عشية استئناف المحادثات النووية بين إيران والقوى العظمى في فيينا، ومع زيارة المبعوث الأمريكي لشئون إيران روبرت مالي إلى إسرائيل والدول العربية، تواجه جميع الأطراف المعنية بالملف النووي الإيراني، وعلى رأسها إسرائيل، معضلات صعبة، لاسيما المفاضلة بين العودة للاتفاق النووي 2015 بما يحمل من إيجابيات وسلبيات، أو يسعون لصفقة أفضل، أو الاستعداد لمواجهة الواقع الجديد الناشئ، حين تصبح إيران أمام العتبة النووية.
وتكمن القراءة الإسرائيلية في أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على الانسحاب من الاتفاقية، كما فعل دونالد ترامب، حتى بعد استبدال الرئيس جو بايدن، وهذه مخاطرة حقيقية، وقد لا يبدو جيدا بالنسبة لإسرائيل المجازفة، والاندفاع إلى الأمام، خشية أن يساهم ذلك في وصول إيران بالفعل إلى عتبة الدولة النووية، وخففت من محنتها الاقتصادية بفضل المساعدات الصينية.
الجنرال يوسي كوبرفاسر الرئيس السابق لشعبة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية ذكر في مقاله على موقع القناة 12 أن "إيران تحتاج أسابيع قليلة لإنتاج اليورانيوم المخصب عسكريًا لأول جهاز متفجر، وقد بدأت بإنتاج اليورانيوم المعدني، وهي خطوة تفسيرها أن لديها نوايا بإنتاج أسلحة نووية، كما أن عدم الرد على مهاجمة القواعد الأمريكية في سوريا، ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي يشعر القيادة الإيرانية أنه ليس لديها ما تخشاه من رد أمريكي".
وأضاف أنه "رغم تحليق القاذفة الأمريكية B1 في سماء المنطقة، لكن إسرائيل ليست مستعدة للعمل على الإطلاق ضد إيران، بسبب الثغرات في قدرتها العملياتية، ولأنها لا تملك دعمًا أمريكيًا لمثل هذه الخطوة، ويبدو أن إيران تستعد عمليًا بالفعل لاحتمال أن تقرر التصرف بهذه الطريقة، ويشهد على ذلك تسارع شحنات الأسلحة لسوريا وحزب الله، وزيادة إيران لكميات الطائرات بدون طيار والصواريخ باتجاه سوريا، مما يلزم إسرائيل في الأيام الأخيرة بزيادة معدل الهجمات في سوريا".
رغم أنه يمكن لإسرائيل التأثير على القرار الإيراني والسياسة الأمريكية، لكن أوساطا عسكرية فيها ترى أنه لا ينبغي أن تبالغ في وزنها، فقد تم اختبار قدرتها عدة مرات، ففي 2012، أدى تهديد نتنياهو لإيران من خلال مخطط التفجير بالخط الأحمر لوقف تخصيب 20٪ لليورانيوم المخصب من قبل إيران، مما أقنع الصين بالانضمام للضغط على إيران، ودفع أوباما لتبني سياسة أكثر صرامة تجاهها، لإقناعها بفتح مفاوضات مباشرة انتهت بالاتفاق النووي، مما أدى لمنع هجوم إسرائيلي.
المحاولة الثانية كانت خطاب نتنياهو أمام الكونغرس في 2015 الذي لم يمنع تنفيذ الاتفاق، أما المحاولة الثالثة فهي إحضار الأرشيف النووي، والكشف عنه في 2018، مما ساهم في قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، صحيح أن أفعالا إسرائيلية أخرى أضرت بالمشروع النووي، لكنها لم توقفه فحسب، بل استُخدمت من إيران كذريعة لتبرير انتهاك الاتفاق النووي.
مع العلم أن تهديد إسرائيل بمنع إيران من اكتساب القدرة النووية بأي وسيلة كان يؤخذ على محمل الجد في الولايات المتحدة وإيران، لكن تأثيره عليهما أقل من الماضي، لأن الخيارين المتبقيين على جدول الأعمال يمثلان إشكالية لإسرائيل، فإذا لم يتم إحباط الخطة الإيرانية، فقد تصبح إيران دولة نووية في وقت قصير نسبيًا، بكل ما ينطوي عليه من تهديد كبير لأمن إسرائيل، ومنح هيمنة إقليمية لإيران، وسباق تسلح نووي في المنطقة، على الأقل وفق الرؤية الإسرائيلية.
إن الجهود الإسرائيلية والأمريكية المتزايدة لمنع مقاربة إيرانية لوضع دولة عتبة نووية قد يؤدي في احتمالية متوسطة إلى عالية، إلى تصعيد كبير، ومن أجل تجنب هذا السيناريو فإن إيران والولايات المتحدة لديهما إمكانيات يمكنهما من تكثيف جهودهما لكسب الهيمنة الإقليمية، مع زيادة التهديد على إسرائيل على المدى القصير.
التقدير الإسرائيلي يرى أنه لا يوجد دعم أمريكي لأي نشاط عسكري ضد إيران، وقد استمع المسئولون الإسرائيليون رسالة واضحة من أعضاء الكونغرس مفادها ألا تعتمدوا على الدعم الأمريكي، وبالتأكيد ليس على العمل الأمريكي المباشر، أو المساعدات الأمريكية، ومع ذلك من الممكن أن يتحقق دعم الولايات المتحدة إذا أصرت إيران على موقفها، وقد تسعى الإدارة الحالية للاستفادة من التهديد الإسرائيلي لإعادة إيران للاتفاق النووي.
عربي 21