تحت عنوان “الجوارح الجديدة.. لماذا أصبحت المسيّرات سلاح إيران المفضل؟” نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا قالت فيه إن محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بطائرات بدون طيار هي تعبير عن تغير الميزان العسكري في الشرق الأوسط. وأضافت أن استخدام هذا النوع من الطائرات ظل أمرا خاصا بالقوات العسكرية المتطورة مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أن المحاولة في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر لقتل الكاظمي، كانت استعراضا دراميا عن انتشار قدرات “الضربات الدقيقة” لدول أقل تقدما وحتى للجماعات المسلحة.
وتعرض عدد من حرس الكاظمي لإصابات عندما ضربت واحدة من المسيّرات الثلاث منزل رئيس الوزراء في “المنطقة الخضراء” في بغداد.
ونجا رئيس الوزراء من الهجوم وظهر على التلفاز وبدا كأن رسغه مصاب حيث شجب الهجوم الجبان. وكان الهجوم بدائيا، واستخدمت فيها طائرات بمروحيات رباعية زُرعت فيها قنابل صغيرة، وهي مثل الطائرات التي يستخدمها الهواة. وتستطيع أي جماعة عراقية مسلحة تنفيذ هجوم كهذا.
وقال جيمس لويس من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: “لو استطعت إيصال بيتزا من خلال مسيرة، فيمكنك إسقاط قذيفة منها”، لكن الشك وقع على إيران وجماعاتها الوكيلة لسببين. الأول هو أن كتلة الفتح المتحالفة مع إيران تشعر بالغضب من نتائج الانتخابات التي خسرت فيها ثلثي مقاعدها التي فازت فيها بانتخابات عام 2018. ولهذا قام الموالون لها يوم الجمعة بتنظيم احتجاجات غاضبة وحاولوا اقتحام المنطقة الخضراء، فردّت قوات الأمن بالرصاص، مما أدى لمقتل 3 أشخاص. وفي اليوم التالي وأثناء جنازة أحد المتظاهرين الذين قتلوا برصاص قوات الأمن، تعهد قادة ميليشيات بالانتقام من الكاظمي. وقال أحدهم: “دم الشهداء هو محاكمتك” أي الكاظمي. وفي تلك الليلة أطلقت المسيرات على منزل رئيس الوزراء.
أما السبب الثاني، فهو أن إيران تحولت إلى مزود كبير للمسيّرات والتكنولوجيا العسكرية الأخرى إلى جماعاتها الوكيلة وأصدقائها، ليس في العراق فقط، ولكن في اليمن وسوريا ولبنان وغزة. وتتحول المسيرات إلى الوسيلة المفضلة لإيران في الحروب غير المتكافئة، بشكل أثار قلق أعدائها ويهدد بتغيير موازين القوة في الشرق الأوسط.
وتظل المسيّرات الإيرانية ليست بمستوى الطائرات بدون طيار التي يستخدمها الجيش الأمريكي مثل “بريتدور” و”ريبر” المتفوقة تقنيا وعسكريا، وليس بمستوى المسيرات العسكرية الإسرائيلية والتركية التي استخدمت في الحرب الأخيرة بأذربيجان وسمحت لها باستعادة منطقة قرة باغ من أرمينيا. وبدلا من ذلك، فهي نسخ “سيئة وبدائية” مصنعة عادة من المكونات المتوفرة في السوق، حسب أرون ستين، الباحث في معهد السياسة الخارجية بفيلادلفيا.
إلا أن إيران قامت بتحسينات، وحاولت إعادة تركيب وهندسة المسيرات التي حصلت عليها مثل الطائرة الأمريكية أر كيو -170. ونظرا لعدم توفر القوة الجوية الحديثة لإيران، حيث تعتمد على سلاح الجو الذي يعود إلى عهد الشاه الذي أطيح به عام 1979، فقد استثمرت كثيرا في مجال الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.
ومثل المسيّرات في الدول المتقدمة، فإيران تستخدمها للرقابة والضربات، وليس على الأقل ضد السفن. ولكن المسيرات الإيرانية لا تحمل مثل المسيرات الأكثر تقدما، ذخيرة موجهة بدقة. وبدلا من ذلك، فالمسيرة هي التي توجه القنبلة، وتحلق فوق الهدف ثم تقوم بتفجير القنبلة مثل عملية انتحار روبوتية. وتستغني المسيرات الإيرانية عن الأقمار الاصطناعية التي تسمح للقوى الغربية بالتحكم في المسيرات من الجانب الآخر للعالم. وبدلا من ذلك، يتم توجيه المسيرات الإيرانية عبر التحكم بأجهزة لاسلكي في مدى البصر أو تدير نفسها بنفسها عبر أجهزة مثل “جي بي أس” المستخدم في الملاحة.
واستطاعت إيران توسيع مدى توزيع مسيراتها أو التقنية التي تصنعها لحلفائها في الشرق الأوسط، بشكل تستطيع ضرب أهداف ما بين البحر المتوسط ومنطقة الخليج. ويتم توزيع المسيرات في مجموعات حيث يعاد تركيبها محليا وبأقل مساعدة من إيران، مما يسمح لها بـ”تنظيم هجمات وإنكارها في الوقت نفسه” كما يقول مسؤول عسكري إسرائيلي.
لكن هذه البساطة لا تلغي التهديد الذي تمثله المسيرات، ففي الشهر الماضي تعرض موقع التنف العسكري الأمريكي في سويا لهجمات بمسيرات موجهة بنظام “جي بي أس”. ولم يصب أي من الجنود الأمريكيين بأذى. إلا أن واشنطن لامت إيران وفرضت إدارة بايدن عقوبات على المصنّعين لها والجهات المرتبطة بها.
وقال مصدر عسكري أمريكي متحسرا: “لم يعد لدينا التفوق الجوي في المسرح. تعودت أمريكا على فكرة سيطرتها على السماوات”. وأكثر من هذا، كشفت المسيرات عن المخاطر التي تتعرض لها المنشآت الحيوية في المنطقة. ففي 2019 تعرضت منشآت نفطية حيوية سعودية لهجوم بالصواريخ والمسيرات مما أدى إلى تخفيض الإنتاج العالمي للنفط. وأعلن الحوثيون في اليمن، الذين يخوضون حربا مع تحالف تقوده السعودية منذ عام 2015 المسؤولية عن الهجوم، لكن المصادر العسكرية تعتقد أن المسيرات انطلقت من العراق وربما من إيران.
وتعاني إسرائيل من نفس المشكلة منذ 2004، عندما حلقت طائرة مسيرة في الأجواء الإسرائيلية بدون أن يتم اعتراضها. وقام حزب الله لاحقا ببث لقطات عن الحادث. ومنذ ذلك الوقت اعترضت إسرائيل عددا من المسيرات، بما فيها واحدة كانت متجهة نحو مفاعل ديمونا في 2012.
ورغم أن إسرائيل كانت رائدة في مجال صنع المسيرات المستخدمة لمرة واحدة والمسيرات الانتحارية في حقبتي السبعينات والثمانينات، لتدمير الدفاعات الجوية العربية، فهي اليوم من أكثر الدول التي تحاول الدفاع عن نفسها منها. واستخدمت لهذا الغرض مقاتلات أف-16 والقبة الحديدية المضادة للصواريخ، ولكنها تبحث عن ردود أفضل.
وهناك صعوبة في اكتشاف المسيرات لأنها صغيرة وتحلق على مستوى منخفض وببطء وقد لا تطلق أي إشارات، و”قد تضيع في الفوضى” كما لاحظ مسؤول إسرائيلي في الصناعات الجوية الإسرائيلية التي طورت نظام المسيرات.
ومن “الصعب إسقاطها” وقد تتسبب بأضرار كبيرة، خاصة في المناطق السكنية وتشوش نظام “جي بي أس” والحياة المدنية والأنظمة التي تعتمد على الليزر. ولم يتم تطوير دفاعات ضدها بعد، كما يقول المسؤول: “الدفاع ضد المسيرات أمر مكلف لأن الدول لديها منشآت حيوية متعددة لحمايتها”. ويرى أن تطوير نظام “5 جي” لشبكات الهواتف النقالة قد يمنح المهاجمين الإمكانية للسيطرة على المسيرات عن بعد. وأضاف: “هذا سباق تسلح مجنون لأن الإمكانيات التكنولوجية لاستخدام المسيرات آخذة بالتزايد”.