هكذا تقرأ الجبهة الديمقراطية الخطوات التوافقية لإنهاء الإنقسام بقلم معتصم حمادة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
لم يختلف بيان المكتب السياسي لحركة حماس في دعوته لإعادة تشكيل القيادة الفلسطينية، عما طرحته في اللقاء في القاهرة، في حوارها مع وفد فتح بعد حوالي أسبوعين على وقف إطلاق النار في قطاع غزة في معركة القدس. وهو الأمر الذي فهمته حركة فتح محاولة من حماس لإستغلال نتائج الهبة الشعبية في أنحاء فلسطين وفي الشتات، ونتائج معركة القدس في قطاع غزة، لتعيد صياغة العلاقات في السلطة الفلسطينية وفي مجمل النظام السياسي الفلسطيني ترجمة منها، وفق رؤيتها هي لشعار «ما بعد معركة القدس ليس ما قبلها». وبدلاً من أن يطال هذا الشعار الدائرة الأوسع من الحالة الوطنية الفلسطينية، بما يعيد لملمة الأوضاع الفلسطينية وجسر هوة الإنقسام، تحول إلى شعار يعزز الإنقسام، بحيث قالت الجبهة الديمقراطية في أحد قراءاتها لحرب القدس، أنها – للأسف – شكلت انتصاراً ساهم في التفريق بدلاً من أن يساهم في التقارب، خاصة وأن فتح، من موقع تمسكها بالسلطة، رأت في اقتراحات حماس محاولة لتوسيع مساحة مشاركتها في السلطة بحيث يتعزز موقعها في الضفة الفلسطينية دون أي تنازل ذي مغزى، لصالح فتح في قطاع غزة.
قبل معركة القدس توافقت حماس وفتح على الانتخابات العامة، وانشغلت الحالة الفلسطينية في دورتي حوار في القاهرة للاتفاق على آليات الانتخابات وضوابطها وضرورتها. وصدر المرسوم الرئاسي بإجرائها في مواعيد محددة، إلا أن تطورات طارئة دفعت قيادة السلطة إلى إلغاء الانتخابات [بدعوى تأجيلها]، والسبب في ذلك، كما أوضحت، هو رفض دولة الاحتلال السماح للانتخابات في القدس «ترشيحاً ودعاية واقتراعاً». مع أن معظم المراقبين قدروا أن خلف قرار التأجيل /الإلغاء، إدراكاً مسبقاً لدى فتح أنها لن تكون الفائز الأول في الانتخابات، وأن مشهد المجلس التشريعي القادم قد يرسم صورة حافلة بكوابيس صورة المجلس التشريعي الثاني، الذي حلت فيه فتح ثانياً بعد حماس.
إذاً الانتخابات لإعادة بناء المؤسسات، معلقة على القرار الإسرائيلي بالسماح بإجرائها في القدس، في وقت تتبدى أكثر فأكثر مواقف حكومة بينت – لابيد، شاكيد – ليبرمان المتطرفة، والتي لا تختلف في تطرفها عن مواقف وقرارات حكومة نتنياهو. أي أن لا انتخابات فلسطينية في المدى المنظور، وأن فتح ترفض اقتراحات حماس كما وردت في اللقاء الثنائي في القاهرة، وفي بيان المكتب السياسي للحركة، وبالتالي يبقى السؤال: هل يظل الجمود السياسي هو سيد الموقف؟ وهل صار الانقسام [الذي بات يأخذ طابع الانفصال] قدراً لا فكاك منه إلا عندما يتحقق وعد الآخرة؟
الحركة الشعبية الفلسطينية لم تقف عند حدود هذا الجمود، ولم تقف منه موقفاً انتظارياً، ولم ترَ في البيانات والخطابات [من الأمم المتحدة إلى اجتماع حركة حماس] ما يدعو لإعادة النظر بسياستها الصدامية مع قوات الاحتلال.
فالحركة الأسيرة، على سبيل المثال، وهي الفرقة المتقدمة في الجيش الشعبي الفلسطيني، وكما أكدت الوقائع، وإن كانت لم تفقد الثقة في تعهدات ووعود قياداتها بقرب إطلاق سراحها بأعمال عسكرية أو تبادل أسرى، فإنها، في الوقت نفسه، لم تغادرها فكرة «الاعتماد على الذات» للفوز بالحرية. ولعل واقعة «نفق الحرية» البطولية، والتي هي ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة من نوعها، تؤكد أن هدف الحرية مرسوم بشكل دائم على طاولة الحركة الأسيرة، وأن مفاجآتها في هذا السياق لن تنتهي، أ انتهى الانقسام أم لم ينتهِ، أَ توحدت الفصائل أم لم تتوحد. فالنضال خلف جدران الأسر لم ولن يتوقف.
وخارج السجن وزنازين الأسر، تتصاعد الاشتباكات اليومية مع دولة الاحتلال وعصاباتها، في الأقصى، وسلوان، والشيخ جراح، وفي العيسوية وبدّو، وباقي محافظات الضفة، من جنين إلى نابلس وأيقونتها بيتا، إلى الخليل، إلى رام الله، دون أن نتجاهل سلفيت وطوباس وباقي المحافظات الصامدة في الضفة، أو في القطاع. حتى أن هذه التحركات، تجديداً في الضفة، فرضت على بعض القوى أن تلجأ لسياسة «السياحة السياسية»، بما في ذلك حكومة السلطة الفلسطينية التي بدأت تنتقل باجتماعاتها الدورية من مدينة إلى أخرى، تحت شعار دعم صمود الشعب الفلسطيني، دون أن يواكب هذه «السياحة السياسية» أية إجراءات ميدانية من شأنها أن تعزز هذا الصمود سوى سلسلة من البيانات، والتوسلات إلى المجتمع الدولي «ليتحمل مسؤوليته» في الوقت الذي يتهم فيه صف كبير من القوى والرأي العام الفلسطيني، السلطة أنها هي المتقاعسة عن تحمل مسؤولياتها، وأن عليها أن تكون نموذجاً يحتذى، لا أن تكون مجرد داعية لا تعرف من الدعوة سوى النواح والتذلل.
هذه الحراكات الشعبية الباسلة هي أشبه بالنيران التي لا يدوم لهيبها إلا إذا غذيتها بالحطب مع التقدير العميق لإرادة النضال لدى الناشطين في ميادين الاشتباك، لكن توفير عناصر إضافية لتوسيع الاشتباك، لإستعادة مشاهد وصور هبة ومعركة القدس، والتي انطلقت مع أحداث وصدامات باب العامود، يبقى واجباً على القوى السياسية وفي مقدمة هذا الواجب توحيد الحالة الوطنية، وتجميع الحراكات الشعبية في قيادة مركزية موحدة، توفر لها إمكانيات التواصل والتتابع والانتشار والتطور نحو الصدام الأكبر، الذي من شأنه أن يشكل المنعطف التاريخي في المسار الوطني. ولعل الخطوة الأولى الواجب أن نخطوها في هذا الاتجاه هو استعادة الوحدة الداخلية، وإنهاء الإنقسام وتوحيد المؤسسات، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، وفق استراتيجية كفاحية جديدة وبديلة لاتفاقات أوسلو، ورهانات الرباعية الدولية، وخرافات «بناء الثقة» مع الاحتلال، أو «تقليص الصراع» معه. فالمطلوب كشف زيف ادعاءات الاحتلال، وعدم الثقة بأي من وعوده، والمطلوب توسيع الصراع معه وتطويره وليس تقليصه. والمطلوب إبقاء إصبع المقاومة على الزناد، وليس الالتفات إلى الدعوات المكشوفة أهدافها، كالدعوة إلى «الأمن مقابل الغذاء» أو «التهدئة الطويلة مقابل تخفيف قبضة الحصار».
كافة القوى دون استثناء تدين الانقسام وتدعو إلى إنهائه، واستعادة الوحدة الوطنية [الأصح القوى الوحدة الداخلية فالوحدة الوطنية تتجلى بأبهى صورها في الميدان]. والواضح أنه كلما التقى طرفا الانقسام وفشلا في الوصول إلى حل، تأطر حول كل منهما عدد من القوى المؤيدة إما لفتح، [على طول الخط] وإما لحماس [على طول الخط] ولا يبقى في الساحة سوى الفصائل التي تقدم نفسها يساراً كالجبهة الديمقراطية والشعبية وحزب الشعب والمبادرة الوطنية، وفي سياق آخر، حركة الجهاد الإسلامي، التي تحرص، لأسباب مفهومة جيداً ولا تحتاج إلى تبرير على الإطلاق، على اتخاذ موقف فيه بعض المراعاة لحركة حماس. أما منظمتا الجبهة الشعبية القيادة العامة، والصاعقة، فلهما هما أيضاً موقف واضح من الانقسام يجري التعبير عنه بوضوح، يدعو إلى إنهائه، يتقاطع في كثير من عناصره مع الجبهتين الديمقراطية والشعبية.
الجبهة الشعبية في اللقاء الأخير مع عباس كامل، وزير الاستخبارات المصرية، رأت أن انتخاب مجلس وطني جديد، هو الحل لإنهاء الانقسام. وهو موقف تؤكد عليه الجبهة الشعبية في بياناتها، دون أن توضح كيف يمكن أن نخرج الدعوة للانتخابات من الأسلاك الشائكة التي تحاصرها.
أما الجبهة الديمقراطية فإنها دعت في تقرير للجنتها المركزية إلى حل، عبر خطوات تمهيدية، تقود في نهاية المطاف إلى انتخابات مجلس وطني جديد، ويقوم اقتراح «الديمقراطية» على الجمع بين «التوافق» و«صندوق الاقتراع»، مدركة في الوقت نفسه، أن كل ما تمّ التوصل إليه في الحوارات الوطنية بين فصائل العمل الوطني وفي المقدمة فتح وحماس هو شكل من أشكال التوافق. وبالتالي لا يشكل التوافق طعناً لفكرة الانتخابات وضرورتها، ولا يشكل تجاوزاً لها، بل هو مطروح كضرورة وطنية، لتوفير الشروط الكفيلة بتنظيم انتخابات ديمقراطية حرة وشفافة، يشارك فيها الجميع. باعتبار أن الانتخابات هي الحل الديمقراطي. لكن تجارب الحركة الفلسطينية تقول إن الدعوة لأية انتخابات فلسطينية لا يمكن أن تتوفر شروطها إلا بسلسلة من العوامل الداخلية وكذلك الإقليمية العربية وغيرها. ودعونا نتذكر أن –مثلاً- الفصل بين منصب رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الحكومة تمّ بقرار أميركي –أوروبي، فرض على الرئيس الراحل ياسر عرفات. ولنتذكر أيضاً، أن الدعوة لإنتخاب المجلس التشريعي الثاني، وإنتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة تمّ بضغوط وتوافقات إقليمية. ولنتذكر كذلك أن إفشال خمس دعوات لإنتخاب مجلس تشريعي بديل للمجلس المنحل، كان سببه تدخلات إقليمية، في مقدمها دولة الاحتلال.
هذا لا يعني أن يبقى قرار تنظيم الانتخابات في الحالة الفلسطينية بيد الأطراف الإقليمية والدولية، بل يعني وضع حلول تمكن الحالة الفلسطينية من تجاوز العقبات والتدخلات الإقليمية والدولية، وإعلاء «القرار الفلسطيني المستقل» إلى المرتبة التي يستحق، وصون المسار النضالي الفلسطيني، ومسار إعادة بناء النظام السياسي وتطويره، بما يمكن من الإرتقاء والإستجابة للضرورات النضالية، ولاستحقاقات المراحل القادمة من الإشتباك مع الاحتلال في الميدان، وفي المحافل الدولية.
اقتراح الجبهة الديمقراطية للسير نحو إنهاء الإنقسام، يستند إلى قرارات التوافق الوطني، والتي كانت ومازالت موقع اجماع وطني. ويتمثل بالعناصر التالية:
1) استعادة قرار الأمناء العامين في 3/9/2020 بشقيه:
• إنجاز إستراتيجية وطنية جديدة وبديلة لإتفاق أوسلو ومساره السياسي. وقد وعد أثناءها الرئيس محمود عباس أنه يوافق مسبقاً على هذه الإستراتيجية، [وفي جعبة التوافقات الوطنية الكثير من نقاط اللقاء، بدءاً من دورة المجلس المركزي في 5/3/2015، ودورة المجلس الوطني/دورة 2018، والقرار القيادي في 19/5/2020 التحلل من الإتفاقات والتنسيق الأمني مع إسرائيل ودولة الاحتلال، وأخيراً وليس آخراً قرارات 3/9/2020].
• تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية بكل الوسائل والأساليب النضالية [علينا أن نتذكر أن فتح وحماس تسرعتا بقرار منفرد بإصدار البيان الأول لهذه القيادة، ما يعني أن الباب يفترض أن يكون مفتوحاً للوصول إلى هذه الخطوة].
2) بناء على التفويض المعطى من قبل المجلس الوطني في دورته الأخيرة، بمنح صلاحياته للمجلس المركزي، العمل على، استكمال الخطوات المذكورة أعلاه [الأساس السياسي للتوافق الوطني] نحو خطوات جديدة لإعادة بناء المؤسسة، وذلك من خلال التوافق على تشكيل مجلس مركزي جديد، يملك صلاحيات المجلس الوطني، يتمثل فيه الجميع دون استثناء، دون الصراع على الحصص، لأن قراراته بالضرورة ستقوم على التوافق، بإعتباره هو نفسه موضوع توافق.
3) ينتخب المجلس المركزي الجديد، لجنة تنفيذية جديدة، بصيغة التوافق، تشكل لها دوائرها المختصة، مع إعادة دراسة مسألة تموضع بعض أعضاء اللجنة التنفيذية وبعض دوائرها، بما يستجيب للظرف السياسي الوطني العام ولمهام هذه الدوائر، منها مثلاً: الدائرة السياسية، كما يكون لبعض الدوائر وجود فاعل خارج المناطق المحتلة، كدائرة اللاجئين، ودائرة الثقافة ودائرة المغتربين.. وإلغاء تلك الدوائر التي أثقلت اللجنة التنفيذية بعناوينها الكبرى، والفارغة في الوقت نفسه من أي مضمون.
4) ينتخب المجلس المركزي الجديد، رئيساً للصندوق القومي، من بين أعضائه المستقلين [بالتوافق] ويتشكل مجلس إدارة جديد للصندوق، يكون مسؤولاً عن الأوضاع المالية لمنظمة التحرير الفلسطينية وفق مبدأ العدالة النضالية وبعيداً عن سياسة التفرد والإستئثار والتمييز، وبما يحرر الصندوق القومي من السياسات التي حولته إلى أداة في تصفية الحسابات السياسية مع أطراف المعارضة.
5) تكلف اللجنة التنفيذية الجديدة [والقائمة على مبدأ التوافق] بالإشراف على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، تكون وظيفتها الأبرز هي إعادة توحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية بين الضفة والقطاع، وتنحصر مهامها في إدارة الشأن الاقتصادي والإجتماعي لسكان الضفة والقطاع، أما الدور السياسي فيكون للجنة التنفيذية. هنا يتطلب الأمر إعادة صياغة هيكل حكومة السلطة، كإلغاء وزارة الخارجية، منعاً للإزدواجية بينها وبين الدائرة السياسية. وكذلك رسم الحدود بين مهام رئيس السلطة وبين مهام رئيس اللجنة التنفيذية، رئيس دولة فلسطين، بما في ذلك دراسة مدى ضرورة أن يكون للسلطة رئيسها، وأن يكون رأسها هو رئيس الحكومة ويكون تحت إشراف ومرجعية اللجنة التنفيذية.
6) تكلف اللجنة التنفيذية بإدارة الحوار الوطني للتوافق على شروط وآليات وإعادة إنتخاب المؤسسات الوطنية، بما في ذلك المجلس الوطني الجديد الذي بدوره يستعيد صلاحياته التي فوض بها المجلس المركزي، ويعيد بناء الهياكل الوطنية الواجب تشكيلها للإنطلاق في مسار وطني جديد، في ظل وحدة داخلية ووطنية مبنية على الأسس الديمقراطية، تستعيد قيم ومفاهيم حركات التحرر الوطني، وتعيد تقديم القضية الفلسطينية بإعتبارها قضية شعب تحت إحتلال عدواني، استعماري إستيطاني، إحلالي، يقوم على التمييز العنصري والتطهير العرقي والإبادة الجماعية