سياسات مكافحة التحرش الجنسي عبر الإنترنت..آلاء سلامة،

السبت 04 ديسمبر 2021 02:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
سياسات مكافحة التحرش الجنسي عبر الإنترنت..آلاء سلامة،




 

هذه الورقة من إعداد كل من: إعداد: آلاء سلامة، تمار الطيبي، حمزة خضر، فؤاد بنات، نداء عوينة، ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" - الدورة السابعة، الذي ينفذه مركز مسارات بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

مقدّمة

يعرف التحرش الجنسي عبر الإنترنت بمجموعة من السلوكيات التي تستخدم المحتوى الرقمي (الصور، ومقاطع الفيديو، والمشاركات، والرسائل، ... وغيرها) على مجموعة متنوعة من المنصات الخاصة أو العامة، والتي تجعل الشخص يشعر بالتهديد، أو الاستغلال، أو الإكراه، أو الإذلال، أو الانزعاج، أو التحيز الجنسي، أو التمييز ضده، ويمكن تصنيفه إلى أربعة سلوكيّات هي: المشاركة غير التوافقية للصور ومقاطع الفيديو الجنسية، الاستغلال والإكراه والتهديد، التنمر الجنسي، محاولة إنشاء تواصل جنسيّ غير مرغوب فيه.[1]

وأضحى التحرش الجنسي عبر الإنترنت أكثر انتشارًا في المجتمع الفلسطيني نتيجة التطور المتسارع في وسائل التواصل الاجتماعي، وأغلب ضحاياه من الإناث. وهذا ما أوضحه استطلاع الرأي لمناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، الصادر عن المركز العربي لتطوير الإعلام المجتمعي-حملة بعنوان "العنف الجندري ضد النساء الفلسطينيات في الحيز الافتراضي"؛ إذ بلغت نسبة النساء اللواتي أفصحن عن تعرّضهن للتحرش عبر الإنترنت 55%، من ضمنهنّ 34% تلقّين صورًا إباحيّة غير مرحّب بها، و16% تلقّين رسائل إلكترونيّة فيها تحرّش جنسيّ، و5% منهنّ أفصحن عن تعرّضهن للتحرش عبر الإنترنت بحسب ما جاء في تقرير صدر العام 2018، وأنّ 33.33% من النساء اللواتي

تعرّضن للتحرّش عبر الإنترنت لا يعرفن المتحرّش، أو مرتكب فعل الابتزاز مسبقًا.[2] ولجأت 71% من النساء إلى عدم وضع صورهن الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنهن لا يشعرن بالأمان، و25% من النساء أغلقن حساباتهنّ على وسائل التواصل الاجتماعيّ نتيجة لتعرّضهن للتحرش.

وتظهر الأرقام الواردة أعلاه، أهمية وجود سياسات لمكافحة التحرش الجنسي عبر الإنترنت. وقد بذلت السلطة الفلسطينية جهودًا محدودة في مكافحته، ففي السابق أقرت السلطة الفلسطينية بوجود جرائم إلكترونية، ونددت بخطورتها، وضرورة اتّخاذ موقف صارم لمحاربتها؛ ففي العام 2013، أسست "وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية"، وفي العام 2016، تبنت النيابة العامة مهمة التصدي لهذه الجرائم، من خلال إنشاء "نيابة مكافحة الجرائم الإلكترونية" بقرار صادر عن النائب العام، وفي العام 2017، تم تخصيص أعضاء نيابة عامة متخصصين لمتابعة قضايا الجرائم الإلكترونية، وتبع كل تلك الجهود إقرار قانون بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم (10) لسنة 2018.

لكن، على الرغم من وجود تلك السياسات الإيجابية لمكافحة الجرائم الإلكترونية، لا يزال هناك قصور عام فيما يتعلق بإقرار سياسات عامة لمكافحة الجرائم الإلكترونية، وبخاصة التحرش الجنسي عبر الإنترنت.

أهداف الورقة

الهدف العام:

اقتراح سياسات لمكافحة التحرش الجنسي عبر الإنترنت، وتشجيع الضحايا من النساء والفتيات على تقديم شكوى إلى الجهات المختصة.

الأهداف الخاصّة:

تقديم آليات لحماية النساء والفتيات من التحرش الجنسي عبر الإنترنت.
تعزيز المنظومة القانونية والقضائية لمكافحة التحرش الجنسي عبر الإنترنت.
توفير سياسات من شأنها ضمان الحماية والأمان والسرية والخصوصية في تقديم الشكوى وكسر حاجز الصمت.

المشكلة السياساتيّة

ارتفاع نسبة التحرش الجنسي عبر الإنترنت، وانخفاض عدد الضحايا اللواتي يلجأن إلى جهات الاختصاص لتقديم الشكاوى، في ظل غياب آليات قانونيّة ناجعة لحماية الضحايا وحماية خصوصيّتهن ومساءلة مرتكبي أفعال التحرّش الجنسي عبر الإنترنت، وغياب فعل حكوميّ ناجع هادف للحدّ من ارتفاع الظاهرة ومحاولة القضاء عليها.

وتبرز المشكلة، بشكل واضح، من خلال أسبابها الرئيسية الآتية:

أولًا: البنية القانونية

يعاني النظام القانوني الخاص بالعقوبات من الازدواجية لوجود قانون معمول به في الضفة من الحقبة الأردنية، وآخر انتدابي معمول به في القطاع، فمن جهة، تعدّ هذه القوانين غير عصرية ولا تتناسب مع الواقع الحالي، ومن جهة أخرى، فإن كلا القانونين لا يوفران تغطية قانونية لمكافحة التحرش الجنسي، ولا يحتويان لفظًا واضحًا صريحًا يدلل على جريمة التحرش، أو استخدام صريح للعبارة، وهذا نقص واضح في كليهما.

وفي ظل غياب قانون يجرم التحرش الجنسي، يتم التكييف القانوني للتحرش الجنسي على اعتبار أنه فعل منافٍ للحياء العام[3]، وفي الوقت نفسه، عالج مشروع قانون العقوبات الفلسطيني التحرش الجنسي، بشكل واضح، واعتبره جريمة، وفرض العقوبات اللازمة على مرتكبيه، وذلك بموجب نص المادة (463). وشملت المادة أي أقوال أو إشارة أو أفعال من شأنها المضايقة أو النيل من الكرامة أو رغبات غيره الجنسية، أو ممارسة أي ضغوطات لتشمل جميع أنواع الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية والوظيفية وغيرها. لكن، يشترط المشرع لتطبيق هذه المادة، وجود عنصري الإمعان والتكرار لتكييفه على أنه تحرش، ما قد يمنع الضحية من تحريك شكوى منذ بداية وقوع فعل التحرش، ويسمح للمتحرش بممارسة التحرش إذا كان التحرش للمرة الأولى. على الرغم من كل ما ذكر حول إيجابيات وسلبيات هذه المادة، فإن المسودة ما زالت طي الأدراج منذ العام 2010.[4]

في السياق ذاته، جاء في القرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية، وبخاصة في المادة رقم (16)[5]، صور التحرش الجنسي، ولكنه لم يذكر صراحة أنها تتعلق بالتحرش الجنسي. ويعيب على هذه المادة عدم وضوحها، وعدم تناولها كافة صور التحرش عبر الإنترنت[6]، كما أن القانون لم يوضح تعريف الأعمال الإباحية وماهيتها.

ثانيًا: الثقافة المجتمعية

السلوكيات السلبية في العالم الافتراضي ما هي إلا امتداد للسلوكيات من العالم الواقعي، وعندما يشعر المتحرش بالراحة والأمان، وسهولة في انتحال الهوية، وصعوبة الكشف عنها، فإن ذلك يتيح له مساحة للقيام بأفعال لا يجرؤ على القيام بها على أرض الواقع، ونستدل من هذه السلوكيات على رغباته الكامنة، وتظهر تراجعًا في منظومة القيم والأخلاق، وتعد مؤشرًا للكبت الاجتماعي وتشييء النساء، والسلطة الأبوية، حيث ينشأ الولد أو البنت في بيئة خالية من الاتصال والتواصل، وعندما يلج العالم الافتراضي المنفتح على بعضه، تتشكل لديه صدمة اجتماعية وثقافية، ويفقد القدرة على إدارة العلاقات بشكل سليم.[7]

ولا تزال النساء والفتيات، أيضًا، يفضلن الصمت وعدم البوح لأفراد الأسرة، أو الجهات الرسمية المختصة عند تعرضهن للتحرش؛ خوفًا من ردة فعل أفراد الأسرة في حال معرفتهم بالأمر، لأن أصابع الاتهام ستشير إليها وتحملها المسؤولية بالدرجة الأولى، على اعتبار أن ذلك يسبب الفضيحة وتلويث سمعة العائلة، وشعور الضحايا بعدم الثقة وفقدان السرية والخصوصية في جهات إنفاذ القانون، والقناعة بأن الجاني لن يجد العقاب الرادع، كل ذلك يساهم في زيادة التحرش.[8]

ومن الأسباب التي تؤدي إلى زيادة التحرش الجنسي عبر الإنترنت، ضعف المعرفة الكافية لدى النساء والفتيات بكيفية استخدام التقنيات التكنولوجية بطريقة أكثر أمنًا؛ مثل كيفية تأمين حساباتهن وبياناتهن، والمعرفة بحقوقهن الرقمية،[9] وضعف الوعي المجتمعي بأشكال التحرش الجنسي عبر الإنترنت، وغياب الاحتضان الأسري للأبناء.

ثالثًا: السياسات الحكومية

تعد وزارة شؤون المرأة لاعبًا أساسيًا في وضع السياسات العامة والإستراتيجيات الوطنية التي تهدف إلى تخفيض نسبة العنف الموجّه ضد المرأة الفلسطينية بأشكاله كافة، فمن خلال الإستراتيجيات التي تتبناها وزارة المرأة، يمكن معرفة أولوياتها فيما يخص العنف.

وبالرجوع إلى إستراتيجية "تعزيز العدالة والمساواة بين الجنسين العابرة للقطاعات (2017-2022)" التي نصّت على أن القطاع الاجتماعي هو من القضايا ذات الأولوية، التي ستعمل الإستراتيجية على معالجتها. وإذ إنّ العنف يُعدّ من القضايا الاجتماعية، فإن هذه الإستراتيجية أقرت بوجود فجوات مرتبطة بالعنف، وأن المرأة لا تزال تتعرض لجميع أشكال العنف، وذكرت أشكال العنف التي تعتبر أولوية لوزارة المرأة، وهي العنف الجسدي، والنفسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والجنسي.[10]

ومع أن الإستراتيجية تعتبر العنف الجنسي هو من القضايا ذات الأولوية[11]، فإنّه يُفتَرض، في ظل تسارع تطور وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وزيادة استخدام وسائل التواصل والأجهزة الذكية والإنترنت، أن يتم تخصيص وإعطاء أولوية في الإستراتيجية، أيضًا، للعنف والابتزاز الجنسي الإلكتروني.[12] كما أن الخطة الإستراتيجية لمناهضة العنف ضد النساء للأعوام (2011-2019) الصادرة عن وزارة المرأة انتهت صلاحيتها، ولم يتم تحديث إستراتيجية جديدة بعد ذلك.

أما بالنسبة لوزارة العدل، التي تهدف إلى بناء قطاع عدالة متكامل الأدوار، يحقق العدل وسيادة القانون، ولتحقيق ذلك، أقرت إستراتيجيتها الوطنية (2017-202)، واعترفت في الإستراتيجية بغياب سياسة وطنية للمساعدة القانونية، وضعف في تقديم خدمات العدالة، لذلك دعت إلى تبني إستراتيجية وطنية للمساعدة القانونية، وبخاصة مساعدة النساء المعنّفات، ومواءمة هذه التدخلات مع قطاع الأمن والعدالة والحماية المجتمعية.[13] وعلى الرغم من نجاعة هذه الإستراتيجية، وتمكين النساء المتحرش بهن من حصولهن على المساعدة القانونية، ما يشكل لهن مصدر قوة للوصول لحقهن القانوني في الحماية والدفاع عن حقوقهن والوصول للعدالة، فإن هذه الإستراتيجية، لم ترَ النور حتى تاريخ كتابة هذه الورقة.

في سياق آخر، هناك غياب لسياسات فلسطينية مشتركة مع دول العالم قائمة على التنسيق والتنظيم المشترك لمكافحة التحرش الجنسي عبر الإنترنت، باعتباره جريمة عابرة للحدود قد ينشأ في أي مكان في العالم،[14] وليس من السهل فيها ملاحقة المتحرشين إذا كانوا خارج حدود الدولة.

كذلك، هناك غياب، أيضًا، لسياسة وطنية للمتابعة والرقابة على تطبيق قانون رقم (3) لسنة 1996 بشأن الاتصالات السلكية واللاسلكية، الذي يمنع الاتجار بشرائح السيلكوم الإسرائيلية؛ كونها غير مرخصة[15]، إذ تزداد نسبة التحرش باستخدام شرائح الاتصالات الإسرائيلية، لشعور المتحرش بالأمان، وإفلاته من المساءلة والعقاب؛ كون حملة هذه الشرائح لا يخضعون للقوانين الفلسطينية. ويبلغ عدد هذه الشرائح في الأراضي الفلسطينية 600 ألف، وهناك ثماني شبكات إسرائيلية تعمل في الأراضي الفلسطينية.[16]

رابعًا: بنية المجتمع المدني

لا تتمتع مؤسسات المجتمع المدني بالجرأة الكافية لطرح إشكالية التحرش الجنسي بمفهومه المجرد، ولا تزال تعمل على تجميل الموضوع وطرحه في إطار الابتزاز الإلكتروني، داعية إلى تقديم المساعدة النفسية والاجتماعية والقانونية ضمن هذا الإطار،[17] ولهذا، فإنها لا تسلط الضوء على التحرش الجنسي عبر الإنترنت بشكل متخصص.

في سياق آخر، يوجد شح في برامج المجتمع المدني المتعلقة ببناء قدرات ومهارات النساء والفتيات لتحقيق استخدام أكثر أمنًا بالتقنيات التكنولوجية لحماية أنفسهن من أي عنف رقمي. ويبرز ضعف في دور المجتمع المدني في رصد البلاغات/الشكاوى المتعلقة بحالات التحرش الجنسي عبر الإنترنت، لكن مؤخرًا، أطلق مركز حملة، منصة "حر"، كأول منصة إلكترونية فلسطينية تعمل على رصد الانتهاكات الرقمية التي يأتي من ضمنها التحرش الجنسي عبر الإنترنت.[18]

وأيضًا، لاحظنا خلال إعداد الورقة ضعفًا واضحًا جدًا في أنشطة ودراسات ومبادرات متخصصة مدعومة من المجتمع المدني حول التحرش الجنسي عبر الإنترنت، ويدلل على ذلك البحث الصادر عن مركز حملة لسنة 2018 الذي يعتبر أول بحث شامل من نوعه محليًا وإقليميًا يتناول هذا الموضوع، والمؤشرات الواردة فيه، تم الاستناد إليها في إعداد هذه الورقة.[19]

ويعد الإعلام واحدًا من مكونات المجتمع المدني، ولاعبًا أساسيًا في رفع الوعي المجتمعي وتوجيه الضحايا في الحوادث المماثلة، إلا أن الواقع يشهد ضعف الإعلام الفلسطيني في إبراز قضية التحرش الجنسي عبر الإنترنت، والآليات الحديثة للحماية منه، ومن المخاطر الصحية والنفسية والأخلاقية والتربوية التي تترتب على حدوثه، أكان ذلك بالنسبة للمتحرش أو المتحرش بهن، أو للمجتمع كله.

البدائل السياساتية

تتناول الورقة البدائل التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المنشودة، ويتطلب ذلك تحديد معايير من شأنها قياس قدرة البدائل المطروحة على تحقيق الأهداف، وهي:

المقبولية:  تراعي البدائل المطروحة قبولًا لدى القوى الرسمية وغير الرسمية التي تؤثر في إقرار السياسات.

الإمكانية: تراعي البدائل المطروحة القدرة على تطبيقها وفق الإمكانيات المتوفرة من الناحية المادية والسياسية والقانونية والاجتماعية.

الفاعلية: تراعي البدائل المطروحة القدرة على تحقيق الهدف في الحد من التحرش الجنسي عبر الإنترنت.

العدالة:  تراعي البدائل المطروحة تحقيق العدالة؛ سواء القانونية والمجتمعية، للضحايا التي تعاني من التحرش.

البديل الأول: بناء إستراتيجية وطنية لمكافحة العنف الرقمي

يقع هذا البديل ضمن واجبات السلطة الوطنية الفلسطينية الموقعة على عدد من الاتفاقيات الملزمة لها تجاه حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل، لذلك من المهم وضع إستراتيجية شاملة وجامعة تشمل العمل مع مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية، وتتضمن هذه الإستراتيجية محاور عدة، منها:

تعزيز آليات الحماية من العنف الرقمي الذي يتضمن التحرش عبر الإنترنت.
تعزيز الإطار القانوني والآليات المؤسساتية للحماية من العنف الرقمي، بشكل يضمن توفير الحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي.
تعزيز السلطة القضائية في التعامل مع قضايا التحرش الجنسي عبر الإنترنت.
تغيير التوجهات المجتمعية بشأن التحرش الجنسي تجاه النساء والفتيات، من خلال تعزيز الوقاية من التحرش الجنسي عبر الإنترنت في التوجه الإستراتيجي للمؤسسات العاملة في مجال الحماية من العنف.
تنظيم العمل بين المؤسسات العاملة على مناهضة العنف، وتبادل القضايا فيما يتعلق بالتحرش الجنسي عبر الإنترنت في الإعلام بشكل ممنهج ومنظم.

محاكمة البديل الأول:

المقبولية: إن وجود إستراتيجية وطنية لمكافحة هذه الجرائم يلاقى دعمًا كبيرًا من صانع القرار ومؤسسات المجتمع المدني، ويتقاطع، بشكل مباشر، مع اهتمامات مؤسسات المجتمع المدني والوزارات المعنية، التي تعمل على حماية الحقوق والحريات، والحد من العنف تجاه النساء والفتيات، وبناء قاعدة سليمة وصحية تحمى أفراد المجتمع، وتساهم في تعزيز الأمان والتماسك المجتمعي، وتغير جزءًا كبيرًا من المفاهيم الخاطئة السائدة.

الإمكانية: هذا البديل يمكن تحقيقه، وبخاصة أن العنف ضد النساء، بمختلف أشكاله، محور اهتمام العديد من الوزارات، وتحديدًا وزارة شؤون المرأة، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل على قضايا العنف تجاه النساء لإحداث تغيير في التوجهات، وفي المفاهيم الخاطئة، وبناء مجتمع سليم قادر على مواجهة هذه التحديات.

الفاعلية: يحقق البديل الفاعلية الأكبر، لأنه يعمل من منطلقات أصعدة عدة، ومن الممكن أن يشمل هذا البديل العمل على البديلين الثاني والثالث؛ كونه أكثر عمومية وشمولية، ويحقق الهدف، وهو مكافحة التحرش، وتشجيع النساء على كسر حاجز الصمت.

العدالة: يحقق هذا البديل العدالة للنساء والفتيات اللواتي قد يتعرضن أو تعرضن للتحرش، لأنه يوفر حماية ووقاية للمتحرش بهن، والمساءلة للمتحرش، ويوفر الردع العام، ويعمل على تغيير النظرة النمطية للتحرش الجنسي عبر الإنترنت.

البديل الثاني: تعزيز القيم المجتمعية بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني

علاوة على الجهود الحكومية، تحتاج مكافحة التحرش الجنسي عبر الإنترنت إلى جهود مؤسسات المجتمع المدني، لذلك يتطلب من مؤسسات المجتمع المدني تأسيس شبكة تهدف إلى بناء نظام إنذار مبكر لتعزيز منظومة القيم المجتمعية، تتلاءم مع دخول التكنولوجيا الجديدة، وتعمل على:

تنظيم حملات توعوية واسعة للحماية من التحرش الجنسي عبر الإنترنت كشكل من أشكال العنف المجتمعي.
التربية على اعتبار ممارسة العنف قيمة اجتماعية منبوذة، واعتبارها اعتداء على النظام العام.
إطلاق برامج خاصة بالتربية على الحقوق الإنسانية للمرأة، ومناهضة العنف.
تثقيف جنسي كامل ومتلائم مع جميع الأعمار، للحد من تعرض الأفراد للصدمة عند تعرضهم للانفتاح على العالم عبر الإنترنت.

محاكمة البديل الثاني:

المقبولية: يحظى هذا البديل بمقبولية لدى مؤسسات المجتمع المدني، لذا يمكن قبوله وتبنيه، وبخاصة أن كثيرًا من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية على اختلاف اهتماماتها تعمل على التربية المجتمعية.

الإمكانية: يمكن تطبيق هذا البديل بكل سهولة في كل من الضفة وغزة.

الفاعلية: يحقق هذا البديل الهدف الذي نسعى إليه وهو الحد من التحرش الجنسي، لأنه يعمل على معالجة الأسباب الجذرية المتعلقة بالتنشئة والقيم.

العدالة:  يوفر هذا البديل العدالة في حال تطبيقه، لأنه يعمل مع جميع فئات المجتمع.

البديل الثالث: بناء منظومة قانونية موحدة قوية رادعة لجرائم التحرش الجنسي

يفترض هذا البديل وجود بيئة قانونية قوية وفاعلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة تنسجم مع المعايير الدولية، وبخاصة العهد الدولي الخاص بحقوق الإنسان لسنة 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1996، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لسنة1981، ويتم تحقيق ذلك كله، من خلال:

إنهاء الانقسام السياسي، وإجراء انتخابات تشريعية وتوحيد المنظومة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
إقرار مشروع قانون العقوبات الموحد لسنة 2010 الذي استحدث نصوصًا لتجريم التحرش الجنسي، بما يشمل إعادة تعريفه، وحذف عنصري الإمعان والتكرار كشرط للمساءلة، وتجريم فعل التحرش الجنسي، إلى جانب تغليظ العقوبة تجاه المرتكبين، بغض النظر عن وضعهم أو مكانهم الوظيفي أو الاجتماعي، وعدم السماح للتدخلات العشائرية والعائلية بتبسيط الحلول بما يشجع على تكرار الجريمة.
توحيد القرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية، وتضمينه تعريفًا واضحًا لجريمة التحرش الجنسي عبر الإنترنت، وبشكل يشمل جميع صوره.
إنشاء محكمة متخصصة للنظر في الشكاوى الخاصة بالجرائم الإلكترونية التي تتضمن التحرش الجنسي عبر الإنترنت، ومعالجة إشكالية انخفاض نسبة الإبلاغ عن تلك الجرائم من قبل النساء والفتيات لدى الجهات المعنية بسبب الخوف، أو عدم وجود مساحة آمنة وخصوصية وسرية في إجراءات التبليغ والمحاكمة، إلى جانب سرعة الفصل والتقاضي.

محاكمة البديل الثالث:

المقبولية: على الرغم من وجود ضغط مجتمعي لإقرار قانون العقوبات وتعديل القرار بقانون بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، فإن إقرار مشروع قانون عقوبات موحد، وإعادة النظر في القرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 وتوحيده، يحظى بمقبولية ضعيفة لدى صانع القرار في الضفة وغزة، وبخاصة في الوقت الراهن، لأن العمل على هذا البديل يتطلب إتمام المصالحة الوطنية، وإجراء انتخابات مجلس تشريعي، فيما جميع المؤشرات تدلل على عدم إمكانية إجراء انتخابات تشريعية، وبخاصة بعد فشل الجولة الأخيرة لحوارات المصالحة.

الإمكانية: تبدو إمكانية بناء منظومة قانونية موحدة ضعيفة في الوقت الحالي، في ظل المشاحنات المستمرة بين حركتي الانقسام، وبخاصة بسبب الخلاف الحاصل على أموال إعادة الإعمار، وانسداد الأفق في حوار المصالحة، ورفض الحكومة في رام الله إجراء انتخابات تشريعية دون القدس.

الفاعلية: يحقق البديل، في حال تطبيقه، نوعًا من الردع المجتمعي العام، والردع الخاص، ما يحد من التحرش الجنسي عبر الإنترنت.

العدالة: يحقق البديل عدالة لضحايا التحرش الجنسي عبر الإنترنت، وجبر الضرر عنها، بما يتوافق مع الفعل المرتكب الذي يساهم في حمايتها، ويعزز الأمان بوجود قانون رادع يطال مرتكبي تلك الأفعال.

المفاضلة بين البدائل

من الواضح أن البدائل الثلاثة مهمة ومطلوبة لإنجاز نقلة نوعية في السياسات العامة لمكافحة التحرش الجنسي عبر الإنترنت، لكن توصي الورقة باعتماد البديل الأول لأنه الأكثر قابلية للتنفيذ باعتباره أكثر شمولية، ومقبولية، وإمكانية للتطبيق، والأكثر تحقيقًا للعدالة للفئات المتضررة، وبخاصة في الوقت الراهن، مع عدم تجاهل أهمية العمل على البديلين الآخرين بعد إنجاز البديل الأول كخطوة أولى في إطار إقرار سياسات عامة بهذا الشأن.

الهوامش

** ما يرد في هذه الورقة من آراء تعبر عن رأي معدّيها، ولا تعكس بالضرورة موقف مركز مسارات.

[1] Childnet, Defining Online Sexual Harassment: bit.ly/30a2EMl

[2] شهرزاد عودة، العنف الجندري ضد الفلسطينيات في الحيز الافتراضي، المركز العربي لتطوير الإعلام المجتمعي (حملة)، حيفا، 2018، ص 34.

[3] المصدر السابق.

[4] فاطمة دعنا، العدالة الاجتماعية في قانون العقوبات والتشريعات الفلسطينية (دراسة قانونية نقدية تحليلية)، مركز بيسان للبحوث والإنماء، رام الله، 2019، ص 101.

[5] "1. كل من أرسل عن طريق الشبكة الإلكترونية، أو إحدى وسائل تكنولوجيا المعلومات، قصدًا، كل ما هو مسموع أو مقروء أو مرئي، يتضمن أعمالًا إباحية لمن هو فوق الثامنة عشرة سنة ميلادية دون رضاه، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن مائتي دينار، ولا تزيد على ألف دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونًا، أو بكلتا العقوبتين. 2. كل من أرسل أو نشر عن طريق الشبكة الإلكترونية، أو إحدى وسائل تكنولوجيا المعلومات، قصدًا، كل ما هو مسموع أو مقروء أو مرئي يتضمن أعمالًا إباحية لمن لم يكمل الثامنة عشرة سنة ميلادية، أو تتعلق بالاستغلال الجنسي لهم، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، أو بغرامة لا تقل عن ألف دينار أردني، ولا تزيد على ثلاثة آلاف دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونًا، أو بكلتا العقوبتين. 3. كل من قام قصدًا باستخدام الشبكة الإلكترونية، أو إحدى وسائل تكنولوجيا المعلومات، في إنشاء، أو إعداد، أو حفظ، أو معالجة، أو عرض، أو طباعة، أو نشر، أو ترويج أنشطة أو أعمال إباحية لغايات التأثير على من لم يكمل الثامنة عشرة سنة ميلادية، أو من هو من ذوي الإعاقة، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، أو بغرامة لا تقل عن ألف دينار، ولا تزيد على ثلاثة آلاف دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة، أو بكلتا العقوبتين.

[6] قرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية.

[7] أحمد ضرغام، التحرش الجنسي الإلكتروني بالسيدات، ورقة بحثية في إطار دراسة مادة علم الإجرام والعقاب، كلية الحقوق-جامعة الإسكندرية، 2018، 13.

[8] مقابلة شخصية مع (أ. ط) امرأة ناجية من التحرش والابتزاز الجنسي عبر الإنترنت - فضلت عدم الكشف عن اسمها، 18/9/2021.

[9] رفع وعي النساء بحقوقهن الرقمية يحميهن من التعرض للابتزاز الإلكتروني، وكالة وطن للأنباء، 30/6/2021: bit.ly/3ux32zJ

[10] إستراتيجية تعزيز العدالة والمساواة بين الجنسين في إطار خطة التنمية الوطنية (2017-2022)، وزارة شؤون المرأة الفلسطينية، 2017: https://bit.ly/3j2tP2P

[11] المصدر السابق.

[12] المصدر السابق.

[13] الإستراتيجية الوطنية لقطاع العدالة وسيادة القانون (2017-2022)، وزارة العدل الفلسطينية، 2017: bit.ly/3wg2n6q

[14] مبادئ توجيهية لواضعي السياسات بشأن حماية الأطفال على الإنترنت 2020، الاتحاد الدولي للاتصالات، 2020.

[15] قانون رقم (3) لسنة 1996 بشأن الاتصالات السلكية واللاسلكية.

[16] مليون مستخدم للشرائح الإسرائيلية بالضفة، الاقتصادي، 25/9/2018: bit.ly/3DMT01z

[17] مقابلة هاتفية مع تهاني قاسم، منسقة مركز حياة للحماية وتمكين النساء والعائلات، غزة، 4/11/2021.

[18] مرصد "حر" ... لأن للفلسطينيين الحق في "فضاء رقمي آمن وعادل"، رصيف 22، 4/11/2021: bit.ly/2ZYqFGw

[19] شهرزاد عودة. العنف الجندري ضد الفلسطينيات، مصدر سابق.