“فورين بوليسي” تكشف تفاصيل المحاولة الأخيرة من مبعوث واشنطن لمنع انقلاب البرهان في السودان

الأربعاء 27 أكتوبر 2021 03:39 م / بتوقيت القدس +2GMT
“فورين بوليسي” تكشف تفاصيل المحاولة الأخيرة من مبعوث واشنطن لمنع انقلاب البرهان في السودان



لندن /سما/

قالت مجلة “فورين بوليسي” إن الجنرال عبد الفتاح البرهان أحبط الجهود الأمريكية الأخيرة لمنع سيطرة الجيش على السلطة وسط مخاوف من معاناة السودان من تداعيات دولية قد تقلب العملية الانتقالية في السودان رأسا على عقب. وعندما غادرت طائرة مبعوث إدارة الرئيس جوزيف بايدن للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، مطار الخرطوم في الساعات الأولى من صباح الإثنين بعد مهمة صاخبة في نهاية الأسبوع ولقاءات مع القادة السودانيين لدعم العملية الانتقالية وإنقاذ المسار المتعثر نحو الديمقراطية في السودان تحرك الجيش لحل الحكومة.

وفي الفترة التي قضاها في السودان التقى فيلتمان مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والجنرال عبد الفتاح البرهان ونائب رئيس مجلس السيادة الجنرال محمد حمدان (حميدتي) دقلو. وفي اللقاء معهما، أخبره الجنرالان عن النية للسيطرة على السلطة وقدما سلسلة من الأخطاء ومظاهر الفشل للقيادة المدنية، وذلك بحسب مصدر دبلوماسي على معرفة بالمحادثات. لكن فيلتمان حذر في اللقاءات القادة من أي محاولة لعرقلة التحول الديمقراطي.

ونقلت “فورين بوليسي” عن فيلتمان قوله “قلت إن دعمنا وتطبيع العلاقات نابعة من دفع زخم العملية الانتقالية. فلو تعثرت أو تم خرق الاتفاقيات الدستورية فإن هذا سيضع الكثير من الأسئلة حول التزاماتنا”. ونقلت المجلة عن المسؤول الأمريكي بعدما رد عليها عبر رسالة إلكترونية “كان هذا كلام دبلوماسي لكن الجنرالات يفهمون هذا بالتأكيد”. وبعد أن بلغ الرسالة وأكمل المهمة اتجه فيلتمان إلى المطار للمغادرة وبدون أن يحصل على أي إشارة من الجيش السوداني حول خطوته المقبلة.

 ورغم الأصوات العالية حول عملية الاستيلاء على السلطة إلا أن فيلتمان كان راضيا عن مهمته وأنه منع حدوث الأسوأ. ولم تستقر طائرة فيلتمان في الجو إلا وأعلن البرهان عن انقلابه، بعد ساعة من رحيل المبعوث الأمريكي، وذلك حسب مسؤولين على معرفة بالأمر. وأعلن عن اعتقال رئيس الوزراء وحل الحكومة ووقف العملية الانتقالية، بطريقة فاجأت المسؤولين الأمريكيين. وقال المتحدث باسم الخارجية نيد برايس للصحافيين يوم الإثنين “لم نحصل على أية إشارات من الجيش من أنه سيقوم بهذه الأعمال المعادية للديمقراطية”.

وجاءت سيطرة الجيش على الحكم لتضع حدا للعملية الانتقالية الهشة وجهود الولايات المتحدة لإنقاذها، فلم تنجح جهود فيلتمان الأخيرة بإقناع البرهان تغيير مساره، بشكل قاد لانتقادات دولية حادة وأكبر احتجاجات في السودان منذ الإطاحة بنظام عمر البشير عام 2019. وفي مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء أكد البرهان أن تحركه “ليس انقلابا” وأنه مجرد عملية لمنع الحرب الأهلية، وأكد أن حمدوك معتقل في بيته لحمايته وأكد أن عملية التحول للديمقراطية لن تتوقف.

وفي واشنطن كان المسؤولون والخبراء يراقبون الوضع الهش للديمقراطية في السودان منذ عدة شهور. وخافوا من تحرك جناح في الجيش ضد المدنيين، وذلك حسب مسؤولين حاليين وسابقين. وكانوا قلقين بالتحديد من حميدتي، نائب رئيس مجلس السيادة المكون من عسكريين ومدنيين، وقائد قوات الدعم السريع، المسؤول سابقا عن جرائم في دارفور. ويرى المسؤولون الأمريكيون أن البرهان وحميدتي أقاما تحالفا ضعيفا وسط تنافس حاد بينهما وأن حميدتي دعم تحرك البرهان ضد قادة الحكومة المدنيين، كما يقول مسؤولون. ويقيم البرهان علاقات وثيقة مع مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي. ويعتقد أن حميدتي لديه علاقات قوية مع المسؤولين في الإمارات والسعودية، وهذه الدول الثلاث لديها مصالح في السودان.

وقال مسؤولان أمريكيان إنهما يتوقعان من الخارجية الأمريكية أن تضغط على الدول العربية لكي تقنع البرهان تغيير مساره. وكان البرهان سيسلم السلطة للمدنيين الشهر المقبل وسط غليان وتوتر بين المدنيين والجناح العسكري في مجلس السيادة بسبب العقبات المتعلقة بإصلاحات الحكومة وعدم الرضا عن التقدم في العملية الانتقالية.

ويرتبط حميدتي والبرهان تحديدا بالمجازر التي ارتكبتها قوات الأمن السوداني أثناء الاحتجاجات التي أزاحت البشير عن السلطة عام 2019. وكان هذا سببا لقلق الجنرالين من تسليم السلطة وخوفهما من تداعيات المحاسبة أو الاعتقال فيما يتعلق بقتل 130 مدنيا أثناء اعتصام في الخرطوم عام 2019، حالة سلما السلطة، وذلك حسب مسؤولين أمريكيين ومصادر في العاصمة السودانية.

ويقول جوزيف تاكر، الخبير في شؤون السودان بمعهد السلام والدبلوماسية الأمريكي السابق “كان هناك شعور خلال الأشهر الخمسة الماضية أن المواجهة قادمة، وكان الجيش يشعر أنه حشر في الزاوية” و”كانت هناك انقسامات متزايدة بين الحركات المسلحة وإشارات أخرى عن اقتراب بعض حركات التمرد من الجيش وزيادة في الفصائلية داخل اللاعبين المدنيين. وكانت هناك تقارير أخرى عن غياب الإجماع داخل الجيش”، وأضاف “ربما كانت كل هذه الديناميات وراء اعتقاد القيادة العسكرية أن هناك فسحة لهذا النوع من التحرك”. وأدى تحرك البرهان يوم الإثنين لسلسة من الشجب الدولي، وأوقفت إدارة بايدن معونة مباشرة بـ 700 مليون دولار.

ولاحظت المجلة أن الولايات المتحدة لم تصف تحرك البرهان بـ “انقلاب”، وهو وصف قانوني قد يؤدي مباشرة إلى قطع المساعدات الأمريكية، لأن السودان لا يزال تحت قيود أمريكية منذ انقلاب البشير عام 1989. وأصدر المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ والنواب بيانا وصفوا فيه التحرك الأخير بأنه “خيانة صاعقة للعمل الشاق الذي بذله السودانيون وتصميمهم على حكومة مدنية تقود السودان” وهدد البيان بتداعيات خطيرة لو لم يعدل الجيش عن مساره. وقال مسؤول أمريكي ومساعد آخر في الكونغرس إن الولايات ستنظر في طرق لفرض عقوبات على السودان حالة لم يغير البرهان مساره. وفي مجلس الأمن عرقلت كل من الصين وروسيا بيانا لشجب الإطاحة بالحكومة المدنية، وذلك بعد دعوة كل من بريطانيا وأيرلندا والولايات المتحدة وفرنسا وإستونيا للقاء تشاوري. وأشارت المجلة للتظاهرات التي اندلعت في الخرطوم ورد فعل قوات الأمن عليها.

 ونقلت عن موظف إغاثة أجنبي قوله “نشك بأن خطة البرهان ستنجح هنا” و”من المتوقع أن نشاهد ردا مهما من المتظاهرين يوم السبت حيث يتم التخطيط لاحتجاج ضخم”. وشجبت سفارات سودانية في الخارج تحرك البرهان ووقفت مع المتظاهرين. وأبعد سفراء السودان في كل من فرنسا وسويسرا وبلجيكا أنفسهم عن الانقلاب وقالوا إن “السفارات هي للشعب السوداني وثورته”.