شيزوفرينيا الرؤية وخيال عرضي..مرام الحلبي

الأحد 29 أغسطس 2021 12:20 م / بتوقيت القدس +2GMT



مع الأسف، لا يزال هناك نسبة لا بأس بها من المجتمع الفلسطيني عاجزا عن تقبل التغير الواضح في ظروف المرأة الفلسطينية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، والتي ما عادت تلك المرأة الضعيفة المعتمدة اعتمادا كليا على مصروف الرجل، والتي ما عاد استقرار حياتها مبنيا على الزواج وأن الانفصال والطلاق بالنسبة لها هو نهاية العالم.

لا تزال مع الأسف تلك النظرة الدونية للمرأة وارتباطها اقتصاديا واجتماعيا بالرجل موجودة ومنتشرة وما يؤسفنا ان تكون راسخة في طبقة من المتعلمين والمحسوبين على المثقفين، فالمرأة الفلسطينية اليوم هي امرأة متعلمة مثقفة عاملة قادرة على ان تكون مستقلة اقتصاديا، واجتماعيا، وما عاد استقرار حياتها متوقفا على حالتها الاجتماعية بقدر ما هو متوقف على قدراتها العلمية والثقافية، فالمرأة الان قد وصلت الى مناصب عليا بالإضافة الى كونها تشكل 45% من القوى العاملة في القطاع المدني وذلك حسب بيانات ديوان الموظفين حتى شباط 2021.

في مقال نشر على منصة يتابعها مئات الالاف ذاكرة على لسان أحد دكاترة الصحة النفسية ان اغلب السيدات المطلقات يعانين مشكلات نفسية من نوع خاص، ولخص ان هناك خمس ممارسات تقوم بها المطلقات بعيد عن اعين المجتمع والاهل، كالبكاء ليلا على الماضي والتفكير بالانتقام والسهر في غرف مظلمة وتناول المهدئات واسوءها كان ارتدائهن لقمصان النوم والمكياج بالكامل كأنها عروس جديدة.

فبدلا من علاج العلل في المجتمع والبحث عن الأسباب الأساسية لازدياد نسبة الطلاق في المجتمع الفلسطيني، الاسهل هو نشر الحديث عن المطلقة كأنها انسان مكسور يمارس الحزن والالم ويدخل في نوبات اكتئاب، انسان قد انتهت حياته ولا يفكر الا بالانتقام وقد وصلت به الحالة النفسية الى أسوأ صورها بارتداء ملابس النوم لعروس والعيش على ذكريات الليلة الأولى.

من الواضح للقارئ غياب الدور الرقابي في النشر ومن الجلي لنا انه من السهل جدا الصعود على اكتاف النساء في مجتمع ابوي كالمجتمع الفلسطيني، فلن نجد من ينتقد تلك المقالات ويطالب بتغير النظرة الى المرأة الفلسطينية ، حاملة الأعباء على مر السنين، فالقضية الفلسطينية هي قضيتها الأولى والأخيرة ، ناضلت جنبا الى جنب مع الرجل في الميدان العسكري وشاركت في الميادين السياسية وكان لها بصمتها الواضحة والقوية في المجالات الثقافية والاجتماعية، أوصلت صوتها وطالبت بحقوقها، ووصلت الى مرحلة ما عاد فيه طلاقها من علاقة سامة مأساة حقيقية، بل اصبح حقا مكتسبا لانهاء حالة مرضية لا تستحق ان تعيشها، تلك المرأة التي تشكل 49% من المجتمع الفلسطيني وترأس 11% من الاسر في فلسطين هي المرأة هي التي حققت النسب الأعلى تعليما، فقد بلغت معدلات التحاقها بالثانوية العامة 92% و 61% من مجموع الملتحقين في الدراسات العليا، طبقا لاحصائيات 2020

يبدوا ان كاتب المقال كان يسهل عليه ذكر كل السلبيات التي يعيشها أي انسان طبيعي تعرض لصدمة ما كالطلاق أو التنمر أو العنف بمختلف اشكاله ، لينسب كل التصرفات التي قد تنتح من هذه الصدمات الى النساء المطلقات فقط ، بدون ان ينظر الى انجازات المرأة المطلقة التي حصلت على حريتها بعد عيشها ظروفا لا ترقى لمستوى الانسان، لا ننكر ان هناك نساء استسلمن لما فرضه المجتمع الابوي عليهن ولكن بالمقابل سنجد ان هناك نساء استطعن ان ينتشلن انفسهن من قاع الألم واليأس الى قمة المجد والنجاح، فهي من رحم المعاناة خلقت الامل وتميزت وارتقت بمستواها الفكري والثقافي والعملي والعلمي فالكثير منهن استطعن ان ينتجن ويحسن من ظروفهن بعيدا عن الاتكالية على الاهل او زوج اخر، وما عادت المرأة تخشى وجهة نظر المجتمع لها، ولا حتى ردة فعل المجتمع نفسه، فبانتشار الوعي والمؤسسات النسوية الداعمة للمرأة أصبحت المرأة اقوى وقادرة على اتخاذ القرار المناسب لها، ومن وجهة نظري اننا وفي القرن الواحد والعشرين اصبح من المعيب الإشارة بالاصبع الى النساء المطلقات بصفتهن مرضى نفسيين، وان مقالات مثل هذا المقال المنشور ليس من شأنه الا ان يعمق من مشاكل المرأة المطلقة مع المجتمع ويصر على دونية مكانتها. 

فمن الاجدر بنا ان نقوم بنشر إنجازات النساء والمساهمة في تمكينها في مجتمعها ومساعدتها على الخروج من الصدمات التي تعرضت لها بسبب علاقات سامة فرضت عليها بدلا من مهاجمتها وتقويض مكانتها بسبب ظرف حل بها دون ارادتها.