بقلم: ميخائيل مليشتاين باحث في معهد السياسة والديموقراطية
يقترب يحيي السنوار من رؤيته تدريجياً إلى تحقيق الهدف الذي وضعه لنفسه عشية حملة حارس الأسوار، وهو: تغيير قواعد المُعادلة مع “إسرائيل”، وفي هذا الإطار نجح حتى الآن في الحُصول على أكبر قدر من الإنجازات بأقل قدر من الأضرار.
وقد بدأ ذلك بالمُبادرة بمعركة عسكرية مُخطط لها، والتي مكّنت حماس من تحقيق إصابات محسوبة نسبياً، وقد حصد إنجازات استراتيجية، وتحديداً في مجال تقوية مكانة حماس العامة كتنظيم قيادي على المُستوى الوطني مع تحريض وتسخين المُجتمع العربي بداخل “إسرائيل”.
وكذلك نجحت حماس في إعادة كافة الموارد المدينة التي كانت بيديها قبل اندلاع المعركة، لإعادة تأسيس التسوية القديمة، والآن تواصل الاحتكاكات العنيفة ضد “إسرائيل” لكي تُدلل على أن المعركة الأخيرة لم تُحقق الردع العميق ضدها، وكل هذا بدون أن تقدم أي تنازلات خصوصاً في مجال الأسرى والمفقودين.
بكلمات أخرى السنوار يسعي ليُثبت أنه قادر على أن يُبادر بعمل هُجومي للرد على أي تطورات في الضفة الغربية والقدس حتى بدون أي ارتفاع مُسبق للتوتر في قطاع غزة وبدون أن يتعرض لأضرار استراتيجية خطيرة.
وأكثر من ذلك فحملة حارس الأسوار والاحتكاكات العنيفة التي وقعت بعدها تُجسد التناقض بين رؤية “إسرائيل” التي تعتبر أن التسوية وصفة للتهدئة طويلة المدى، وأن هُناك نضوج كامل لدى حماس لتبنيها وبين رؤية حماس التي تعتبر التسوية مُجرد تهدئة مؤقتة، من أجل تقوية حُكمها وبناء قوتها العسكرية، وليس عملية مُلزمة لها بشكل مُطلق وليس تحولاً في صراعها مع “إسرائيل”.
بمعنى أن الواقع الحاصل منذ شهر مايو الماضي وحتى يومنا هذا يعكس انهيار نظرية التسوية، التي تقوم على مبدأ تحسين ظروف الحياة المعيشية في قطاع غزة، وخلق ثمن تخسره حماس من أجل التقليل من دافعيتها للقيام بخطوات عنيفة ضد “إسرائيل”.
أما مُبادرة حُسن النية التي قُدمت في الأسابيع الأخيرة للقطاع رغم أحداث العُنف، والتي تكللت بمقتل جُندي من حرس الحدود وإطلاق صواريخ تجاه إسرائيل، فهي انعكاس لحالة الجُهوزية لدى “إسرائيل” في الاستمرار بالجُهود التي أثبتت أنها فاشلة.
إن هذه الفجوة تعكس صعوبات “إسرائيل” في الوصول إلى عُمق منطق حماس ونواياها، والتي أثبتت أنها مُستعدة لتعريض جُهود التسوية للخطر مُقابل تحقيق أهدافها الأيديولوجية، وأول هذه الأهداف هو المُقاومة المُسلحة.
في الأسابيع الأخيرة تُعبر حماس عن جُهوزية عالية للقيام بمُقاومة عنيدة عبر أي وسيلة مثل البالونات الحارقة والإرباك الليلي قُرب الحدود وهذه الوسائل تُعتبر بالنسبة لحماس المعركة ما بين الحروب، من أجل إعادة الموارد المدينة التي كانت بيديها قبل حملة حارس الأسوار، مثل الدعم المالي القطري.
هذا الواقع يُعزز مكانة حُكم حماس، ويُعزز تأثير قطر في قطاع غزة ولا يمنح السُلطة أي موطئ قدم في قطاع غزة.
حماس كجهة حاكمة تتعرض لمجموعة كبيرة من الضغوطات المُعقدة لكنها لا تثبت أنها مُعتدلة، وإنما لاعب مُتشدد يتحرك بين الوسائل المُختلفة التي تمكنه من تحقيق أهدافه الأيدولوجية بشكل أكثر نجاعة.
الأحداث الأخيرة تُعزز احتمالات التطور نحو تصعيد في قطاع غزة أكثر من احتمالات التوصل إلى تسوية، وهذا على خلفية الدمج بين الأحداث الحاصلة بالضفة الغربية بسبب هُروب الأسرى من سجن جلبوع، والتي ترافقت مع إطلاق صواريخ من القطاع للتعبير عن رغبة حماس في مُتابعة التطورات بالضفة الغربية.
وكذلك على خلفية رفض السُلطة لتحويل الأموال إلى قطاع غزة، لدفع رواتب لموظفي حماس من أموال المنحة القطرية، وبهذا الوضع فمن المُحتمل أن تسمح حماس بالاحتكاكات المُتواصلة مع “إسرائيل” من أجل تأمين دخول المُساعدات المالية القطرية، إلى جانب التعبير عن التضامن مع الأسرى الأمنيين.
وعلى “إسرائيل” أن تستخلص استنتاجين من الأحداث الأخيرة:
الأول: أن شكل الردع الخاص بها ضعف بعيون السنوار، الذي يعتقد أن أزمة الكورونا في “إسرائيل” وجُهودها لمُحاربة إيران، يُصعبون عليها فتح معركة ضد قطاع غزة، وانه يُمكن الحُصول على تنازلات من “إسرائيل”، تصرف السنوار مع “إسرائيل” يُدار بمستوى كبير وفقاً لطريقة “اجتهد فأخطأ” خلال قراءة دقيقة لما يحدث في “إسرائيل”، وليس وفقاً للادعاء الخاطئ بأنه تحول مؤخراً إلى غير عقلاني.
الثاني: على إسرائيل أن تستوعب أن مجال المُناورة الخاص بها تقلص، وأنها اليوم تقف أمام بدائل اثنين فقط وهما:
إما تبنى مواقف السنوار، بمعنى العودة إلى شُروط التسوية القديمة، والتنازل عما تم تعريفه على انه خطوط حمراء، وفي هذه الحالة قد يوافق السنوار على تهدئة طويلة المدى، وفي غضون ذلك سيحاول طوال الوقت في أن يُجرب قواعد اللعبة الجديدة، بمعنى أنه سيرد على أي حدث سياسي بالقدس أو الضفة أو بالمُجتمع العربي في “إسرائيل”.
إذا أرادت إسرائيل منع حدوث ذلك عليها أن تدرس بديل آخر أو خيار ثاني، وهو المُبادرة بمعركة عسكرية قوية، على غرار الحُروب الثلاثة السابقة على قطاع غزة، وإذا سمحت هذه العملية العسكرية ضرب المساس بقيادة حماس، فهذا سيسمح “لإسرائيل” بفرض واقع استراتيجي أكثر أريحية لها بعد الحرب، مثل وقف مطلق للاحتكاكات أو التقليل منها، تماماً مثل الواقع الذي تشكل في السنوات ما بعد حملة الجُرف الصامد، أو ربما حدوث ليونة حماس تجاه قضية الأسرى والمفقودين، ليونة قد تحدث في حال عبّرت “إسرائيل” عن إصرارها في عدم السماح بالتقدم في أي اجراءات مدينة هامة لقطاع غزة بدون التقدم في هذا الموضوع.