هآرتس - بقلم: جاكي خوري "إذا كان مفهوم “نافذة فرص” يعدّ تعبيراً شائعاً في اللغة السياسية الدبلوماسية، فإن استخدام كلمة “نافذة” تقدير مبالغ فيه بكل ما يتعلق بحكومة بينيت – لبيد وموقفها من الفلسطينيين. “نرى بارقة أمل في كوة فرص”، قال لي مصدر فلسطيني رفيع في رام الله في هذا الأسبوع. “إذا كان الوضع أمام نتنياهو والدعم الذي منحه إياه ترامب ميؤوساً منه، فثمة الآن منحى لتغيير، ليس فقط بسبب بينيت وتشكيلة حكومته، إنما بسبب الإدارة الجديدة في واشنطن”. ولكن هذا المصدر حرص على أن يضيف: “نحن واقعيون، ونعرف أن مسار التقدم، إذا كان هناك أصلًا مسار للتقدم إليه، سيكون في الأساس بطيئاً جداً وسيكون مكرساً للحفاظ على الوضع الراهن”.
في مكتب أبو مازن ومكتب رئيس الحكومة محمد اشتية، يستمرون في فحص وجهة الحكومة الإسرائيلية. لذلك، حظيت اللقاءات التي أجراها رئيس الحكومة نفتالي بينيت مع الرئيس جو بايدن، بالمتابعة والاهتمام. ومن الرسائل التي وصلت إلى رام الله، عرفوا أن أساس المحادثات في المسألة الفلسطينية كان مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وبدرجة أقل مع بايدن. صحيح أن الموضوع الفلسطيني طرح من قبل الرئيس، لكن في إطار الوقت الذي خصص للقاء وسلسلة المواضيع التي كانت على الأجندة، لم يكن هناك مكان للتعمق فيه.
“حاول بينيت تجاهل المسألة الفلسطينية، ونعرف أنه طلب منه عرض رزمة تسهيلات مدنية”، أكد المصدر الفلسطيني الرفيع في السلطة المطلع على الاتصالات مع الأمريكيين. في رام الله يتوقعون أيضاً محادثة من واشنطن لاطلاعهم على المستجدات في الأيام القريبة القادمة لأن “شبكة العلاقات مع الأمريكيين موضوعية جداً، وهي مفتوحة الآن”، قال المصدر الرفيع.
سيكون مهماً لنا الاطلاع على المستجدات من واشنطن قبل قمة ثلاثية من المخطط عقدها الخميس المقبل في القاهرة بمشاركة رئيس السلطة أبو مازن وملك الأردن عبد الله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. تعتبر هذه القمة تنسيقاً للمواقف قبل انعقاد الجمعية العمومية في الأمم المتحدة. وفي رام الله يتلمسون الطريق لمعرفة ما إذا كان على هامش الجمعية العمومية مجال للقاء شخصي أول بين الرئيس أبو مازن والرئيس بايدن بعد المكالمة الهاتفية الودية بينهما في منتصف أيار الماضي. هذا إذا تم عقد اللقاء وجهاً لوجه بسبب قيود كورونا.
يقدر أبو مازن ومعظم القيادة الفلسطينية أن حكومة بينيت ستبقى قائمة لفترة تتجاوز المتوقع رغم التناقضات الكثيرة في تشكيلتها. الافتراض الأساسي هو أن الخوف من انتخابات مبكرة وعودة نتنياهو ستمنع إسقاطها. لذلك، المقاربة في رام الله هي أن الحديث لا يدور عن حكومة عابرة أو مؤقتة.
إضافة إلى ذلك، وفي محادثات سياسية، مع القاهرة وعمان وجهات غربية، بما فيها بريطانيا وأمريكا، تطرح القيادة السياسية الفلسطينية طلباً معقولاً بالنسبة لسقف التوقعات من إسرائيل: احترام الاتفاقات القائمة التي تم التوقيع عليها بين إسرائيل والسلطة. هذا الأمر، حسب الجهات في القيادة الفلسطينية، سيمنع القيام بخطوات أحادية الجانب، وقد يسمح بهامش عمل واستقرار، وربما حتى حوار حول انتخابات في مناطق السلطة، بما في ذلك في شرقي القدس وقطاع غزة. وإن انتخابات في الساحة الفلسطينية والانشغال بها، قالت الجهات، سيعطي الطرفين هامشاً من الوقت والمناورة، وسيكون الأمر متعلقاً بعملية ستستغرق أشهراً طويلة سيضطر فيها الطرفان إلى تجنب القيام بخطوات أحادية الجانب.
يتساوق هذا التقدير مع رسائل وصلت إلى رام الله من الممثلين الإسرائيليين الذين يتحدثون مع نظرائهم في رام الله، التي يشار بحسبها إلى أن بينيت مستعد للتعاون غير سياسي، لأن القصد هو مساعدات مدنية للسلطة. ثمة رسائل بهذه الروحية وصلت من الممثلين العرب في الحكومة: وزير التطوير الإقليمي عيساوي فريج، والوزير في وزارة المالية حمد عمار، ومنسق أعمال الحكومة في المناطق الجنرال غسان عليان. “يرسلون العرب للتحدث مع العرب”، قالت جهات رفيعة في الحكومة الفلسطينية بتهكم.
أمام كل ذلك، تنظر السلطة لوزير الدفاع بني غانتس، بحكم منصبه، على أنه شخص قادر على القيام بتحركات. إضافة إلى ذلك، سواء أحب غانتس ذلك أم لا، يعتبره الطرف الفلسطيني الشخص الأكثر قرباً لإدارة واشنطن. وحسب رأيهم، فإن الدفع قدماً بتسهيلات مدنية واحترام الاتفاقات، بما في ذلك تجنب القيام بخطوات أحادية الجانب تشمل بناء كثيفاً في المستوطنات وخطوات صارمة في الشيخ جراح وفي الأحياء العربية في القدس… قد يمنح الطرفين الهدوء النسبي، وخصوصاً البقاء. توجه السلطة الآن، وتوجه إسرائيل أيضاً، هو عدم حسم النزاع، بل -حسب النهج الأمريكي- إدارته. وتجنب القيام بمفاجآت حيث الإمكانية الكامنة للتصعيد كبيرة جداً، بالتحديد في المجالات التي تعدّ سيطرة السلطة فيها معدومة تقريباً. وأحداث أيار الأخيرة في القدس والقطاع هي الدليل على ذلك.