تواجه السلطة الفلسطينية أزمة مالية حادة هي الأصعب لعدم وصول مساعدات خارجية إلى خزينة الحكومة، تزامنا مع ارتفاع خصم إسرائيل من أموال الضرائب التي تجبيها نيابة عن الفلسطينيين، بحسب ما يقول مراقبون .
ويرى المراقبون الفلسطينيون أن حصارا ماليا وسياسيا فرض على القيادة الفلسطينية منذ العام 2017 في عهد الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب، مازال مستمرا حتى اللحظة وأسفر عن تفاقم الوضع المالي الذي قد يتطور إلى ما لا يحمد عقباه.
وأفادت بيانات صادرة عن وزارة المالية الفلسطينية خلال الشهر الجاري، بتراجع الدعم والمنح والمساعدات المالية المقدمة للخزينة العامة بنسبة 89.6 في المائة بواقع 31.5 مليون دولار خلال الشهور الثمانية الأولى من 2021 مقابل الفترة المقابلة العام الماضي.
ويصف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وزير التنمية الاجتماعية د.أحمد مجدلاني، العام الجاري بأنه “أسوأ الأعوام” التي مرت بها السلطة الفلسطينية بسبب عدم تلقيها أي دعم خارجي باستثناء 30 مليون دولار من البنك الدولي.
ويقول مجدلاني ل “شينخوا”: إن عدم وصول المساعدات المالية الدولية والعربية شكل من أشكال الحصار المالي والاقتصادي على القيادة الفلسطينية التي رفضت التعامل مع صفقة القرن الأميركية في عهد ترامب قبل 3 أعوام وهي مستمرة حتى الآن.
ويضيف أن الاتحاد الأوروبي تأخر دعمه أيضا وتم تأجيله للعام القادم والدعم العربي المتوقف بينما حجم الإيرادات المحلية لدينا أقل من فاتورة رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين البالغ عددهم أكثر من 150 ألف شخص في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويتابع أن الأسوأ في هذه الأزمة أن وقف الدعم والحصار المالي يتزامن مع زيادة الاستقطاعات من إسرائيل على أموال المقاصة “الضرائب” الفلسطينية التي تصل شهريا نحو 200 مليون شيكل استقطاعات .
ويبلغ معدل عائدات الضرائب نحو 700 مليون شيكل شهريا تقتطع منها إسرائيل حوالي 200 مليون مقابل خدمات يستوردها الجانب الفلسطيني من إسرائيل، خصوصا الكهرباء.
وتشكل عائدات الضرائب حوالي 60 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة للحكومة الفلسطينية، التي تواجه انخفاضا حادا في إيراداتها نتيجة توقف الأنشطة الاقتصادية بسبب مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19).
وطيلة الأشهر الخمسة الأخيرة صرفت السلطة الفلسطينية رواتب موظفيها بعد الوقت المحدد الذي عادة ما يتم قبل الخامس من كل شهر بعد الاستدانة من البنوك الفلسطينية.
ووفق وزارة المالية الفلسطينية، تبلغ مديونية الحكومة للبنوك حوالي 2.7 مليار دولار، ارتفاعا من 1.4 مليار دولار في العام 2019، مشيرة إلى أنها لن تلجأ لمزيد من الاقتراض من البنوك الفلسطينية لأسباب عديدة فنية وواقعية.
وسبق أن حذر وزير المالية شكري بشارة الشهر الماضي لدى لقائه ممثلي الدول المانحة في رام الله، من أن الوضع المالي مرشح لمزيد من التعقيد خلال الفترة المقبلة ما لم تفرج إسرائيل عن الأموال الفلسطينية التي تحتجزها بشكل “غير قانوني”.
وقال بشارة “ما لم تفرج إسرائيل عن الأموال التي تحتجزها خلال الأسابيع القادمة فإن الوضع المالي سوف يشهد مزيدا من التعقيد”، مؤكدا ضرورة إصلاح العلاقة المالية مع الجانب الإسرائيلي وآلية التقاص التي اعتبرها “أداة لاستمرار الاحتلال”.
وذكر بشارة أن تسوية الملفات توفر إيرادات إضافية للخزينة الفلسطينية بحوالي 500 مليون دولار سنويا كافية لتقليص العجز بما يغني عن المساعدات الدولية لتمويل النفقات الجارية، مطالبا المجتمع الدولي بمساعدة السلطة الفلسطينية لتسوية تلك الملفات.
وأشار بشارة إلى أن إجمالي الاستقطاعات خلال 14 عاما بلغ 10 مليارات دولار، لافتا إلى أن الجانب الفلسطيني يطالب إسرائيل بالإفراج عن الاستقطاعات التي تم حجبها من جانب واحد من عائدات الضرائب منذ العام 2019.
ووفقا لاتفاقات “أوسلو” العام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تجمع إسرائيل الضرائب وتحولها بعد ذلك إلى وزارة المالية وتقدر بأكثر من مليار دولار سنويا.
وتستقطع إسرائيل نسبة 3 % من إجمالي قيمة الضرائب المحولة نظير جمعها لها كما أنها تستقطع منها الديون الفلسطينية مقابل توريد البترول والكهرباء وخدمات أخرى.
وسبق أن قامت إسرائيل خلال العامين الماضيين باقتطاع مبالغ مالية من عائدات الضرائب الفلسطينية بما يعادل ما دفعته السلطة كرواتب لأسر الأسرى، ما أدى إلى نشوب أزمة اقتصادية للسلطة الفلسطينية.
وفي هذا السياق،يقول المحلل الاقتصادي من رام الله طارق الحاج لـ “شينخوا”، إن مصادر أموال الحكومة الفلسطينية تأتي إما عن طريق المنح والهبات والمساعدات سواء من دول عربية أو أوروبية، والمصدر الثاني الإيرادات المحلية والثالث هي أموال الضرائب الفلسطينية من إسرائيل وأي خلل فيها سيحدث خللا ماليا للحكومة.
ويضيف الحاج أن عدم دفع المساعدات يعني أن السلطة الفلسطينية لن تستطيع دفع رواتب منتسبيها بشكل كامل وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها لأن الإيرادات لوحدها لا تكفي لدفع الرواتب، وهذا الجانب له أثر سلبي مباشر.
ويوضح أن الأثر السلبي يتمثل في أن إسرائيل تسيطر على الموارد الفلسطينية الطبيعية التي يمكن أن تحقق تنمية اقتصادية، وهذه الموارد بحاجة إلى تطوير واستخراج وبحاجة إلى دعم وبالتالي حجب الدعم يعني عدم استطاعة الحكومة استخدام هذه الموارد.
ويرى الحاج أن هناك أثرا سياسيا لوقف الدعم الخارجي كوسيلة ضغط للتنازل عن شيء ما من قبل القيادة الفلسطينية، ما يعني خلق فجوة بعدم الثقة ويزيد البعد ما بين الهيكل السياسي الفلسطيني وما بين القاعدة الشعبية.
ودفعت خطورة الأوضاع المالية، رئيس الوزراء د.محمد اشتية، للقيام بجولة أوروبية الأسبوع الماضي، شملت بروكسل ولوكسمبورغ واسكتلندا للقاء مسؤوليها ومسؤولين في الاتحاد الأوروبي لطلب الدعم السياسي والمالي في ظل عدم صرف الدعم الأوروبي لهذا العام.
ويقدم الاتحاد الأوروبي نحو 300 مليون يورو سنويا للشعب الفلسطيني تشمل 90 مليونا لصالح وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” و150 مليونا لصالح رواتب الموظفين والأسر الفقيرة “الشؤون الاجتماعية” والباقي توزع على شكل مشاريع في القدس الشرقية وغزة ومناطق (ج) في الضفة الغربية.
ويقول الخبير الاقتصادي من رام الله نصر عبد الكريم، إن جزءا رئيسا من الأزمة المالية هو بسبب عدم قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى مواردهم الطبيعية واستغلالها لصالح الدولة والمواطنين.
ويوضح عبد الكريم أن إسرائيل عندما تمنع السلطة الفلسطينية والقطاع الخاص الفلسطيني من الوصول إلى مناطق “ج” التي تشكل 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية والاستفادة منها فهي تعمل على خسارة الفلسطينيين مئات ملايين الدولارات سنويا.
ويتابع أنه بحسب تقديرات للبنك الدولي فإن فقدان الفرصة في مناطق “ج”، بما فيها البحر الميت والأغوار تكبد الفلسطينيين خسائر بحوالي 3.5 مليار دولار سنويا، وبالتالي فقدان هذا المبلغ يعني حرمان الحكومة من نحو 700 مليون دولار، وهذا يساوي حجم المساعدات الخارجية التي لم تزد على 600 مليون دولار خلال السنوات الأخيرة.
ويرى عبد الكريم أن مبلغا كهذا من شأنه أن يساعد السلطة الفلسطينية على منع تفاقم الدين العام وتوفير الخدمات الأساسية من رعاية اجتماعية وتعليم وصحة، لذلك فإن هذا عامل سلبي ماليا، وهو أحد أسباب الأزمة الحالية .
ويشير إلى أن الحكومة تضطر إلى سد العجز لديها بالاقتراض من البنوك وتأخير مستحقات القطاع الخاص من موردين مختلفين.
ويدعو عبد الكريم إلى إجراء تغييرات في سياسات السلطة الفلسطينية من خلال تغيير أدوات إدارة الأزمة والاتجاه إلى أصل الاقتصاد الفلسطيني المرتبط بالزراعة والاقتصاد الحرفي الذي لحقه ضرر كبير بسبب سياسة الانفتاح التي تتبعها.