القى الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطابا امام الجمعية العامة للأمم المتحدة ،وان كانت ليست المرة الأولى ،ولكن حمل هذا الخطاب لغة جديدة ، وتحول في الحديث تجاه القضية الفلسطينية ، والعلاقة مع الاحتلال بعد توقف المفاوضات لسنوات ، والتعنت الإسرائيلي وعدم التزامه بما تم التوقيع عليه في اتفاقيات سابقة وبرعاية دولية.
خطاب الرئيس تضمن أيضا انذار من قبل الرئيس للاحتلال وتهديدا انه اذا ما التزم الاحتلال خلال عام فان السلطة الفلسطينية ستتوجه الى محكمة العدل العليا لتختصم الاحتلال، حيث أشار الرئيس الى أنه لا يوجود شريك إسرائيلي يفاوضه ، وربما هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس الفلسطيني بهذه اللغة ،الأمر الذي اعتبره بعض الكتاب والمحللين نقطة تحول في قناعة أبو مازن ،وهو المعروف في الحياة السياسية الفلسطينية انه امضى اكثر من نصف عمره مؤمنا بالتفاوض مع الاحتلال ، وانه لا بديل أمام الفلسطينيين الا اللجوء للمفاوضات رغم معارضة مسار التفاوض من قبل الفصائل ،وحتى داخل حركة فتح ،وقد دفع الرئيس الفلسطيني ثمنا من شعبيته بين الفلسطينيين ،وذهب البعض الى اتهامه بالتخاذل والتنازل أمام الاحتلال .
أبو مازن الذي وقع بنفسه على اتفاقيات أوسلو في البيت الأبيض ، وقدم صورة مختلفة عن الاحتلال وهادنه في الوقت الذي يدفع شعبه أثمانا من أرواحهم وحياتهم ومستقبل أجيال كاملة بسبب استمرار جرائم الاحتلال ، وعاند الحقيقة التي تؤكد عنصرية الاحتلال وارهابه ، بل انه تجاهل اشمئزاز شعبه من استمرار التنسيق الأمني وكرر في أكثر من مناسبة أن التنسيق الأمني مقدس ،سجل على نفسه في خطابه الأخير اعترافا واضحا بفشل سياسته وقناعاته بالتمسك بالمسار التفاوضي كطريق وحيد لحل القضية ، وبدأ بالتلويح والتهديد في اللجوء الى محكمة العدل العليا لطرح ملف القضية أمام اعلى محكمة دولية للنظر في استمرار الاحتلال على الأراضي الفلسطينية .
الخطاب الذي سمعناه جيد ، ولاقى قبولا في أوساط قليلة بين السياسيين والمحللين ،في الوقت الذي لم نشعر أنه ترك أثرا بين عامة الشعب الذين يشكلون الأساس في المعركة مع الاحتلال ، فلم نشاهد مسيرة واحدة داعمة لما جاء في الخطاب ، ولم نرى أي حراك جماهيري يقول للرئيس : أنت القائد الملهم ونحن خلفك نسير .
التهديد والوعيد لغة مستخدمة في عرف السياسة الفلسطينية ،وهي سهلة التكرار ،ولكن عندما يعطي الرئيس الفلسطيني مهلة محددة للاحتلال ويهدد من منبر الجمعية العامة ،عليه أن يكون بمقدار هذا التهديد ،وأنه لن يستطيع تنفيذ وعيده بدون شعبه المنقسم ، ودون ان يوحد نظامه السياسي ،ويعيد الهيبة لمؤسسات الشعب الفلسطيني وبناء البيت الجامع الممثل "منظمة التحرير " ، ودون وقف اجراءاته بحق موظفين السلطة وإعادة رواتب من قطع ارزاقهم وتعويضهم ،ودون توحيد حركة فتح ، وانهاء الانقسام الذي يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني على مدار اللحظة دون ذنب اقترفوه الا بسبب أنهم يخضعون لقيادات غير مؤتمنة على مصيرهم.
لم يسجل التاريخ أن شعبا انتصر في معركة تحرر وهو منقسم ومشتت كما نحن الان ، ولم نسمع أو نقرأ ان قائدا استخدم لغة تهديد ضد الاحتلال دون أن يكون ظهره محميا من جماهير شعبه ، فاذا كان الرئيس جادا فيما تضمنه خطابه ،عليه أن يبدأ سريعا في توحيد شعبه ، واشراكه في المعركة ، والتكفير عن كل الخطايا التي تسببت في اضعاف الموقف الفلسطيني ، وتعزيز ثقة الشعب الفلسطيني في قيادته ، فبدون هذه الخطوات فان التهديد سيبقى طحنا بلا عجين ،وستمضي السنة لنسمع في نهايتها :كلاكيت انذار سنة ثانية.