الآليات والوسائل التي استخدمها شارون لإطلاق استراتيجيته هي :
- استخدام واستغلال الفشل الذي صنعه باراك في مفاوضات كامب ديفيد( المفاوضات بين ايهودا باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك والشهيد ياسر عرفات برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون العام2000)، حيث عمل باراك على تفجير هذه المفاوضات ونسفها وتذوبيه لليسار والوسط في إسرائيل من خلال كم المواقف التي تبناها وظل يروج لها، وتلك المواقف والإفشال للمفاوضات جعل الفروقات بين الطروحات السياسية والأيديولوجية للعمل والليكود واحدة لا إختلاف جوهري فيها، وهذا ما جعل الشارع الإسرائيلي يذهب إلى استبدال الوسط(العمل) باليمين(الليكود) وإستبدال (اليسار) بأقصى اليمين(اسرائيل بيتنا) وهكذا في خارطة الأحزاب السياسية الإسرائيلية قد تم قلبها، ليمكن هذا الإنقلاب شارون بإزاحة الغلاف الشعبي من حول اليسار ويسار الوسط ويخلق التصور لدى مجتمع دولة الإحتلال لفكرة الإنفصال التي قام عليها اتفاق اوسلو بانها عبئا أمنيا ورعبا يجعل المجتمع الإسرائيلي يخشاها كفكرة وثمن امام واقع الإنتفاضة المشتعلة(الإنتفاضة الثانية) وهذا ما جعل السقف السياسي عبر التفاوض لينزل سقفه إلى ما دون المطلوب للتفاوض عليه ما بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي لتصبح تدور حول حرية الحركة ورفع الحواجز وإنسحاب القوات الإسرائيلية من المدن ومداخل المدن الفلسطينية، وهذا كله تحت ذريعة انه لا يمكن للحكومة الإسرائيلية تقديم تنازلات امام الرأي العام الإسرائيلي، وهذا كله قد جعل الفلسطينيين مطلوب منهم مراعاة الظرف الداخلي الإسرائيلي وأن يقدموا التنازل تلو التنازل على امل إحياء الوسط السياسي في اسرائيل الذي بدأ بالسقوط والتلاشي عن القرار السياسي في دولة الإحتلال( مبادرة جنيف التي قادها يوسي بيلين – ياسر عبد ربه والتي قدمت تنازلا واضحا في كل ما يتعلق بالثوابت المتعلقة باللاجئين والحدود والأخطر الكامن في هذه المبادرة انها جاءت ما دون السقف السياسي الرسمي الفلسطيني بالتفاوض رغم عرضها وترويجها على انها غير رسمية، ودخولها للتفاصيل التي يجب أن تتطرق لها المفاوضات الرسمية فيما لو لاقت رواجا بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي) وقد ويكون بذلك لشارون فرصة مواتية ليطرح البديل عن ذلك(خطته الإستراتيجية التي أخذ الضمان على رعايتها من الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن)، وبدأ شارون للعمل على تكريس هذه الإستراتيجية، والتي عليها ان تدمر التسوية وتخرجها عن مسارها الذي رسمت عليها، لإغلاق الباب أمام التسوية القائمة على أساس حل الدولتين( قرارات الشرعية الدولية والمرجعيات الأممية وإتفاق اوسلو وطابا ) وبذلك عمل باراك على تسليم الحكم لشارون منهيا بذلك حقبة حكم الوسط ويسار الوسط في دولة الإحتلال.
- توظيف وإستخدام احداث 11/9/2001 ليتحول الخطاب الشاروني إلى خطاب الشريك في مكافحة الإرهاب الدولي المزعوم ما بعد هذه الأحداث ووصف الفلسطينيين بانهم يمارسوا إرهابا كما يمارس هذا الإرهاب باتجاه أمريكيا وفي هذا السياق شبه ياسر عرفات بانه بن لادن وبعدها بالشهيد الخالد صدام حسين الذي كان الإعلام الأمريكي يعرضهم للجمهور الأمريكي والعالم( بن لادن وصدام حسين) على انهم اعداء لأمريكيا والعالم، وفي ذلك محاولات من شارون لخلق رأي عام امريكي أيضا مساند لحربه التي يخوضها ضد الفلسطينيين وأن هذه الحرب ليست عدوانا تمارسه دولة إحتلال على شعب تحتل أرضه وشعبه، ليطلق العنان لشراهته بالقتل والحصار ويسعى بعدها لأخذ الموافقة الأمريكية لتغييب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قتلا او عزلا بإستخدام أدوات أمريكية وإسرائيلية بدأت ببث تضليل إعلامي واضح بأن الرئيس عرفات فاسدا وفي تارة أخرى غير قادر على القيادة، وهذا كله والرئيس عرفات في حصار مستمر تفرضه عليه قوات الإحتلال الإسرائيلي في مقر إقامته في رام.
- رافق ذلك تقليص للعلاقة مع الجانب الفلسطيني ووضعه تحت وطأة الضغوطات الدولية للعمل على إعادة التنسيق الأمني ووقف الإنتفاضة، وضرورة تنفيذ التزمات خارطة الطريق التي تدعو لذلك، ونتج عن هذا كله وجود غياب لأسس الحل التي كان في بعض مراحلها الأمن مقابل الأرض، كإلتزام فلسطيني بضبط الأمن في المناطق التي ينسحب منها جيش دولة الإحتلال، وهذا ما لم يتم وتوالت الضغوطات على الجانب الفلسطيني لتقديم المزيد من التنازل في هذا الإتجاه وإتجاهات أخرى، وكأن هناك دبابات فلسطينية تحاصر المدن والقرى الإسرائيلية من حجم ما مورس من ضغوطات على الجانب الفلسطيني(قلب صورة الواقع).
- البدء بإقامة جدار الفصل العنصري والذي كان ليسبب بحصار وضرر150 قرية فلسطينية ويقتطع حوالي 20% من مساحة الضفة الغربية، وهذا الجدار كان بالنسبة لشارون ورقة إضافية لتعزيز تنفيذ خطته الإستراتيجية بحدودها الدنيا والتي تمنع الفلسطينيين من إقامة دولة لهم وفق هكذا ضم وعزل لقطاع غزة وضم للقدس وغور الأردن وتجمعات الإستيطان بالضفة، وبذلك يكون قد أسس لمرحلة جديدة تنهي عمليا وواقعيا فكرة الدولة الفلسطينية وتؤسس لمرحلة ان دولة الإحتلال لن تتفاوض على حدودها بل ستقوم برسمها بالقوة والبناء الإستيطاني وعبر عزل التجمعات السكانية الفلسطينية.
- خروجه من حزب الليكود وتشكيل حزب كاديما، ليقوم بتنفيذ خطته الإستراتيجية والتي تبنت احد اهم احجار الأساس فيها بالإنسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة وشمال الضفة، وهذا الإنسحاب عملت دولة الإحتلال من خلاله على تقديم ستار لها امام المجتمع الدولي بأنها لا تريد الإستمرار ببقاء الإحتلال وفق تفسيرها لمعنى الإحتلال المتناقض بمعناه ومفهومه كونيا، كما وان هذا الإنسحاب قد اخرج 7500 مستوطن من قطاع غزة وما قابله ذلك من إصابة 150 قرية فلسطينية بضرر وحصار وخناق( بفعل بناء جدار الفصل العنصري وحوالي 697 ألف فلسطين) وما قابله في بناء هذا الجدار بضم 19 مستوطنة (53ألف مستوطن) غربي الجدار، وبهذا الإنسحاب قدم بديلا للإنفصال(فصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين) الذي كان يدعو له حزب العمل ويشجعه العالم، وأنهى المبدأ الذي كان يقبله المجتمع الإسرائيلي( هم هناك ونحن هنا: اي ان هناك هي الضفة وقطاع غزة وهنا فلسطين المحتلة العام 1948) ليطلق شارون بهذا الإنسحاب بديلا مرحليا إستراتيجيا جديدا نأخذ ما نريد ونترك لهم ما لا نريد( تقوم دولة الإحتلال بترسيم حدودها وفق كل ما تحتاجه من أراضي المحتلة العام 1967 وتتخلى عن كل ما يشكل لها عبئا او لا يحقق لها أي مصلحة) وقد جاء الإنسحاب من قطاع غزة منجزا لأهداف إستراتيجية عظمى لصالح دولة الإحتلال:
* التخلص مما كان تطلق عليه القيادة السياسية في دولة الإحتلال القنبلة الديمغرافية (وجود اكثر من مليونين وأربعمائة ألف فلسطيني في مساحة 360 كم)2،ليكون القطاع أكبر كثافة سكانية بالعام، وهذا القطاع ليس مرتبطا بالإيديولوجيا الصهيونية المحمول عليها الإحتلال حيث ان إتفاق أوسلو ضمن وصف 18 موقف ديني وتاريخي يهودي بزعم المفاوض الإسرائيلي فقط إثنان منها في قطاع غزة والباقي في الضفة الغربية.
* التخلص من عبء تكلفة المواجهة مع القطاع وفتح المجال لتحقيق مكاسب أخرى لتعمل على تخليص دولة الإحتلال من فرضية مطالبة المجتمع الدولي بضرورة قيام دولة للفلسطينيين، وفتح المجال امام إمكانية تسويق فرضية ان الفلسطينيون قادرون على إقامتها بقطاع غزة، ومن هنا كانت الدعوى لإبعاد الرئيس عرفات إلى قطاع غزة كطريقة لرفع الحصار عنه اثناء حصاره في مقره برام الله، والتي رفضها الشهيد عرفات بإصرار وعناد المدرك للمخطط الإسرائيلي أنذاك.
* توظيف المجتمع الدولي بأن عليه ان يتحمل مسؤولية سكان القطاع وان دولة الإحتلال تكون قادرة من السيطرة عليه كيفما تشاء دون أي تكلفة قد تتطلبها بقاء قواتها فيه.
يتبع....