فايننشال تايمز: مليار دولار لبناء سفارة أمريكية عملاقة في لبنان الغارق بالأزمات

الجمعة 10 ديسمبر 2021 06:13 م / بتوقيت القدس +2GMT
فايننشال تايمز: مليار دولار لبناء سفارة أمريكية عملاقة في لبنان الغارق بالأزمات



القدس المحتلة / سما /

 تحت عنوان “بنات آوى يجسن التلال فوق السفارة الأمريكية الضخمة في لبنان” كتب المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر، قائلا إنه في الوقت الذي يبتعد فيه السكان عن العاصمة بيروت التي ضربتها الأزمة، تواصل الولايات المتحدة عمليات البناء في المشروع العملاق.

وأضاف: “في ليلتي الأولى في بيروت بعد غياب ثلاثة أشهر، استيقظت على صوت عواء الذئاب، كان الصوت يشبه عواء أشبال الذئب ويمكن رؤيتها بوضوح من الحافة المظلمة لأشجار السرو على الجانب الذي أُقيم فيه بسفوح جبل لبنان. وفي الحقيقة، كانوا بعد تحريات محلية، أبناء عم لها، وهي أشبال بنات آوى الذهبية. فالذئاب قليلة وبعيدة، مع أني سمعت صوت البعض في أعالي جبال الشوف في الربيع، تتنزه في محيط نقي مغطى بالثلج”.

ويضيف: “علمت أنه قبل خمسين عاما، وقبل أن يزحف التمدن بلا هوادة على الجبل، كانت المنطقة الواقعة في بلدية بيت شعار المرتفعة 600 متر فوق سطح البحر تنتمي إلى بنات آوى ويطلق عليها عاوي نسبة إلى صوتها”.

ولو مضينا للأمام، لوجدنا لبنان اليوم غارقا في أزمة مركبة، مالية وديون ومصرفية وصفها البنك الدولي بأنها أسوأ أزمة اقتصادية منذ منتصف القرن التاسع عشر.

فهناك فقر وجوع ونقص في الوقود والدواء وبطالة وهجرة جماعية ولا كهرباء كافية. وتحول وسط بيروت إلى مدينة أشباح منذ التظاهرات التي عمت لبنان في خريف 2019، وكان هدفها العائلات الطائفية وأمراء الحرب المتقاعدين الذين تسببوا بهذه الأزمة، وهو اليوم حالك بعد غروب الشمس، وخاصة بعد الانفجار المدمر الذي ضرب مرفأ بيروت في آب/ أغسطس العام الماضي، ودمر خمسة أحياء.

وربما عادت بنات آوى إلى إقطاعيتها القديمة؛ لأنها لا ترى الكثير من الضوء، وبسبب تلال النفايات التي لم يتم جمعها، فهناك الكثير المتوفر لها بين النفايات. ولن تجد نفس الفقر لو تسللت ثلاثة أميال أسفل التل. ففي عوكر، هناك بناية السفارة الأمريكية، ثاني أضخم سفارة في العالم (بعد بغداد).

ووسط غابة من الرافعات وحراسات أمنية، يتم بناء مجمع يشبه مدينة صغيرة على مساحة 44 فداناً إلى جانب الجبل وبكلفة مليار دولار. وتبلغ مساحة السفارة الأمريكية في بغداد 104 أفدنة، حيث أقيمت داخل المنطقة الخضراء المحصنة للوزارات والبعثات الدبلوماسية، وكانت ردا على الفوضى والمذابح التي شهدتها بغداد بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003 وأطاح بنظام صدام حسين الديكتاتوري وقلب النظام الإقليمي رأسا على عقب. وكان مقر السفارة بداية في القصر الجمهوري “البشع” لصدام، حيث لعب الأمريكيون كرة الطاولة في غرف العرش وربما تأثروا قليلا بغروره. إلا أن مغامرة بيروت غريبة وإن كانت دفعة لاقتصاد خامل لم يحتضر بعد.

صحيح أن أي سفارة أمريكية وفي أي مكان بحاجة لمحيط يمكن الدفاع عنه. ففي الحرب اللبنانية كان مقر السفارة على الكورنيش في بيروت الغربية، ذات الغالبية المسلمة، وتحولت إلى شظايا بهجوم نفذه أسلاف لحزب الله عام 1983 وقتل فيه 8 من ضباط سي آي إيه. وكان مصير السفارة التالية التي اتخذت من بيروت الشرقية المسيحية بنفس الطريقة عام 1984 إلى جانب هجوم بالشاحنة عام 1983 أدى لمقتل 241 من جنود المارينز و58 من جنود المظلات الفرنسيين.

ولكن لماذا تمضي الولايات المتحدة بهذا المشروع الضخم في بلد فاشل ويتراجع فيه نفوذها أمام حزب الله، الذي تدعمه إيران، وهو أمر يثير الحيرة؟

فقد سيطر الحزب على مؤسسات الدولة اللبنانية وقواتها الأمنية ليتحول إلى دولة داخل دولة وخفير للحرس الثوري الإيراني على البحر المتوسط وبلاد الشام.

وفي حديث مع حلاقه الذي يقوم بقص شعره منذ عشرين عاما، تساءل: “هل يعرفون شيئا لا نعرفه” وأجاب أنهم “مجانين لا يعرفون شيئا”. ولم يكن لديه سوى زبون واحد في محل كان مزدحما بالرواد الذين يتداولون القيل والقال وبمقاعد مريحة وأرائك للقهوة. وكان خليطا انتقائيا في ضاحية جل الديب ببيروت الشرقية الصاخبة.

وكان الكاتب يشعر بالدهشة لرؤية ضباط الجيش ورجال الميليشيا السابقين (أحيانا نفس الأشخاص) في المحل، حيث يقوم الحلاق بنزع شعر وجوههم بالشمع. ويعتقد الحلاق أن ثلث زبائنه تركوا لبنان الغارق، وهو أمر يفكر به بنفسه للحاق بأبنائه في قبرص.

ومثل بنات آوى، فالسكان يتراجعون ويراقبون بحيرة حماس الأمريكيين لمنطقتهم. ويستمر العمل على قدم وساق في السفارة على التلة، ومن الصور الترويجية تبدو البناية وكأنها سفينة حربية تقطعت بها السبل وتطل على البحر المتوسط.