يديعوت بقلم: رئيس الجيش الاسرائيلي الاسبق موشيه بوغي يعلون
رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك في مقاله الذي نشر هذا الأسبوع في “يديعوت أحرونوت” تحت عنوان “لننظر إلى الواقع الإيراني في بياض العيون”، حلل وضع المشروع النووي الإيراني بشكل سليم، ولكني لا أتفق مع استنتاجه.
أعرف المشروع النووي الإيراني وأتابعه منذ توليت منصب رئيس شعبة الاستخبارات “أمان” منذ التسعينيات وحتى اليوم. لا شك بأن المشروع في مرحلة متقدمة للغاية، ولا سيما بسبب سياسة خاطئة للرئيس السابق ترامب ورئيس الوزراء السابق نتنياهو. فقرار الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقع في 2015 كان خطأ جسيماً. وهذه ليست حكمة في نظرة إلى الوراء، فقبل القرار بالانسحاب في 2018 حذرت من ذلك. وإذا كان ترامب فعل ذلك بتوصية (هناك من يقول بـ “دفعة”) من نتنياهو، فإن لإسرائيل دوراً في هذا الخطأ الجسيم.
إن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في ظل خرقه سمح للنظام الإيراني بالتحرر من قيود الاتفاق، وتسريع عملية تخصيب اليورانيوم وجمع أكثر من 3 آلاف كيلوغرام من اليورانيوم المخصب في مستويات مختلة (20 في المئة و 60 في المئة) وبذلك يقترب من مسافة نحو شهر (حسب “نيويورك تايمز” التي تقتبس معهداً أمريكياً مهماً) من جمع المادة المخصبة التي تسمح بإنتاج قنبلة. كما أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق حل مجموعة الدول التي وقعت عليه (الخمسة الدائمين زائد واحد) وكذا الائتلاف الذي نجحت إدارة أوباما في بلورته للوصول إلى الاتفاق.
لا شك أن الاتفاق النووي كان أسوأ أكثر سواء مما أردنا أم مما قدرنا بأن يمكن الوصول إليه مع الإيرانيين في ضوء أزمتهم. من هذه الناحية كان خطأ تاريخياً، ولكن واضح أن اتفاقاً سيئاً أفضل من تحرير إيران من قيود الاتفاق. لعله كان ممكناً فهم الخطوة لو أعدّ ترامب ونتنياهو خطة بديلة لحالة خرق الإيرانيين للاتفاق، مثلما خرقوه. بالفعل، المشروع النووي الإيراني في وضعه الأكثر تقدماً، ولكنني لا أقبل الادعاء بأن “المشروع اجتاز نقطة اللاعودة” (مثلما يدعي باراك في مقاله)، بشكل يفهم منه أنه لم يعد ما يمكن عمله وينبغي التسليم بإيران نووية. لو تجاهل النظام الإيراني الضغوط التي مورست عليه حتى اليوم، لكان معقولاً أن تكون لطهران قدرة نووية عسكرية، ولكن هذا لم يحصل.
للوصول إلى قدرة نووية عسكرية يتعين على النظام اتخاذ قرار لإنتاج قنبلة. في نقطتين في التاريخ قرر خامنئي وقف التقدم في المشروع: في 2003 جمد المشروع خوفاً من أن تكون إيران هي الهدف الثالث للهجوم الأمريكي في أعقاب عمليات 11 أيلول؛ في 2012 وقف خامنئي أمام معضلة “القنبلة أم بقاء النظام”، كنتيجة لضغط سياسي واقتصادي وتهديد عسكري.
وعليه، ففي الوضع الحالي ينبغي محاولة إيصال نظام خامنئي مرة أخرى إلى معضلة “القنبلة أم البقاء”. كيف نعمل ذلك؟
يجب أن نكون منسقين مع النظام الأمريكي مثلما تفعل الحكومة اليوم، بخلاف حكومة نتنياهو. في المحادثات مع الإدارة الأمريكية ينبغي التوقف عن الحديث عن العودة إلى الاتفاق القديم، هذا خطأ وهو غير ذي صلة! ويبدو أن الأمريكيين باتوا يفهمون هذا الآن. يجب إقناع الإدارة الأمريكية بإعادة بناء الائتلاف الذي حطمه ترامب وحشد الجهود لبلورة سياسة تتضمن ثلاثة عناصر:
1. عزل سياسي للنظام الإيراني.
2. عقوبات اقتصادية قاسية – أولية، وثانية، وثالثة.
3. إعداد خيار عسكري مصداق.
إن النقاش السطحي بين الهجوم العسكري والتسليم بإيران نووية يخطئ الموضوع. فدولة إسرائيل لا يمكنها أن تسلم بإيران نووية، ولكن الشرق الأوسط أيضاً، وأوروبا وباقي العالم، لن يسلموا بهذا دون التخلي عن مصالحهم الأساسية. لأسفنا، فإن إدارات وحكومات أربع – خمس سنين تميل لتأجيل “القرار” للحكم التالي، بدلاً من أن تتصدى للتحدي. حكومة إسرائيل ملزمة بأن تجري هذا النقاش مع الإدارة الأمريكية، في أقرب وقت ممكن.