بشكل مفاجئ وبلا تنسيق مسبق مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة لليمن انسحبت القوات المدعومة من الإمارات العربية من محافظة الحُديدة التي كانت تحاصرها منذ ثلاث سنوات الى محافظة تعز المشرفة على باب المندب.
الانسحاب صاحبه بالطبع انتشار سريع لحركة أنصار الله في محافظة الحُديدة، بما يوحي أن الخطوة القادمة لأنصار الله قد تكون محاولة السيطرة على باب المندب.
لا أحد يعرف بالضبط أسباب الانسحاب، فهي قد تكون الخوف من محاولة أنصار الله محاصرة القوات المدعومة من الإمارات العربية بعد أن سقطت محافظة البيضاء بيد أنصار الله واقترب سقوط محافظة مأرب التي لم يعد لقوات حكومة هادي المعترف بها دولياً سيطرة فيها إلا على مدينة مأرب.
هنالك من يقول إن الانسحاب هدفه تعزيز الدفاعات لمنع سقوط باب المندب في يد أنصار الله لأن الأخيرة اتخذت قراراً استراتيجيا بالسيطرة عليه، وهو إن حصل، سيجعل إيران وحلفاءها فعلياً في وضع السيطرة على أهم مضيقين مائيين للتجارة العالمية (هرمز وباب المندب).
السيطرة لا تعني قطعاً أن إيران أو حلفاءها سيعملون على استهداف سفن دول معادية لهما مثل إسرائيل والولايات المتحدة، ولكنها تعطيهما القدرة في اللحظات الاستراتيجية (في حالة الحرب على إيران مثلاً) على اغلاق المضيق إن كان ذلك يخدم مصالحهما.
السؤال هنا، هل تدخل إسرائيل بشكل مباشر على خط الصراع في اليمن لمنع سقوط باب المندب في ايدي أنصار الله حلفاء إيران ولمنع الأخيرة من تعزيز وجودها في مناطق كانت حتى وقت قريب آمنة لها.
السلوك الإسرائيلي السابق في حالة العراق وإيران خلال السنوات الماضية يخبرنا بأن إسرائيل ستلجأ للضغط على الولايات المتحدة حتى تقوم الأخيرة بالتدخل العسكري المباشر في اليمن لمنع أنصار الله من تحقيق سيطرتهم على باب المندب.
لكن نجاح إسرائيل في ذلك قليل بسبب الرغبة الأميركية الجامحة بتقليل دورها في منطقة الشرق الأوسط، ولعلمها بأن إيران وأنصار الله لن تصل بهما الجرأة لاستهداف مصالحها في البحر الأحمر، ولأنها أيضا راغبة الى التوصل الى حل سياسي للأزمة اليمنية، وأن أي تصعيد عسكري من جانبها سيطيل الحرب فقط وسيدفعها للتورط أكثر في المنطقة، وهو أيضاً لن يغير من نتائج الصراع في اليمن الا إذا كان التدخل العسكري مصحوباً بقوات برية وهو ما لا تريده أميركا.
هذا يعني بأن أمام إسرائيل عدة خيارات جميعها سيئة بالنسبة لها:
أولاً: أن تدخل مباشرة في حرب جوية ضد أنصار الله... لكن ما عجزت عنه القوات اليمنية المدعومة من العربية السعودية والامارات، لن تتمكن إسرائيل من تحقيقه... يمكنها أن تؤخر سيطرة الحوثيين على المضيق لكنها لا تستطيع منعه.
الأهم من ذلك، أن دخولها المباشر في الحرب سيجعلها هدفاً لهجمات أنصار الله بالصواريخ وطائرات الدرون وحتى سفنها في البحر الأحمر ستكون مستهدفة على طول الساحل الغربي لليمن.
إضافة لذلك، سيعطي تدخلها العسكري المباشر في اليمن أنصار الله شرعية لم يكن يحلمون بها بسبب عداء اليمنيين لدولة الاحتلال وتعاطفهم الكبير مع الفلسطينيين. هذا الخيار بالتالي مستبعد.
الخيار الثاني هو أن تلجأ إسرائيل الى تدخل غير علني في الحرب لدعم القوات المدعومة من الإمارات في اليمن والتي تسيطر حالياً على باب المندب.
هذا احتمال كبير بسبب عمق العلاقات الأمنية والتجارية والسياسية بين الإمارات العربية وإسرائيل. هناك من يقول إن إسرائيل فعلياً موجودة في جزيرة سوقطرة اليمنية الاستراتيجية والتي تسيطر عليها الإمارات.
لكن هذه الطريقة في الدعم تعني بأن العبء الأكبر لمنع سقوط باب المندب سيقع على عاتق الامارات والقوات الحليفة لها. لكن الامارات أعلنت انسحابها الرسمي من الحرب العام ٢٠١٩ وعودتها اليها بشكل مباشر سيجعلها في مواجهة صريحة مع الحوثيين، وهي لا تريد ذلك حتى لا تتعرض لما تتعرض له العربية السعودية من هجمات بالصواريخ تكاد تكون شبه يومية.
الامارات ستعتمد مثلما فعلت في السابق على حلفائها على الأرض، وبالتالي فإن الدعم الإسرائيلي «الخفي» لن يكون مؤثراً في تغير نتائج معركة باب المندب إن حصلت.
خيار إسرائيل الثالث هو أن تقبل بالواقع وأن تسلم له وان تعمق تحالفاتها مع السودان ومصر لمحاصرة الامتداد الإيراني، لكن هذه العلاقات أصلا قوية والمزيد من التنسيق الأمني لن يضيف جديدا لهذه العلاقات.
في المحصلة، إيران وحلفاؤها سيصبح لهم يد فاعلة في البحر الأحمر، وسيضاف ذلك لجملة التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل.
إيران لن تترك اليمن كما هو لأنه في واقع الأمر أكثر أهمية من لبنان بمساحاته وموقعه الجغرافي الاستراتيجي وبعدد سكانه، وهي ستعمل على تقوية أنصار الله بكل الإمكانيات المتوفرة لها من أجل تعزيز نفوذهم في اليمن ونفوذها هي فيه.
في الصراع «العربي» مع إيران، إسرائيل ليست خياراً بل عبء سياسي وأمني على أصحابه... والحل الأمثل «للعرب» في صراعهم مع إيران هو اللجوء الى الحوار والى الشراكة الأمنية والتجارية معها.