كشف تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أن عملية الموساد الأخيرة للحصول على معلومات حول مساعد الطيار المفقود، رون أراد، والتي كشف عنها رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، الأسبوع الماضي، عززت الشكوك لدى المسؤولين في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بالفرضية التي كانت قد وضعها قادة هذه الأجهزة قبل نحو 30 عاما حول ظروف اختفاء مساعد الطيار الإسرائيلي.
وبيّن التقرير الذي أعده محلل الشؤون الاستخباراتية في الصحيفة، رونين بيرغمان، أن المسؤولين في أجهزة الأمن الإسرائيلية تبنوا منذ العام 1992 النظرية التي وضعها قادة جهاز الموساد آنذاك حول مصير أراد، والتي تتلخص بأن مساعد الطيار الإسرائيلي اختطف من قبل إيران أو جهات موالية لها من مكان آخر عُلم أنه تواجد فيه على قيد الحياة في أيار/ مايو 1998.
وسرد التقرير عدة محاولات قامت بها إسرائيل للحصول على معلومات عن مصير أراد.
وتشير النظرية التي بدأ بنسجها لأول مرة رئيس الموساد السابق، شابتاي شافيت، إلى أن أراد نقل في مرحلة ما إلى طهران بعد اختطافه من قبل جهات إيرانية، ومن ثم أعيد إلى لبنان مجددا، ومات هناك في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
ووفقا للتقرير، فإنه بعد 6 سنوات على إسقاط طائرة أراد في لبنان عام 1986، "عمل الموساد على تجنيد شخص من ‘حزب الله‘ على اتصال بطهران ‘توافرت حوله معلومات بأنه كان على اتصال بأراد‘". ووفقا للرواية الإسرائيلية، نجح رئيس قسم الأسرى والمفقودين في الموساد في حينه، يسرائيل برلوف، بتجنيد هذا الشخص وأخذ منه إفادة، أكد فيها العميل أنه التقى أراد حيًا مرتين، الأولى في لبنان والثانية في إيران.
ومنذ ذلك الحين، ترسخت لدى الأوساط الاستخباراتية والدبلوماسية في إسرائيل أن إيران هي الجهة المسؤولة عن مصير أراد ومكان تواجده، وذلك بناء على إفادة العميل المذكور التي أثبتت آلة كشف الكذب (التابعة لجهاز الشاباك) صدقيتها، ووفقا للتقرير، فقد تم توجيه جميع الجهود التي بذلتها أجهزة الأمن الإسرائيلية، للعثور على مساعد الطيار الإسرائيلي، في هذا الاتجاه.
وكانت المرة الأولى التي أثيرت فيها الشكوك حول هذه النظرية التي ظلت مركزية إلى ما قبل عمليات الموساد الأخيرة التي أعلن عنها بينيت، عندما خلص المسؤول السابق في الموساد، والذي خلف برلوف في قسم أسرى الحرب والمفقودين، رامي إيغرا، إلى أن "المعلومات التي قدمها العميل الإيراني غير موثوقة وأنها جاءت من مصدر مشكوك فيه. وأن نتائج اختبار جهاز كشف الكذب الذي تم إجراؤه للعميل قد تم تشويشها تحت ضغط من برلوف".
وبحسب أيغرا، فإن نتائج اختبار البوليغراف الحقيقية أظهرت أنه "لا يمكن تحديد صدقية تصريحات العميل حول لقائه بالفعل برون أراد في لبنان، أما بالنسبة للقاء في إيران، فقد أظهر العميل ‘بوادر ميل للكذب‘".
جهود "حزب الله" للعثور على أراد
وبرز في التقرير ما ورد حول جهود بذلها "حزب الله" اللبناني في مراحل مختلفة لتحصيل معلومات حول مساعد الطيار الإسرائيلي أو العثور على رفاته منذ أواسط العام 1999، وذلك في محاولة لعقد صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل تشمل مصطفى الديراني والشيخ عبد الكريم عبيد، ولاحقا سمير قنطار، مقابل معلومات عن أراد أو متعلقات به أو حتى رفات جثمانه، وذلك في أكثر من مناسبة.
وذكر التقرير أنه في أواسط العام 1999، "كان الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، قد أخبر الوسيط الألماني، جيرهارد كونراد، أنه مارس ضغطًا شديدًا على قادة العشائر الكبيرة في منطقة سهل البقاع في لبنان، بالقرب من المكان الذي شوهد فيه رون أراد آخر مرة، وقالوا إن أراد ربما يكون قد قتل أو مات ودُفن بالقرب من قرية النبي شيت، حيث تم أسره، في مساحة تقدر بحوالي أربعة كيلومترات مربعة".
وبحسب التقرير فإن المسؤولين في إسرائيل والوسيط الألماني، قدروا أن "حزب الله" قام بعدة محاولات لحل اللغز حول مصير أراد، من ضمنها القيام عدة مرات بحفريات في مناطق مختلفة من لبنان، ونقل العظام والعينات التي يتم العثور عليها خلال عمليات البحث إلى إسرائيل، على نحو متكرر، عبر الوسيط الألماني. كذلك نقل حزب الله للوسيط الألماني مسدس أراد الذي عثر عليه، وذلك مقابل إطلاق سراح 40 فلسطينيا 21 لبنانيا، بحسب التقرير.
وذكر التقرير أن حزب الله بذل جهودا مختلفة مع ممثلين عن الحرس الثوري الإيراني والأجهزة الاستخباراتية اللبنانية للتحقيق في قضية مصير مساعد الطيار الإسرائيلي، وزوّد إسرائيل بتقرير عن نتائج هذه الجهود.
ولفت التقرير إلى أنه في العام 2005 نفذ الموساد عملية جديدة في محاولة للكشف عن مكان أراد، وفي أعقاب العملية شكلت شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي ("أمان") لجنة خبراء لفحص جميع المواد المتعلقة بقضية "حرارة الجسد" - الاسم الذي تطلقه أجهزة الأمن الإسرائيلية على العمليات المتعلقة بتحديد مصير رون أراد.
وخلصت مداولات اللجنة إلى أن "عناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اختطفوا أراد من مكان اعتقاله في بيت عائلة شُكُر في النبي شيت، إذ خشي مصطفى الديراني من اقتحام قوات كوماندوز تابعة للجيش الإسرائيلي إلى القرية؛ وفي هذه المرحلة، وافق قائد الحرس الثوري في لبنان، علي رضا عسكري، على عرض الديراني، واختطف رون أراد من المنطقة مستغلا المعركة مع الجيش الإسرائيلي في قرية ميدون مطلع أيار/ مايو 1988".
وفقا لهذه الرواية التي تطابقت مع نظرية الموساد في التسعينيات والتي استبعدتها العملية الأخيرة، احتفظت قوات الحرس الثوري الإيراني في مساعد الطيار الإسرائيلي في لبنان إلى أن نُقل إلى إيران في مطلع العام 1990، واحتُجز هناك في ظروف شديدة العزلة والسرية. بعد اختطاف الديراني عام 1994، خشى الإيرانيون أن يدلي الأخير بمعلومات تدينهم، وأعادوا أراد إلى لبنان، حيث احتجز دون علم أحد حتى وفاته بمرض في منتصف التسعينيات.
وخلص تقرير "يديعوت" في أعقاب العملية الأخيرة إلى أن "كل المنظومة الاستخبارية التي بنيت منذ بداية التسعينيات، وبحسبها رون أراد في إيران، وجميع العمليات والاغتيالات والحروب التي نتجت عن هذه المنظومة، استندت إلى ساقي دجاجة. عملية الموساد الأخيرة أثمرت المزيد من المؤشرات (حتى الآن غير نهائية) بأن نهاية مسار ’حرارة الجسد’، نهاية حياة رون أراد، هي أقرب، وربما أقرب بكثير، لتلك الليلة الفظيعة في أيار/ مايو 1988في قرية النبي شيت في البقاع".