قال وزير المالية شكري بشارة، إن قيمة الخصومات والاقتطاعات الإسرائيلية المجحفة من المقاصة، والتسربات المالية في ملفات تماطل الحكومة الإسرائيلية في تسويتها، تتجاوز 1.4 مليار دولار منذ بداية العام 2021.
وأوضح وزير المالية، في تقرير مالي شامل عرضه على المانحين في اجتماع لجنة تنسيق المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني، الذي بدأت أعماله في العاصمة النرويجية أوسلو؛ أن الخصومات الإسرائيلية الجائرة بذريعة أنها تعادل ما يتم صرفه من الحكومة الفلسطينية لإعانة عوائل الشهداء والجرحى والأسرى، مسؤولة وحدها عن 42% من عجز الموازنة والتي بلغت حتى تاريخه (400) مليون دولار.
وقد بدأت إسرائيل باقتطاع 15 مليون دولار شهريا من إيرادات المقاصة، تحت هذا البند، اعتبارا من كانون الثاني 2019، وارتفعت إلى 30 مليون دولار شهريا منذ تموز 2021.
وقدر الوزير بشارة عجز الموازنة الفلسطينية حتى نهاية العام بـ960 مليون دولار، لتنخفض إلى 560 مليون دولار في حال أفرجت إسرائيل عن الأموال التي اقتطعتها بشكل أحادي الجانب وخلافا لأحكام القانون والأعراف الدولية والاتفاقيات الثنائية.
وأبلغ بشارة المانحين أنه وفي حال عدم تحويل الحكومة الإسرائيلية الخصومات المتراكمة خلال أيام فإن الحكومة الفلسطينية لن تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها كاملة.
وتُضاف إلى هذه الخصومات اقتطاعات شهرية، بلغت منذ مطلع العام الحالي 451 مليون دولار (257 مليون دولار كهرباء، و98 مليونا للمياه و34 مليونا رسوم معالجة مياه عادمة، و62 مليونا عمولة جباية وبدل خدمة).
وقال بشارة: إن الحكومة الإسرائيلية لا تقوم بتزويدنا بأية تفاصيل لما تقوم به من اقتطاعات، والتي نتوقع أن قيمتها الحقيقية تتجاوز ما لا يقل عن 20%.
وأضاف أن من شأن معالجة هذا الموضوع خفض العجز في الموازنة الفلسطينية إلى نحو 260 مليون دولار.
وبموجب التقديرات الواردة في التقرير، فإن قيمة الفاقد من ضريبة القيمة المضافة نتيجة لآلية التحاسب المعمول بها حاليا تقدر منذ بداية 2021، بحوالي 200 مليون دولار سنويا، إضافة إلى 165 مليون دولار قيمة ضرائب عن المنطقة المسماة "ج"، و200 مليون دولار رسوم الخروج عبر معبر الكرامة، ليبلغ إجمالي المبالغ المقدرة والفاقدة خلال هذا العام 565 مليون دولار.
الأداء المالي:
ولفت وزير المالية إلى وجود تحسن ملحوظ في الإيرادات خلال العام الجاري، نتيجة لتحسن عمليات تحصيل الضرائب وزيادة الامتثال، إذ ارتفعت إيرادات المقاصة بنسبة 25%، على أساس سنوي، إلى 2.389 مليار دولار حتى نهاية تشرين الأول المنصرم، كما زادت الإيرادات المحلية خلال نفس الفترة بنسبة 31% إلى 1.276 مليار دولار.
إلا أن تلك الزيادة وبحسب وزير المالية، لم تستطع مواكبة التوسع في الإنفاق، والذي نتج بشكل أساسي عن التدابير الطارئة المتعلقة بمواجهة جائحة كورونا، وزيادة قيمة فاتورة الرواتب.
وفيما يتعلق بتدابير كورونا، أوضح بشارة أن كلفتها بلغت 200 مليون دولار منذ بداية العام، بواقع 40 مليونا للمطاعيم و30 مليون دولار بدل لوازم مخبرية وطبية، و118 مليون دولار لتحديث البنية التحتية التشغيلية والصحية، و12 مليون دولار وظائف إضافية في قطاع الصحة.
أما فيما يتعلق بفاتورة رواتب الموظفين، قال بشارة إنها قفزت في العام 2021 لتصبح حوالي 300 مليون دولار أي ما يعادل نسبة 10%، جراء إعادة ما لا يقل عن 6 آلاف موظف وإعادة صرف علاواتهم وبدلاتهم، إضافة إلى تكلفة التعيينات والترقيات والعلاوات الجديدة.
وأشار إلى أن كل ذلك يأتي بالتزامن مع انخفاض حاد في المساعدات الخارجية، والتي لم تتجاوز منذ بداية العام 130 مليون دولار مقابل توقعات بنحو 656 مليون دولار، وانخفاضا من 1.3 مليار دولار في عام 2013.
صافي الإقراض:
كذلك، شهد بند صافي الإقراض (وهي اقتطاعات اسرائيلية من المقاصة بدل الخدمات وخصوصا الكهرباء عن شركات التوزيع وهيئات محلية) توسعا كبيرا، ليرتفع إلى 314 مليون دولار هذا العام حتى نهاية تشرين الأول الماضي، ارتفاعا من 281 مليون دولار بنهاية الفترة المقابلة من العام الماضي، بزيادة لا تقل عن نسبة 12%.
نفقات بلا إيرادات:
ووفق بيانات وزارة المالية، التي عرضها بشارة على المانحين، فإن الاتفاق في قطاع غزة يشكل ما نسبته 35% من إجمالي الموازنة العامة.
ويتوقع أن يرتفع الإنفاق في قطاع غزة إلى 1.734 مليار دولار بنهاية العام، بواقع 1.255 مليار دولار و155 مليون دولار اقتطاعات اسرائيلية بدل الكهرباء والمياه، و129 مليون دولار نفقات صحية، و71 مليون دولار نفقات تشغيلية، و30 مليون دولار مدفوعات رسوم محطة توليد الكهرباء، و94 مليون دولار نفقات تطويرية، ولا يقابل هذه النفقات إيرادات حسب الأصول.
الدين العام:
وقال بشارة إن الحكومة الفلسطينية لجأت إلى الاقتراض من القطاع المصرفي لسد الفجوات التمويلية التي نتجت عن احتجاز عائدات المقاصة من قبل الحكومة الإسرائيلية، والتي امتدت لـ15 شهرا خلال عامي 2019 و2020.
ويبلغ رصيد الدين الحكومي للمصارف العاملة في فلسطين حوالي 2.4 مليار دولار، والتي تشكل 16% من إجمالي الودائع لدى الجهاز المصرفي، و15% فقط من إجمالي الناتج المحلي.
أما الدين الخارجي، فيبلغ حوالي مليار دولار، منها 500 مليون دولار للصندوق الإسلامي و250 مليون دولار لحكومة قطر، والباقي لمؤسسات أخرى.
لكن المشكلة الأخطر على الاقتصاد، بحسب بشارة، تتمثل بالمتأخرات التراكمية للقطاع الخاص، والتي بلغت حوالي 646 مليون دولار حتى نهاية تشرين الأول الماضي، منها 90% (584 مليون دولار) لمقدمي الخدمات الصحية، بواقع 369 مليون دولار للمستشفيات الخاصة، و210 ملايين دولار لموردي الأدوية.
وخلص بشارة إلى أن "السبب الرئيسي لعدم إحراز تقدم اقتصادي مستدام، هو عدم حدوث أي تقدم في عجلة السلام وتنفيذ حل الدولتين"، إضافة للتحديات الاقتصادية والمالية، وعدم القدرة على تحصيل ايرادات من المناطق المسماة "ج" وعدم القدرة على البناء والتشغيل والتطوير فيها، والحرمان من الوصول الى الموارد الطبيعية واستثمارها.
كما أوضح الوزير بشارة ان غياب التواجد الفلسطيني على المعابر والموانئ والمطارات سبب رئيسي ايضا في عدم ضبط عمليات الاستيراد والتصدير.
واكد أن بروتوكول باريس الذي يحكم العلاقة الاقتصادية والمالية بين فلسطين واسرائيل أصبح غير قابل للتطبيق، وبحاجة ماسة للتعديل بما يحقق العدالة للشعب الفلسطيني.
ويتطابق العرض الفلسطيني في اجتماع لجنة تنسيق المساعدات حول وضع المالية العامة مع تقارير دولية قدمت خلال الاجتماع، من بينها تقرير للبنك الدولي، وآخر لمكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة، وكلاهما حمل إسرائيل مسؤولية الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها الحكومة الفلسطينية.
وحذر التقريران الدوليان من أن الحكومة الفلسطينية قد لا تتمكن من الوفاء بالتزاماتها المالية بحلول نهاية العام، ما لم توقف اسرائيل اقتطاعاتها وتفرج، سريعا، عن الأموال المحتجزة لديها.