غني عن البيان أن الحقوق لا تطلب من أحد، ولا يمكن تسولها من السلطة الحاكمة، ولا يمكن الترجي لأجلها، بل تنتزع من شعب حر طواق للحياة المدنية ودولة المؤسسات،يعالج قضاياه بالقانون والتشريعات والمؤسسات الوطنية والحضارية .
يراودني شك كلما سمعت عن جريمة في وطني، أننا مازلنا نراوح مكاننا في معالجة قضايانا الحياتية سلطة ومجتمعا،وللأسف إن ما أراه من ردود أفعال على ضحايا العنف الاسري على مواقع التواصل الاجتماعي يثير الاسى في النفس، فالتباكي على الضحية يجعلنا نتعجب بعد أن نقارن هذه المشاعر العاطفية مع ردود الافعال على مطالبات الناس بتطبيق قوانين حماية النساء والاطفال وقانون حماية الاسرة، فيٌتهم المطالب بها والمؤيد لها بالخروج عن الدين والبعد عن عاداتنا وتقاليدنا وأن هذه القوانين المبتدعة ما هي الا وسيلة من وسائل تدمير روابط الاسرة الفلسطينية، وهي بدعة من بدع الغرب. بل ويبدأ التغني بفضائل الدين واخلاق الرجال التي نسمع عنها فقط ولا نراها مطبقة الا ما رحم ربي.
لم يع هؤلاء المغردون بعد، انه لا يمكن أن تكون العدالة إلا بتطبيق القوانين ، ولا يكن أن تكون الحقوق بدون تطبيق القوانين. فلكل شيء قانون يحكمه ويسيره ، وبدون هذه القوانين تتحول المجتمعات الى غابات يأكل فيها القوي حق الضعيف.
إن مناداتنا بضرورة تعديل القوانين وموائمة اتفاقية سيداو مع القوانين بما يناسب ثقافة المجتمع ما هي الا خطوة من اجل حماية حقوق النساء والاطفال والمستضعفين في المجتمع من أجل تعزيز الأمن، وحماية الاسرة وصحة المجتمع. فلا تزال فئة لا بأس بها تفضل التباكي على الضحايا من أن يتم مناقشة تفعيل تلك القوانين وتعديلها بما انها قوانين أكل عليها الدهر وشرب ولم تعد تناسب العصر الحالي الذي نعيش فيه.
فبالرغم من كل ما وصلت اليه المرأة في المجتمع الفلسطيني من حقوق شكلية الا انها لا تزال تفتقد الكثير من الحقوق الاساسية كالحق في الحماية والحياة بكرامة الذي منحها الله لها، فلا تزال تعيش تحت وطأة الافكار والممارسات الذكورية عليها سواء من نساء أو رجال تبنوا هذا الفكر ضعفا لعدم قدرتهم على التغير وقبوله.
إن هذا الضغف الذي نعيشه في المجتمع الفلسطيني ما هو الا انعكاس على ضعف التفاعل من المؤسسات الحقوقية والنسوية تجاه قضايا النساء والاطفال والمستضعفين في المجتمع، فما أن تعلو الاصوات مطالبة بتطبيق القوانين وحماية الحقوق حتى تعود لتخبو وتنسحب من جديد، فالاجدر بنا أن نطالب الآن تلك المؤسسات التي تتكفل بمهمة حماية حقوق الإنسان ان تقوم بدورها الحقيقي والذي وُجدت من أجله ، وأن لا تكون مجرد رقم في ملف المؤسسات الاهلية وغير الحكومية، وان تقوم بالضغط على المؤسسات الحكومية من أجل تفعيل وموائمة القوانين مع الاتفاقيات الدولية التي تهدف لحماية النساء والاطفال، ويجب أن ننادي بتفعيل دور الدولة في حماية مواطنيها ، فلا يجوز عليها ان تحيل قضايا العنف الممارس ضد تلك الفئات الى مؤسسات أخرى كـ العشائر لأجل حلها، خوفا من ردود أفعال المجتمع على تطبيق القوانين ، فلا نزال للان ننتظر الحكم العادل على الجناة في قضية اسراء غريب ، وغيرها من النساء اللاتي دفعن حياتهن ثمنا لضعف الدولة.