريا والمكونة من الأردنيون والسعوديون والبريطانيون والقطريون وضباط استخبارات دولة الإحتلال).
وإن هذا ليس ببعيد عما حدث ويحدث في اليمن من حيث التدخل والتشابك الأمني والعسكري لدولة الإحتلال في اليمن، وقد كشف المعلق للشؤون الأمنية والسياسية في صحيفة معاريف الإسرائيلية يوم 25/8/2019 "أن تل ابيب تسوغ تدخلها في الصراع الدائر في اليمن بحجة الدفاع عن مصالحها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب........ معتبرا ومضيفا أن التدخل الاسرائيلي في اليمن يندرج في إطار التدخلات السرية التي يمارسها الجيش الاسرائيلي في مناطق مختلفة ........... مضيفا " أنه وبغض النظر عن طابع التدخل العسكري والإستخباري الإسرائيلي في الحرب الدائرة في اليمن فإن هذا التدخل لن يؤثر على الواقع هناك". وكان وزير خارجية دولة الإحتلال يسرائيل كاتس قد قدم إفادة امام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنسيت الإسرائيلي أشار فيها إلى "أن دولة الإحتلال تتدخل في مناطق تتفاوت في بعدها الجغرافي عن إسرائيل" .
ولم تكن أفريقيا بمعزل عن هذه الإستراتيجية من حيث محاصرة كل ما يمكنه ان يكون من قوة عربية تعرقل أو تقف بوجه أهدافها،وقد كانت مصر والسودان في دوائر الإستهداف من قبل دولة الإحتلال بكل ما يعنيه هذا الإستهداف من أبعاد متعلقة بالأمن القومي والإستقرار والتنمية في هذه البلدان، خصوصا أن دولة الإحتلال وفي نظريتها الأمنية لا تقف عند حدودها، وتتبنى دوما إستراتيجية تطويق الأمن القومي العربي بكل الوسائل المعلنة وغير المعلنة ولعل وزير خارجية دولة الإحتلال افرايم سنيه في كتابه إسرائيل ما بعد العام 2000( وهي السنة التي أندلعت فيها الإنتفاضة الفلسطينية ا لثانية للدفاع عن المسجد الأقصى) حيث ورد فيه" إنه لا يمكن تقدير القيمة الإستراتيجية لإثيوبيا وأريتريا"، ولعل ما قدمته السفيرة سعاد شلبي مساعد وزير الخارجية المصري في ندوة عقدت بالقاهرة وكانت بعنوان الإتحاد الإفريقي على خطى الإتحاد الأوروبي حيث قالت" إن اسرائيل تعمل جاهدة في الوقت الحالي على تقسيم إفريقيا من خلال التلاعب بدول حوض النيل للضغط على مصر لتخضع لها، وكانت السودان ليست ببعيدة عن هذا الإستهداف حيث قامت دولة الإحتلال بتوطيد علاقاتها مع اثيوبيا وأوغندا وكينيا ودعمت انفصال الجنوب السوداني بكل الوسائل والإمكانيات وتوفير السلاح للحرب التي كان يخوضها هذا الجنوب مع العاصمة المركزية الخرطوم، ولا يخفى تغلغلها في السودوان وإستهدافها لإستقراره والضغط عليه بلاعبين داخليين وخارجيين.
وما قامت به المغرب من حيث التطبيع مع دولة الإحتلال وإقامة علاقات أمنية معها علنية ومباشرة(جاءت ما بعد قطع العلاقات مع الجزائر يوم 24/8/2021) يأتي أيضا ما بعد عدم إعتراض المغرب على قرار الرئيس التنفيذي للإتحاد الإفريقي بقبول عضوية دولة الإحتلال غير الإفريقية بالإتحاد الإفريقي بعضوية مراقب، والذي وقفت بوجهه الجزائر وستة دول أخرى وتخلت عن هذا الموقف المغرب، ويأتي هذا ليضع المغرب في سياق حرب دولة الإحتلال على الأمة العربية والإسلامية ومحققا لدولة الإحتلال مصالح عليا على حساب عمق الأمن القومي للعرب كدول وشعوب، خصوصا أن المغرب بذلك قد أعلنت أنحيازها للدور والنفوذ لدولة الإحتلال في شمال افريقيا، حيث أن القوى الإقليمية( ايران وتركيا ودولة الإحتلال) في سباق محموم لتكريس النفوذ في افريقيا بشكل عام وشمالها وقرنها بشكل خاص، ويأتي ذلك في إستهداف واضح للجزائر، لما أمست تمثله الجزائر من ثقل ومحورية في الدور في افريقيا ما بعد الحروب الإخيرة التي مرت بها المنطقة، ويأتي ما قامت به المغرب تحقيقا عميقا (لإستراتيجية جورج بوش الإبن – شارون) من حيث ربط حلفاء من العرب بمصالح مرتبطة بدولة الإحتلال( وكان الثمن لكل هذا هو اعتراف امريكي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في مواجهة الجزائر) ولعل المغرب بما أقدمت عليه من تطبيع وإقامة لعلاقات أمنية مع دولة الإحتلال كان يهدف إلى:
أولا: ضرب الجزائر بصميم وضعها في مواجهة متغير يهدد أمنها القومي وبأنها مستهدفة وبشكل مباشر من قبل دولة الإحتلال عبر إستعانة المغرب بدولة الإحتلال، وإن هذا عبر عنه الخبير في العلاقات المغربية الإسرائيلية في جامعة تل أبيب بروس وايتسمان" إن التزامن ما بين التوقيع على هذه الإتفاقية -الإتفاقية الأمنية بين دولة الإحتلال والمغرب- لم يكن من باب الصدفة في سياق التوتر ما بين المغرب والجزائر" وكذلك ما قدمته من توصيف في مقال لها عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب أبيض أزرق وصاحبة خبرة العمل في الإستخبارات العسكرية في دولة الإحتلال ديسرمان – ليندا " شكلت – الاتفاقية الأمنية ما بين المغرب ودولة الإحتلال- الخروج من الظلام إلى النور في كل ما يتعلق بعلاقات الجانبين في السياق الأمني"، وفي فقرة أخرى قالت " المغرب وضمن أمور أخرى يتصدى هذه الأيام للصراع على الصحراء مع الجزائر التي تتنافس معه على الهيمنة الإقليمية ، أما إسرائيل التي تفتقد لموطئ قدم في شمال إفريقيا فستخرج كاسبة من تعزيز العلاقات مع المغرب" .
ثانيا : فتح الطريق لدولة الإحتلال ليدخلها هذا في المحافل الإقليمية والمؤسسات الدولية ذات العلاقة ( الإتحاد الإفريقي ومجلس البحر الأحمر) ويفتح لها المجال لممارسة دورا أمنياً يهدد الأمن القومي العربي في شمال افريقيا بكل ما يعنيه هذا من توسع أحتلالي من أبواب عربية لتحقيق مصالح دولة الإحتلال كدولة إستعمار وظيفي للغرب.
ثالثا: تحقيق لب الإستراتيجية لجورج بوش الأبن – شارون بنزع الإسناد العربي والإسلامي عن القضية الفلسطينية وتشريع تهويد القدس ، حيث أن الرئيس المغربي هو رئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد العام 1975 وأصبح الرئيس المغربي رئيسها العام 1979 ومقر هذه اللجنة هو العاصمة المغربية الرباط، وبعد 42 عام على وجود هذه اللجنة والتي كان صلب أهدافها حماية القدس المدينة من التهويد والإستهداف الذي تتعرض له، يأتي الرئيس المغربي بعد كل هذه العقود ويقدم بالمجان تشريع لسياسات دولة الإحتلال على ما تقوم به في القدس.
الخاتمة :
تتغير المنطقة ويظهر جليا وجود تأسرل( نسبة لدولة الإحتلال) لدى بعض الكيانات والشخصيات على صعيد المنطقة لكن الثابت الأكيد أن الفلسطيني لن يتغير وفق ما تريده وتسعى له استراتيجية جورج بوش الأبن – شارون، وأن أمام هذه المتغيرات والنتائج والطعنات التي تتلقاها الأمة العربية والإسلامية مازال الفلسطيني قادرا للدفاع عن هذه الأمة بكل قواه الحية ، وقد اثبت الواقع أن الإستهداف من دولة الإحتلال هو لكل هذه الأمة ، وأن هناك ثابت جغرافي وقيمي يسمى بمحور القدس العربية والإسلامية وإن التاريخ والتجربة قد أثبت انه لا يوجد هناك فلسطيني مفرط أو قابل للسقوط في ظلام هذا التيه الذي تصنعه دولة الإحتلال، وأن ما تقوم به بعض هذه الإنظمة سيكون رصيد حساب لها من شعوبها التي مازالت تتمسك بهويتها وقوميتها وتستطيع أن تخرج للشارع بأية لحظة تستدعيها للدفاع عن مقدرات ومصالح امتها، لم يأتي ترامب بصفقة بل جاء لإعلان استراتيجية سبقته وسبقت نتنياهو وأن هؤلاء لن يستطيعوا أن يجدوا في الفلسطينيين من يكون معهم، ومصير هذه الصفقة أو الإستراتيجية مازال فتى يلتحف العراء قادر على هدم جدرانها وتعريتها مثل الشهيد عمر أبو ليلى وغيره من جيل لن يرى في المغرب أو الإمارات كدول سوى بعيدين، وإن من لا يرى في القدس بوصلة فإنه لن يكون قادر على الصمود في متغيرات هي قادمة لأن الطبيعة تفرض وجود فعل مضاد ومعاكس لحظية وإتجاهيا في ثنايا هؤلاء المتغيرون والمتأسرلون الجدد