قال مصدر فلسطيني متابع لشؤون الأسرى لـ”القدس العربي” إن إسرائيل فعلا أبلغت مصر بأنها معنية بإنهاء ملف تبادل الأسرى مع حركة حماس كجزء من ملف أوسع تتطلع من خلاله لتحقيق فترة هدوء طويلة الأمد مع قطاع غزة، كي تحول دون انفجار عسكري جديد، وحتى تتفرغ لتحديات خطيرة أهمها إيران وحزب الله.
وأوضح المصدر أن اسرائيل تحاول اليوم احتواء الموقف من خلال الوصول إلى تفاهم طويل الأمد من غزة، على أن يكون تبادل الأسرى أول بنوده. ويضيف: “هناك مصلحة للطرفين بإنجاز التبادل، والوفد المصري ينشط في هذا الملف بقوة من جديد في الأسابيع الأخيرة”. ويرى المصدر أن الجديد في هذا المضمار، هو أن إسرائيل طلبت من مصر تجديد التفاوض حول تبادل الأسرى، وهذا مصدر الأمل بأن ثمة انفراجا قريبا ربما في هذا الملف الحساس.
وتابع: “هذه المرة ستتم الصفقة دفعة واحدة وتشمل أسرى محررين اعتقلهم الاحتلال في السنوات الأخيرة، علاوة على النساء والأطفال والمرضى”. منوها أن الحديث يدور عن مئات الأسرى ذوي المحكوميات العالية، علاوة على عشرات الأسرى القدامى من طرفي الخط الأخضر ممن اعتُقلوا قبل اتفاق اوسلو عام 1993. وقال المصدر إن إسرائيل قلقة جدا من ضعف الموقف الأمريكي مقابل إيران كما يتجلى في انسحابها العجول من أفغانستان وغيره، ولذا هناك تسيربات وتلميحات بأن تل أبيب تتجه لمعالجة التهديد النووي الإيراني بنفسها، مما يدفعها لتأمين هدوء على الجبهة الفلسطينية.
يشار إلى أن رئيس حكومة الاحتلال، نفتالي بينيت كان قد التقى بعض عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة، آخرهم عائلة “مانغيستو” قبل أسبوعين.
طغيان الملف الإيراني
يتصدر الانشغال بالملف النووي الإيراني جدول الأعمال في إسرائيل في المدة الأخيرة، في ظل مُستجدات كثيرة، يظل في مقدمتها تبدّل الحكم في كل من الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، وما أتاحه تبدّل الإدارة الأمريكية من إمكان العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي أبرم عام 2015 وعارضته إسرائيل.
وكانت إسرائيل قد مارست ضغطاً كبيراً على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من أجل الانسحاب من الاتفاق، من جهة، ولركل مسار المفاوضات والعودة إلى نظام فرض العقوبات على نظام طهران، من جهة أخرى.
غير أن الانشغال بالملف الإيراني من ناحية إسرائيل هذه المرة يأتي أيضاً على خلفية تقارير متطابقة تشير إلى أن إيران حققت تقدماً كبيراً في مشروعها النووي إلى ناحية الاقتراب من أن تصبح دولة نووية، وعندها فإن المسافة بينها وبين امتلاك قنبلة نووية تُمسي قصيرة جداً.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” قبل أيام، نقلاً عن تقرير لخبراء موثوقين، أن إيران أصبحت قادرة خلال فترة شهر واحد تقريباً على امتلاك ما يكفي من المواد لتزويد سلاح نووي واحد بالوقود. ووفقاً للتقرير نفسه، بإمكان إيران إنتاج وقود السلاح الثاني في أقل من ثلاثة أشهر، ووقود السلاح الثالث في أقل من خمسة أشهر. ولكن بالرغم من ذلك فإن تصنيع رأس حربي حقيقي، أي رأس يمكن أن يصلح للتركيب على صاروخ إيراني، سيستغرق وقتاً أطول بكثير.
ويوضح الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي، الكاتب أنطوان شلحت، أن مثل هذه التقديرات صدرت أيضاً في الماضي عن كل من وزيري الأمن والخارجية الإسرائيليين، بيني غانتس ويائير لابيد، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وكذلك عن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي.
ويلاحظ شلحت أنه حتى بين الذين يتحفظون من مسلك الحُكم الإسرائيلي السابق حيال الولايات المتحدة، والقصد المسلك الذي اتسم بقدر من التحدّي والخروج علناً ضد سياستها الخارجية، وبين الذين يؤيدون هذا المسلك ويحثّون عليه، ثمة قاسم مشترك بأن إسرائيل لا يمكنها في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني أن تقبل بما تقبل به الولايات المتحدة.
ويتابع شلحت: “على سبيل المثال، هناك بين الخبراء الإسرائيليين الأمنيين من يعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تتعايش مع إيران كدولة عتبة نووية، بينما إسرائيل لا يمكنها ذلك لأسباب شتى، أهمها أن ذلك يعني اقتراب إيران من امتلاك سلاح نووي، كما أن من شأن أمر كهذا أن يسرّع سباق التسلّح النووي في منطقة الشرق الأوسط، ما قد يؤثر في خلخلة صورة إسرائيل القويّة، كدولة تنفرد بامتلاك مثل هذا السلاح”.
تهديد كبير
ويؤكد شلحت أن الطيف السياسي الإسرائيلي يخلو تقريبا ممن يعترض على التقييم بأن إيران تتعاظم من يوم إلى آخر كتهديد مركزي للأمن القومي الإسرائيلي، وأنه إلى جانب مشروعها النووي فهي تصعّد، من خلال من يُنعتون بأنهم “فروعها” في لبنان وسوريا والعراق واليمن وكذلك قطاع غزة، التهديد الباليستي، وخصوصاً للبنية التحتية المدنية والاستراتيجية لإسرائيل. لافتا لكونه تهديدا متنوعا ويتضمن عشرات آلاف الصواريخ، وثمة سعي لإنتاج صواريخ ذات قدرة إصابة دقيقة، وطائرات مُسيرة من دون طيار مسلحة وغيرها. ويقول شلحت إن الصورة العامة المرتسمة حتى الآن في هذا الصدد تشي بما يلي:
أولاً، ما زالت ماثلة في الأذهان أصداء تصريحات قائد جيش الاحتلال كوخافي خلال مشاركته في المؤتمر السنوي لـ”معهد أبحاث الأمن القومي” الذي عقد في جامعة تل أبيب في أواخر كانون الثاني الفائت، وذكر فيها أنه أصدر تعليمات للجيش الإسرائيلي بإعداد بعض الخطط العملانية لمواجهة ما وصفه بأنه امتلاك إيران كمية من اليورانيوم المخصب تخرق ما هو مسموح به، وتطويرها أجهزة طرد مركزي تتيح لها إمكان تطوير قنبلة نووية في غضون عدة أشهر بل وحتى عدة أسابيع. منوها أن كوخافي شدد على أنه يجري العمل من أجل إعدادها بسرعة. واعتبر كوخافي أن أي رفع للضغوط الأمريكية المفروضة على إيران سيسمح لها بتطوير قنبلة، وأن أي عودة إلى الاتفاق النووي ستكون بمثابة خطأ فادح.
ثانياً، تتقاطع مع هذه التردّدات تقديرات إسرائيلية، لا سيّما من جانب جهات معدودة على أنصار الحُكم السابق، تقول إنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن عجز إدارة الرئيس الحالي جو بايدن إزاء سيطرة حركة “طالبان” على أفغانستان يضع علامة سؤال كبيرة على أدائها في مقابل إيران الآن. وهذه الجهات نفسها تشير إلى أنه طبقاً للتقارير التي تُنشر في وسائل الإعلام، تستعد إسرائيل لتنفيذ عملية عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، لكن ليس من الواضح بعد ما إذا كانت ستعتمد هذا المسار فعلياً، ولا سيما إزاء حقيقة وجود حكومة إسرائيلية جديدة تطمح إلى تعزيز التنسيق مع إدارة بايدن. ويشير شلحت أيضاً إلى أن وضع علامة استفهام حول أداء واشنطن في مقابل إيران لا يقتصر على أنصار الحُكم السابق، ففضلاً عن هؤلاء، هناك الكثير من المصادر الإسرائيلية التي تؤكد أنه من تحليل أقوال الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته ومستشاره لشؤون الأمن القومي، يمكن فهم أن الطريق لكي تشمر الولايات المتحدة عن ساعدها بصورة نشطة ضد إيران ما زالت طويلة، لكون سلّم أولوياتها الاستراتيجي مختلف، ويقف في رأسه حالياً مواجهة فيروس كورونا والوضع الاقتصادي والصين.
وبالنسبة لشلحت يبقى السؤال المطروح: “هل ستقوم إسرائيل بعملية عسكرية ضد إيران في ظل وجود حكومة تسعى للتنسيق مع الإدارة الأمريكية، ومن الصعب أن تدير لها ظهر المجن؟”.
وينوه أن ثمة من يلمّح إلى أنه في حال شنّ مثل هذه العملية هناك احتمال كبير بأن تكون حازت على ضوء أخضر أمريكي، في ضوء عودة العلاقات بين الدولتين إلى مجراها الطبيعي. ويخلص شلحت للتذكير بأن كوخافي طلب تحضير خطط عملانية لمواجهة إيران في مطلع العام الحالي، ولكن في واقع الأمر، ومثلما تؤكد أوراق “معهد أبحاث الأمن القومي”، فإنه اعتباراً من عام 2009، جرى تعزيز قدرات إسرائيل وجهوزيتها لشنّ هجوم عسكري ضد إيران، كما جرى إطلاق جهد دبلوماسي كثيف في المحافل الدولية. ويتابع:” منذ ذلك الحين، تقوم الاستراتيجيا الإسرائيلية على ثلاث ركائز هي، وفقاً للمعهد نفسه:
أولاً، الإجراءات السرية، وذلك استمراراً للاستراتيجيا السابقة التي اعتمدت على الاستخدام المتطوّر للقدرات الاستخباراتية، بدرجة أقل بكثير مما على الركيزتَيْن الدبلوماسية والعسكرية.
ثانياً، جهد دبلوماسي مستقل عاقد العزم، جعل إسرائيل في موقع متطرّف مقارنة بموقف القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ثالثاً، خيار عسكري مستقل ملموس، الغاية منه ردع تقدّم المشروع النووي الإيراني وتشكيل رافعة للدفع قدماً بالجهود الدبلوماسية، أو اتخاذ قرار بضربة تنفّذ بسرعة من دون تورّط الولايات المتحدة، وذلك في حال عدم وجود بديل آخر.