إبراهيم إلياس النعيمي رجل قارب عمره إلى الواحد والستين عاماً، يعمل حالاً في جامعة بيت لحم، متزوج من امرأة تعرف عليها خلال تعلمه وعمله في جامعة بيت لحم، وهو أب لثلاثة أولاد، عاش الكثير وهذا ما ترسمه تجاعيد وجهه أن كان فرحاً أو حزناً، إن كان رأفةً وحباً أو غضباً، فلنبحر في بعض جداول حياته.
بدأت رحلته في جامعة بيت لحم عام 1978، عندما احتضنته الجامعة كطالب في كلية إدارة الأعمال، رغم رغبته وحبه لعالم الطبخ والمطبخ وتحدث عن ذلك مرتدي لباس الحزن" لكن للأسف الحلم ما تم"، وعدت الأيام ليتم قبوله في أحد جامعات أمريكا، وفي طريقه للحصول على فيزته من الأردن، تغيير مساره ليبقى بالأردن بعد قبوله عرض أحدهم بدراسة الكمبيوتر لمدة سنتين، في كلية البيروني، ليكن من أوائل من درس الكمبيوتر في البلاد العربية.
فور أن عاد إلى أرضه ومكان راحته، عادت جامعة بيت لحم لتحتضنه كموظف في مجال الكمبيوتر، قرأته للخبر في الجريدة ذلك الصباح، أضافت لروحه البهجة وأعادت الفرح لعيناه، تم قبوله بعد فترة من التجربة التي أثبت فيها أنه يستحق هذا العمل، وبعد العمل الشاق لا بد من إيجاد ثمار عملك واجتهادك، فعمله وإرادته ساعدته فرفع ليكون مشرف لجميع مختبرات الحاسوب في الجامعة.
في عام 1996 فقد جده الذي كان يسانده في حياته، ليبقى وحيداً غير منكسر عازماً على إكمال دراسته في كلية إدارة الأعمال رغم أن الجامعة لم تسمح له بإنزال مساق واحد كل فصل، فأنهى دراسته بعد عشرة أعوام رغم مرارتها وقسوة أيامها.
وفجأة توقف ليتذكر حلمه الذي تخلى عنه في بداية الطريق قائلاً" عشان أحس حالي لسا عايش وإني حققت لو جزء من هالحلم"، قرر أن يبدأ بدورة تدريبية في الحلويات، ودرس دليل سياحي لمدة سنتين، هكذا شعر بأنه أرضى نفسه وحقق شيء لم يكن يرى أنه سيتحقق أبداً.
خلال التسعة والثلاثون عاماً في جامعة بيت لحم، عاش الكثير إن كان فرحاً أو حزناً، فالعمل بالجامعة فتح له أفاق كثيرة، سافر إلى ثمانية عشر دولة، تعلم العديد من اللغات، تعرف على أشخاص كثيرة من طلاب من زملاء ومن أجانب، وكانت أسعد اللحظات التي لن ينساها عندما قابل الأخوة التونسيين و الجزائريين والمغربيين والسوريين واللبنانيين في مؤتمر في تونس" كان أسبوع من الأحلام ما بينتسى أبداً أبداً"، ولم ينهي كلامه حتى غرقت عيناه فرحاً عندما تذكر رحلته لأداء العمرة، وبعدها تذكر مفتخراً أنه مثل جامعة بيت لحم في مؤتمر في روما.
وما أن تذكر أيام الحزن بدأ يسرد مشاهد الانتفاضات التي عاشتها الجامعة، الشهداء والإصابات التي كانت في سبيل طلب العلم، وعاد بالزمن إلى الخلف لحرب عام 1967 عندما لم يبلغ من العمر السابعة عاماً، رسم لي تلك الأيام التي قضاها في دار الخوري ودار الجعار وتلك الليالي التي كانوا يخافون أن يغمضوا أعينهم خوفاً من صوت الحرب، وتلك السيدة التي كانت تستيقظ باكراً لجمع الرصاص الذي كسى الأرض، وذلك الرجل الذي أخذ سلاحه محاولاً إسقاط الطائرات الحربية، وذلك الأب الذي أراد أخذ أبنائه والسفر إلى الأردن خوفاً عليهم، ليعود بي إلى أيام الانتفاضة الأولى، عندما انتفضت الأرض بعد استشهاد محمد أبو سرور، فهب الشعب من أجل حقه، ورغم إغلاق الجامعة أبوابها لمدة طالت لثلاثة أعوام، لكن الطلاب كانوا يجتمعون بالمدارس والكنائس ينهلون من العلم ما يستطيعون، وفي الانتفاضة الثانية لم تغلق الجامعة أبوابها لكن كانوا يعانون من الرصاص وقنابل الغاز والاقتحامات في سبيل العلم.
وعند سؤالي له إن عاد به الزمن هل سيعمل بالجامعة فأكد على أن فترة عمله رغم صعوبتها كانت جميلة بحولها ومرها، لكنه بعد ذلك تذكر ما فعلته الجامعة به قبل سنتين، ففي أحد الأيام تفاجئ بأنه أول شخص يريدون منه أن يتوقف عن العمل وإنهاء العقد معه هو ومجموعة من الموظفين بالجامعة، لكن الطلاب وكامل الطاقم التعليمي أحتج على هذا الأمر لأنه خدم في الجامعة وأحبها وأحب من فيها ويساعد الجميع، تكفي ابتسامته التي يستقبل الطلاب بها، فوقف الجميع بجانبه حتى تم أعادة العقد معه وإكمال عمله.
يبقى السؤال لماذا اليتيم؟