هآرتس - بقلم: تسفي برئيل "ليست هناك وقاحة أكبر من وساطة وزير الدفاع، بني غانتس، الذي يريد من الدول المانحة زيادة مساعداتها للسلطة الفلسطينية. الأزمة الاقتصادية العميقة التي تضع قدرة السلطة في موضع التساؤل على دفع رواتب موظفيها، وبالأحرى الاستثمار في تطوير وتوسيع البنى التحتية، تعتبر وضعاً خطيراً وبحق. ليس خطيراً على الفلسطينيين، لا سمح الله، بل على أمن إسرائيل. الانهيار الاقتصادي يعني فقدان السيطرة، ثم التدهور إلى أعمال الشغب والمواجهات وإطلاق النار والعمليات. هذه هي المعادلة التي جُرّبت “بنجاح” في غزة. وقد عملت جيداً في العراق والسودان ولبنان، والآن تعرض إسرائيل للخطر.
أعطوا الفلسطينيين بضع مئات الملايين الإضافية إذا كنتم تريدون أمن إسرائيل، هذا ما سيقوله وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج في لقاء الدول المانحة في أوسلو.
الجواب المطلوب من الدول الأوروبية إعطاءه لإسرائيل هو “أعطوا أولاً. إذا كان أمن إسرائيل مرتبطاً بالاستقرار الاقتصادي للسلطة فأخرجوا دفتر الشيكات الخاص بكم”. كم يساوي التعاون الأمني مع السلطة بالنسبة لإسرائيل؟ يجب أن تسأل هذه الدول. كم يساوي الهدوء، 100 مليون دولار؟ 200؟ ملياراً؟ قد تكون هذه الدول سخية أكثر، وتعرض مقابل كل دولار تعطيه إسرائيل دولاراً وربما دولارين.
تستند ميزانية السلطة الفلسطينية في هذه السنة إلى عجز متوقع بمبلغ مليار وربع دولار على الأقل. وهي تريد من الدول المانحة مساعدة بمبلغ مليار دولار. لماذا لا تسهم إسرائيل بنصف هذا المبلغ؟ أو ربعه؟ 1 في المئة من إجمالي نفقات الحكومة على المستوطنات في “المناطق” [الضفة الغربية]؟ كما أنه مسموح مطالبة إسرائيل أن تعيد أولاً الأموال التي خصمتها من الجمارك العائدة للسلطة، وهي أموال -حسب ادعاء إسرائيل- تستخدم لتمويل احتياجات عائلات سجناء ومخربين فلسطينيين.
هذا الادعاء لا يتساوق مع الإذن الذي أعطي لقطر بتحويل عشرات ملايين الدولارات لغزة الواقعة تحت حكم حماس. إسرائيل تستورد من الضفة في السنة بضائع بمبلغ 2.7 مليار دولار. وهي والمستوطنات تشغل نحو 140 ألف عامل (عدد رسمي). الحديث يدور عن بضائع وقوة عمل رخيصة تمنح قيمة مضافة عالية للمنتوجات الإسرائيلية النهائية أو تكلفة العمل. يمكن إعادة بعض هذه الأرباح للسلطة الفلسطينية، سواء كهبات أو كقروض بشروط سهلة.
على الدول المانحة مطالبة إسرائيل بطرح المبالغ الضخمة التي تراكمت في صندوق مؤسسة التأمين الوطني التي مصدرها العمال الفلسطينيون الذين لم يحصلوا عليها، ومعظمهم لن يحصلوا عليها مرة أخرى عبر مخصصات الشيخوخة ومخصصات التقاعد. وإذا كان انهيار العائلات الفلسطينية يقلق إسرائيل، فلتتفضل وتضمن أن يكونوا قادرين على قطف زيتونهم وفلاحة أراضيهم وتسويق منتجاتهم بدون قيود أو تنكيل أو حواجز.
الدول المانحة ليست هي التي احتلت المناطق، وليست هي المسؤولة عن جودة حياة الفلسطينيين أو أداء السلطة الفلسطينية، ولا يجب عليها أن تخرج كستناء إسرائيل من النار. منظمة الدول المانحة التي تم تشكيلها في 1993 بعد فترة قصيرة من التوقيع على الاتفاقات المرحلية بين إسرائيل والفلسطينيين، لم يكن الهدف منها مساعدة إسرائيل في احتلال المناطق، بل مساعدة الفلسطينيين بشكل مباشر. بعد ذلك تحولت هذه المساعدات إلى أداة مساعدة تعفي إسرائيل من العبء المالي المقرون بالاحتلال. بشكل ديماغوجي، يمكن الادعاء بأن أي دولار تم التبرع به للفلسطينيين قام بتوفير دولار إسرائيلي للاستثمار في المستوطنات. هذا الادعاء من الصعب تأكيده، لأن إسرائيل لا تكشف السر الدفين الذي تحرص على إخفائه وهو كمية الأموال التي تستثمر في المستوطنات.
إذا كانت إسرائيل تتملكها الآن حاجة أمنية لمساعدة السلطة، فعلى الدول المانحة أن تضع شروطاً لذلك. ومثلما تشترط تقديم المساعدة بتخصيصها لمشاريع معينة (ولا تقوم بتحويلها مباشرة إلى خزينة السلطة الفاسدة) فعليها إذن أن تشترط إسهامها بتغيير جوهري لسياسة إسرائيل في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان في “المناطق” [الضفة الغربية].