هآرتس - بقلم: عاموس هرئيل "من كثرة الإشارات المتبادلة، يصعب أحياناً تشخيص الرسالة. ينشغل الجيش الإسرائيلي الآن بسلسلة طويلة وكثيفة من المناورات في ساحات مختلفة، التي يعتبر جزء كبير منها تحذيراً لإيران. الولايات المتحدة، التي ترسل قوات للتدرب في المنطقة، تبث دعماً لإسرائيل ولأصدقائها في الشرق الأوسط. وإيران تستعرض عضلاتها هنا وهناك بالمناورات العسكرية.
كل هذه العمليات تجري في ساحات ثانوية، مقارنة بالساحة الرئيسية الاستراتيجية. ويبدو أن إيران، بعد تردد كبير وتأخير، مستعدة لاستئناف المفاوضات مع الدول العظمى حول الاتفاق النووي، لكن بشروطها فقط وطرح طلبات متشددة، في حين تعطي أمريكا إشارات بأن اهتمامها الوحيد هو التوصل إلى حل دبلوماسي للمعضلة، وأن ليس نيتها استخدام القوة العسكرية، بالتحديد رسالة تثير عدم الرضى إلى درجة قلق شركائها في المنطقة.
في نهاية تشرين الأول، أجرت أجهزة الأمن الإسرائيلية مناورة الجبهة الداخلية السنوية، التي تم في إطارها فحص مواجهة الجبهة الداخلية مع سيناريو إطلاق آلاف الصواريخ من لبنان وقطاع غزة. تم في الأسبوع الماضي إجراء مناورة واسعة لفرقة احتياط في قيادة المنطقة الشمالية. وفي هذا الأسبوع، تتدرب هناك فرقة أخرى تشمل ألوية نظامية.
يكمن التجديد الأساسي في المناورة البحرية التي تجري في البحر الأحمر. الأسطول الأمريكي الخامس يتعاون هناك مع أسلحة البحرية لدول المنطقة مثل إسرائيل والإمارات والبحرين. قررت الولايات المتحدة أن تعلن عن المناورة المشتركة، وهي الأولى منذ اتفاقات التطبيع التي وقعت قبل أكثر من سنة، وفاجأت إسرائيل قليلاً. وثمة وحدة مظليين أمريكية تدربت مع قوة للجيش الإسرائيلي في النقب. وإذا لم يكن هذا كافياً، فقد نشر أمس أن قائد سلاح الجو، الجنرال عميكام نوركن، قام بزيارة رسمية أولى إلى الإمارات.
المناورات الكثيرة لا تعكس قلقاً ملموساً من حرب قريبة، بل تعكس إدراك في القيادة العسكرية بأن هناك حاجة إلى التحسين وزيادة القدرات، على خلفية الصعوبات المالية وقيود كورونا التي أضرت بحجم التدريب، بالأساس لوحدات الاحتياط. في ترتيب الأولويات بهيئة الأركان العامة ومصادقة المستوى السياسي، لا يعتبر قطاع غزة المكان الرئيسي بشكل خاص رغم جولة القتال الأخيرة في أيار الماضي. سياسة إسرائيل الواضحة تريد كسب الوقت في القطاع، وتهدئة حكم حماس بواسطة تقديم تسهيلات اقتصادية وإصدار تصاريح لدخول المزيد من العمال والتجار للعمل في إسرائيل، العدد ارتفع إلى عشرة آلاف، وحماس تطالب بثلاثين ألفاً. بقي هناك عائق واحد يصعب حله، وهو يتعلق بصفقة الأسرى والمفقودين. إسرائيل ستواصل الرد على الإرهاب ضدها، وستعمل في حالات معينة ضد محاولات حماس لتطوير سلاح متطور أكثر. ولكن إضافة إلى ذلك، العيون شاخصة نحو الشمال، نحو لبنان وسوريا، وشرقاً نحو إيران.
التطور الأساسي الذي بدأت إسرائيل تستوعبه يتعلق بتغيير السياسة الأمريكية. الاهتمام الذي تظهره واشنطن بالمنطقة آخذ في التضاؤل. وبوتيرة أسرع منه يقل الاستعداد لاستخدام القوة، حتى كإشارة للحاجة إلى تحقيق هدف أكبر. بالنسبة للإسرائيليين، تعتبر حكومة بايدن الدبلوماسية عقيدة وليس أداة.
“هذه الانعطافة تقتضي منها إعادة فحص كثير من فرضياتنا”، قالت مصادر أمنية. هذه الأمور تجد تعبيرها البارز في ضبط نفس أمريكا إزاء عمليات نسبت لإيران والمليشيات الشيعية التابعة لها في الفترة الأخيرة، وهي مهاجمة الطائرات المسيرة للقاعدة الأمريكية في الطنف في شرق سوريا، ومهاجمة منزل الرئيس العراقي، مصطفى الكاظمي.
في السابق، دفعت استعراضات القوة العسكرية إيران إلى إعادة فحص طريقها. هذا ما حدث مع وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب بين العراق وإيران في 1988، وبعد “حرب المدن” التي استخدمها الرئيس العراقي صدام حسين، الذي قصف المدن الإيرانية بالصواريخ. وهذا ما حدث مرة أخرى بعد 15 سنة عندما جمد النظام الإيراني الانشغال الحثيث بالمشروع النووي العسكري بتأثير الغزو الأمريكي للعراق.
في نهاية الشهر الحالي، قد تستأنف محادثات فيينا بين إيران والدول العظمى حول الاتفاق النووي. لن يشارك في المحادثات وفد أمريكي. وتقدر واشنطن بأن الرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي، سيظهر خطاً متشدداً. وتتفق إسرائيل أيضاً مع هذا التقدير. كلمة “تنازل لا تظهر في هذه المرة في قائمة الطعام الإيرانية”، قال مصدر عسكري. يتم تشخيص مقاربة إيران الصقرية في المنطقة جيداً، ويبدو أنها تقف خلف الاتصالات الأخيرة بين السعودية والإمارات من جهة وطهران من جهة أخرى، واستعداد دول عربية سنية للعودة وإقامة علاقات مع نظام الأسد في سوريا رغم الفظائع التي ارتكبها في فترة الحرب الأهلية.