بدا أن اللقاء بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، في شرم الشيخ أمس، الإثنين، "دافئا" حسبما وصفه محللون في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الثلاثاء. لكن هذا "الدفء" يخبيء خلفه مواقف الدولتين، وبعضها منسجم بينما هناك خلاف حول مواقف أخرى. ورغم ذلك، توجد للقاهرة مصلحة خاصة بتحسين كبير في العلاقات مع تل أبيب من أجل الوصول إلى واشنطن.
وفقا لمحللة الشؤون العربية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سمدار بيري، فإنه "لن نعلم بمجمل تفاصيل محادثة بينيت والسيسي في شرم الشيخ، أمس"، مشيرة إلى أن رواية إسرائيلية تحدثت حول مطلب بينيت بأن تعيد حركة حماس جثتي الجنديين الإسرائيليين والمواطنين الإسرائيليين، وأن إسرائيل تستعد لنقل مساعدات إلى قطاع غزة، حتى بعد الغارات في الايام الأخيرة.
وأضافت بيري "ماذا قالا عن إيران؟ وعن نقل الغاز الإسرائيلي من إسرائيل إلى لبنان، عن طريق مصر؟ ماذا يعتقدان حيال الوضع في سورية؟ حول مصادر مياه النيل التي تصب في سد أسوان وتقاسم مياه الشرب لمصر؟ حول مشاكل الإرهاب؟ وحول باقي المواضيع المعقدة التي تشغل كل واحد من الزعيمين، أو كلاهما؟ لن نعلم".
وتابعت بيري أن مواقف مصر وإسرائيل حيال "الخطر الإيراني والوضع غير البسيط مقابل تركيا، ليست متباعدة". فقد كرر السيسي أمام بينيت الحديث عن توسيع تأثير تركيا في ليبيا. "والعلاقات مع تركيا سيئة في مصر وكذلك في إسرائيل". وأفادت بأن السيسي طلب من بينيت، أمس، استغلال علاقات إسرائيل الجيدة مع اثيوبيا "وإقناع أديس أبابا بعدم المس بضخ مياه النيل الابيض والأزرق إلى مصر".
وأضافت بيري أن الرواية المصرية حول اللقاء، هي أن الموضوع المركزي الذي يجب العمل فيه هو إجراء اتصالات بين إسرائيل والفلسطينيين، وأن مصر تأخذ على عاتقها دور الوسيط والوصي على سكان قطاع غزة. والمعروف أنه في هذه القضية هو أن بينيت يرفض إجراء محادثات سياسية مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بينما طرح وزير الخارجية الإسرائيلية، يائير لبيد، "حلا" لغزة على شكل مساعدات اقتصادية مقابل تهدئة.
ولفتت بيري إلى أن اللقاء كان مليئا بالرموز. فقد مارس بينيت ضغوطا على مصر من عقد اللقاء في العاصمة المصرية، القاهرة، التي يعقد فيها السيسي لقاءاته مع زعماء الدول، والتقى فيها مؤخرا مع ملك الأردن وعباس، وليس في منتجع شرم الشيخ غير الرسمي. "فقد أشارت المعلومات التي جمعها السيسي عن بينيت أظهرت أن الأخير يصر على رفضه لقاء أبو مازن. ولو بثّ بينيت شيئا آخر، لاستضاف السيسي فور لقاء في القاهرة مع ملك الأردن، أبو مازن، بينيت وهو نفسه".
وتابعت بيري أن السيسي ألمح لبينيت أنه يعتزم عقد "لقاء سلام دولي"، وقال إن "مصر ستجمع كافة الأطراف وتقود عملية، لكن ليس واضحا متى سيحدث ذلك". ورأت بيري أن هذه الأقوال كانت رسالة السيسي إلى الإدارة الأميركية.
وأضافت بيري أن لقاء السيسي وبينيت على انفراد، بحضور مترجمين اثنين فقط، "لم يشعر السيسي بأنه آمن مع الشريك الإسرائيلي الجديد" من الناحية السياسية. والدليل هو أنه لو كان هذا لقاء عادي وليس اختبارا، لسمح بحضور وسائل إعلام. لكن مستشاري السيسي قرروا عدم المراهنة. وأن يتفق السيسي مع بينيت حول التصريحات للصحافيين في نهاية اللقاء، والباقي يبقى سريا".
وكان العلم الإسرائيلي حاضرا إلى جانب العلم المصري خلال اللقاء، خلافا للقاء العلني الأخير بين رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، والرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، في كانون الثاني/يناير عام 2011، عندما تم وضع العلم المصري فقط. واحتجت إسرائيل حينها، لكن بعد أيام معدودة جرى خلع مبارك.
وأضافت بيري إلى أن العلاقات المدنية بين مصر وإسرائيل في الحضيض بعد أربعين عاما من اتفاقية السلام. "وبالإمكان وينبغي توسيع توسيع حجم التجارة، لكن علينا الا ننسى كيف حاول رجال أعمال إسرائيليون في مجال الهايتك عشرات المرات للوصول غلى ’المدينة الذكية’ في القاهرة، واقتراح مجالات تعاون، ورُفضوا. ويرجح أن يتغير شيئا ما قريبا. والسيسي سيدخل التطبيع رويدا رويدا. ويتوقع قريبا إعادة التعاون الاقتصادي وأربع رحلات جوية أسبوعية من القاهرة إلى تل أبيب لشركة الطيران المصرية".
تصعيد في غزة سيشكل امتحانا للعلاقات المصرية - الإسرائيلية
وفقا للمحلل السياسي في موقع "والل" الإلكتروني، باراك رافيد، فإن لقاء السيسي وبينيت دام ثلاث ساعات، "تحدثا خلالها حول التوتر في غزة، العلاقات مع السلطة الفلسطينية، حول إيران وحول التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر. لكن أكثر من أي شيء آخر، تمحور اللقاء حول العلاقات بينهما. وكما في لقائه الأول مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، خصص بينيت قسما كبيرا من الوقت لتعارف شخصي مع السيسي".
وأشار رافيد إلى أن السيسي "صان علاقات شخصية جيدة مع نتنياهو"، لكن الأخير لم ينجح في جعل السيسي يدعوه إلى لقاء معلن في القاهرة، "بسبب رفض نتنياهو طلبا مصريا بأن ترافق زيارة كهذه مبادرات نية حسنة إسرائيلية في المجال الفلسطيني".
وأشار رافيد إلى أن "الوضع معاكس في حالة بينيت. فالمصريون هم الذين بادروا إلى دعوته إلى زيارة علنية ولم يطلبوا مقابلا في الموضوع الفلسطيني. وبذلك المصريون جهدا غير مسبوق من أجل الإعلان عن زيارة بينيت وبث دفء. ونفذوا سلسلة طويلة من مبادرات النية الحسنة التي لم تظهر في العلاقات بين إسرائيل ومصر في الـ15 عاما الأخيرة. وبدا السلام البارد بين إسرائيل ومصر أدفأ أكثر من أي وقت في الماضي على مدار ساعات معدودة".
ورغم أن إسرائيل طلبت الحفاظ على سرية اللقاء إلى حين عودة بينيت إلى إسرائيل، أعلنت الرئاسة المصرية عن اللقاء فور إقلاع طائرة بينيت من تل أبيب متوجهة إلى شرم الشيخ. وكان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ورئيس المخابرات، عباس كامل، باستقبال بينيت في المطار وافقاه إلى الجناح الرئاسي. إلى جانب ذلك، رفع العلم الإسرائيل بجانب المصري خلال اللقاء. كذلك نشر المصريون صورا ومقاطع فيديو من اللقاء إلى وسائل الإعلام المحلية. "وهذا ليس أمرا مفهوما تلقائيا في مصر التي توجد فيها حركة مدنية قوية ضد التطبيع مع إسرائيل".
ورأى رافيد أن "الدفء المصري وعلنية الزيارة ليسا مرتبطين ببينيت والسيسي. فالرئيس المصري بحاجة إلى إسرائيل أكثر من أي وقت في الماضي. ولذلك، فإن علاقات جيدة مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة بالنسبة له هي أمر بالغ الأهمية من الناحيتين السياسية والأمنية. ويحتاج المصريون إلى مساعدة إسرائيلية مقابل الإدارة الديمقراطية في واشنطن في عدد من القضايا، والأكثر حارقة بينها هي المواجهة مع اثيوبيا حول السد الذي تبنيه الأخيرة على نهر النيل. وهذا تهديد وجودي بالنسبة للمصريين".
وأردف رافيد "لكن هناك أسبابا أخرى للانفتاح المصري. ويتعلق أحدها بالتقويم السنوي. والتطبيع بين إسرائيل وبين دول الخليج والمغرب منح السيسي دعما سياسيا مقابل الرأي العام في بلاده من أجل تسخين العلاقات مع إسرائيل. كذلك رأى الرئيس المصري الصفحة الجديدة التي تم فتحها بين الأردن وإسرائيل فور دخول بينيت إلى منصبه والمكاسب والإنجازات السياسية والاقتصادية التي حصل عليها الأردنيون نتيجة لذلك".
إلا أن رافيد أشار إلى أن "اللقاء في شرم كان مجرد فرص لانطباع أولي. والامتحان الأهم للعلاقات سيأتي سريعا. وربما في الاسابيع القريبة على خلفية التصعيد في قطاع غزة".
"اللقاء يخدم مصالح السيسي"
أفاد المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن السيسي ونتنياهو التقيا "مرات كثيرة"، وقسم من هذه اللقاءات عقدت في الاراضي المصرية في السر، بناء على طلب السيسي. "وقد توثقت العلاقات في العقد الأخير، رغم أن القليل من ذلك خرج إلى العلن. وقدّر السيسي ونتنياهو بعضهما كحليفين ووسعا التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدولتين".
وأضاف هرئيل أن "مصر قدرت مساعدة إسرائيل لها، في العام 2013، عندما اقنعت إدارة أوباما بعدم فرض عقوبات واسعة على القاهرة، على الرغم من أن السيسي وجنرالاته نفذوا انقلابا ضد حكومة محمد مرسي المنتخبة".
ورأى هرئيل أن "اللقاء بتوقيته الحالي يخدم مصالح السيسي. فمصر تريد ترسيخ مكانتها كوسيط في تحقيق تهدئة طويلة المدى بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، وربما أيضا كمن تطلق مبادرة سياسية في القناة الإسرائيلية – الفلسطينية. وفي الخلفية، هناك العلاقات المشحونة بين مصر والولايات المتحدة، إثر عدم ارتياح إدارة بايدن حيال انتهاك النظام في القاهرة لحقوق الإنسان. وحكومة بينيت – لبيد موجودة في الجانب الإيجابي من المعادلة بنظر الأميركيين. وإظهار علاقات جيدة مع إسرائيل من شأنه مساعدة الرئيس المصري في واشنطن".
واعتبر هرئيل أن "رد الفعل الإسرائيلي على إطلاق قذائف صاروخية من قطاع غزة كان مدروسا ومنضبطا نسبيا، كما أن الحكومة (الإسرائيلية) تراجعت تدريجيا عن سياستها المعلنة التي بموجبها سيكون هناك رد فعل عسكري على اي بالون حارق يطلق من القطاع. وضبط النفس مرتبط بالاتصالات مع مصر. ويتعين على إسرائيل ان تثبت في البداية للسيسي أنها تمنح فرصة لجهوده في الوساطة. وحتى لو تم استنفادها ولم تسفر عن وقف إطلاق نا أكثر استقرارا، فإن تصعيد آخر محتمل".
ويتزايد التوتر في القطاع على خلفية الإجراء الذي فرضته إسرائيل على المنحة المالية القطرية، بحيث لا تدفع رواتب موظفي حماس، بمبلغ 10 ملايين دولار شهريا. وأشار هرئيل إلى أنه "طالما لا يتم الاتفاق حول ذلك، يتوقع استمرار تقطير القذائف الصاروخية. كما أن حماس تطلب تسريع خطوات إعادة الإعمار في القطاع، من خلال الالتفاف على مطلب إسرائيل بالاتفاق حول تبادل أسرى. والفجوات بين الجانبين حول صفقة كهذه تبدو كبيرة الآن".