أصدر المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، اليوم الأربعاء، تقريرًا رصد خلاله الآثار الناجمة عن استهداف الاحتلال الإسرائيلي للقطاع الاقتصادي خلال العدوان الأخير على غزة.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في التقرير: "إنّ الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة في أيار/مايو 2021 خلف آثارًا اقتصادية كارثية ولا سيما في القطاع الإنتاجي، وتسبب بخسائر مباشرة وغير مباشرة تتجاوز نصف مليار دولار في مختلف القطاعات".
وأضاف المرصد، في تقرير أصدره تحت عنوان (أضحى رماداً)، أنّ فريقه رصد تنفيذ الجيش الإسرائيلي هجمات دقيقة ومركزة على منشآت اقتصادية تحوي مصانع ووحدات إنتاجية متنوّعة، استُهدفت بشكل مباشر إما بغارات الطيران الحربي الإسرائيلي، أو قذائف المدفعية الموجهة.
وأشار إلى أنّه لجانب استهداف المنشآت الإنتاجية في مناطق متفرقة من قطاع غزة، عمد الجيش الإسرائيلي خلال هجومه إلى استهداف مدينة غزة الصناعية بشكل مباشر، وهي من أكبر التجمعات الإنتاجية في قطاع غزة، إذ تضم عشرات المصانع والشركات التي تشغّل مئات العاملين، ويجري داخلها جزء كبير من العمليات الإنتاجية لمصانع القطاع.
وقالت مسؤولة الإعلام في المرصد الأورومتوسطي، نور علوان: "إنّه من خلال مراجعة سلوك الجيش الإسرائيلي وطبيعة الذخائر الدقيقة التي استخدمها في استهداف المنشآت الاقتصادية، يتضح أنّ "إسرائيل" ربما تعمدت استهداف القطاع الإنتاجي في قطاع غزة على نحو خاص، من أجل إحداث أضرار فادحة وطويلة الأمد في القدرات الإنتاجية، ووأد أي جهود لتحقيق تنمية اقتصادية في القطاع المحاصر منذ أكثر من 15 عامًا".
وفي 10 مايو/أيّار 2021، شنّ الجيش الإسرائيلي هجومًا عسكريًا واسعًا على قطاع غزة استمر 11 يومًا، نفّذ فيه آلاف الهجمات الجوية والمدفعية على القطاع الصغير الذي يكتظ بأكثر من 2 مليون شخص، ما أدّى إلى مقتل 254 فلسطينيًا بينهم 66 طفلًا، و39 امرأة، إلى جانب تدمير آلاف الوحدات السكنية والمنشآت الاقتصادية، وإلحاق أضرار كبيرة في البنية التحتية.
وخلال الهجوم العسكري الذي أطلقت عليه "إسرائيل" اسم "حارس الأسوار"، ارتكب الجيش الإسرائيلي انتهاكات متعددة ومركبة، قد ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، عبر القوة النارية الهائلة التي استخدمها ضد المناطق المدنية المكتظة بالسكان، ليعتدي بذلك على عدد من الحقوق الأساسية أبرزها الحق في الحياة، والحق في السكن، والحق في العمل وكسب العيش والحق في الملكية
ولفت تقرير الأورومتوسطي إلى أنّ الهجمات الإسرائيلية المباشرة ألحقت دمارًا واسعًا في المنشآت الاقتصادية في قطاع غزة، بما في ذلك تدمير وإلحاق أضرار بأكثر من 100 مصنع، وتدمير بنايات وأبراج سكنية تضم محالًا تجارية متعددة الخدمات، واستهداف ورش صناعية، ومؤسسات تعليمية ومراكز تدريب، وقصف أراض زراعية بمساحات واسعة، تضم بعضها مزارع لتربية المواشي والدواجن.
و أضاف إلى ذلك الضرر الكبير الذي لحق بقطاع الصيد جراء إغلاق البحر ومنع الصيد طوال فترة الهجوم وما بعده، وتكرار تقليص مساحة الصيد بين الحين والآخر كنوع من أنواع العقاب الجماعي الذي تمارسه "إسرائيل" بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وبيّن التقرير أنّ الهجوم الإسرائيلي تسبّب أيضًا بأضرار غير مباشرة لا تقل خطورة عن تلك التي تسبب بها بشكل مباشر، من خلال تعطيل المصالح الاقتصادية من مصانع ومعامل، ومزارع وصيد والأعمال الاقتصادية الأخرى، وما نجم عن إغلاق المعابر من منع التصدير ومنع استيراد المواد الخام، ما أدّى إلى خسائر كبيرة في القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وخلص تقرير المرصد الأورومتوسطي إلى إلحاق خسائر مباشرة وغير مباشرة تتجاوز نصف مليار دولار في مختلف القطاعات الاقتصادية في غزة، ما عمّق من أزمة الاقتصاد الهش أصلًا بفعل تداعيات 15 عامًا من الحصار والانقسام.
وأشار الأورومتوسطي إلى أنّ تدمير وإعاقة عمل المصانع والمنشآت الإنتاجية تسبب بتعطيل آلاف العمال عن العمل، وزيادة معدل البطالة المتفشية بنسبة عالية أساسًا في قطاع غزة، حيث تبلغ نحو 49 % بشكل عام، وترتفع في أوساط الشباب والخريجين إلى أكثر من 67 %.
وطالب المرصد الأورومتوسطي، الاحتلال بفتح تحقيق جدي في استهداف القطاع الاقتصادي في غزة ومحاسبة الفاعلين، والعمل على تحييد المدنيين وممتلكاتهم والمنشآت الاقتصادية خلال الهجمات العسكرية.
ودعا مجلس الأمن الدولي إلى فتح تحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية خلال هجومها على قطاع غزة، بما في ذلك قتل المدنيين واستهداف ممتلكاتهم، وتعمد تدمير وإلحاق أضرار بالغة في المقار الإعلامية والأراضي الزراعية والمنشآت الاقتصادية التي تعيل وتقدم خدماتها لمئات الآلاف من السكان المدنيين.
وحث محكمة الجنايات الدولية على التحقيق في الهجمات الإسرائيلية على القطاعات الإنتاجية في قطاع غزة، واتخاذ المقتضيات القانونية التي من شأنها أن تمنع إفلات الجناة من العقاب.
وجدد المرصد الأورومتوسطي دعوة المجتمع الدولي إلى الضغط على السلطات الإسرائيلية لرفع القيود المشددة والسماح بإدخال المواد الخام اللازمة لعملية إعادة الإعمار وتعويض السكان المدنيين عن الخسائر التي لحقت بهم.