بقلم : غاليا لافي "في تموز 2020 زار وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، سوريا ومصر والجزائر، والتقى الشخصيات الرفيعة في الجامعة العربية. كانت الزيارة الثانية له في هذه السنة إلى منطقة الشرق الأوسط، بعد زيارته ي آذار لست دول، هي السعودية والإمارات وعُمان والبحرين وإيران وتركيا. إضافة إلى التجارة، تناولت هذه الزيارات ثلاثة مواضيع رئيسية، وهي الدفع قدماً بنشر اللقاح الصيني ضد كورونا، والاستثمارات الصينية في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، والنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
في موضوع ترويج نشر اللقاح الصيني، بعد أن باعت وتبرعت باللقاح والمعدات الطبية لدول المنطقة، تريد الصين تشجيع إقامة مصانع محلية لإنتاجه. خلال زيارته الإمارات، تم إطلاق إنشاء مصنع لإنتاج 200 مليون حقنة تطعيم “سينوفارم” في السنة. في مصر دشن الوزير مصنعاً لإنتاج لقاح “سينوباك”، الذي بدأ بالعمل قبل شهر من ذلك، والذي يتوقع أن ينتج حوالي 40 مليون حقنة في السنة. وحول إقامة مصنع ثالث لشركة “سينوباك”، بعد زيارته للجزائر.
نشر اللقاح الصيني أمر يهم الصين التي تريد تحسين صورتها التي تضررت بسبب الوباء، والاستفادة من ذلك اقتصادياً واستغلال الخطوة كوسيلة للنفوذ السياسي. موضوع الاستثمارات الصينية في إطار مبادرة “الحزام والطريق” هو مبادرة وطنية مدعومة بشكل شخصي من الرئيس الصيني وتمثل مصلحة رئيسية للصين. المبادرة، التي هي عنوان لإجمالي مشاريع متنوعة في أرجاء العالم، تخدم الصين في بلورة نوع من ناد دولي برئاستها باسم “الحلم بعالم متناسق ومتعاون وموحد”، مجتمع المصير المشترك من أجل الإنسانية. في خطابه وهو في الجزائر، أعلن وانغ أن “الصين ستكون دائماً عضوة في معسكر الدول النامية، تتنفس الهواء نفسه، وتتقاسم المصير المشترك معها”. هذا الحلم المثالي الذي يشمل الدعوة إلى “المساواة السيادية” وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ويعد أيضاً باستثمارات مستقبلية بمبلغ 750 مليار دولار، يسحر دولاً كثيرة، لا سيما الدول النامية التي تعيش في أزمات أو تحتاج إلى الاستثمارات. ليس أقل من 139 دولة انضمت إلى مبادرة “الحزام والطريق”، منها 17 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
جميع الدول التي زارها وانغ انضمت إلى مبادرة “الحزام والطريق”، ولكن مصالح الصين فيها مختلفة. ففي آذار، شملت الزيارة دول الخليج وإيران وتركيا، التي فيها جميعها أنظمة مستقرة واقتصاد قوي، وللصين فيها استثمارات كثيرة وشهية لمزيد من الاستثمار. في المقابل، كانت زيارة تموز لـ”دول شهدت الربيع العربي”، سوريا والجزائر، من تلك الدول تعيشان أزمة متواصلة، ورغبة الشركات الصينية في الدخول إلى استثمارات كبيرة فيها متدنية. أما مصر فمستقرة ومهمة أكثر بالنسبة للصين، لكنها بحاجة إلى استثمارات كثيرة في البنى التحتية وفي قدرتها الاقتصادية الأقل بكثير من صديقاتها في الخليج. الاستثمارات الصينية تتم ملاءمتها مع احتياجات الدول التي توجه إليها، كما للمصالح الصينية أيضاً. على سبيل المثال، في تركيا أكد وزير الخارجية الصيني على الحاجة إلى تعزيز مشروع “ممر المتوسط”، وهذه مبادرة لكازاخستان وجورجيا وأذربيجان لتطوير خط مواصلات يمر ببحر قزوين ويربط شرق أوروبا والصين، مروراً بتركيا والقوقاز وبحر قزوين ووسط آسيا. إضافة إلى ذلك، دعا إلى التعاون في “الهايتيك” والجيل الخامس والاقتصاد الرقمي. أما في الإمارات فتحدث عن توسيع التعاون في مجال الطاقة والهايتيك والتكنولوجيا الحديثة. وفي البحرين تضمن التعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق” مجال الطاقة والبنى التحتية والجيل الخامس والتجارة الإلكترونية والبيانات الضخمة. في المقابل، اكتفى في الدول النامية التي زارها في تموز، بتصريحات عامة حول الحاجة إلى توسيع التعاون في إطار المبادرة. أما طريقة الدفع قدماً بالاستثمارات في الدول المتقدمة في مجال البنى التحتية والطاقة المتطورة، المهمة بالنسبة للصين، وإعلانات تبعث على الأمل في الدول النامية، فإن الصين تريد تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، وتجنيد دعم دول المنطقة لها والحصول على إنجازات تتعلق بصورتها، في الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة أنها انسحبت منها.
موضوع ثالث تم التأكيد عليه في زيارة وزير الخارجية الصيني إلى الشرق الأوسط، وهو النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، الذي اعتادت الصين على طرحه في منتديات دولية مختلفة وفي لقاءات مع زعماء الدول العربية. حسب تصريحات الصين، فإن القضية الفلسطينية في مركز قضايا الشرق الأوسط، وسيؤدي حلها إلى السلام والأمن في المنطقة. طبقاً لذلك، ذكر النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني في جميع لقاءات الوزير، وطرح في لقاءين برامج عمل. في آذار عرض وانغ على العربية السعودية “خطة الخمس نقاط” لتحقيق الأمن والاستقرار في أرجاء الشرق الأوسط. بعد أقوال “دعم الاحترام المتبادل”، أعلن وزير الخارجية عن نية الصين طرح موضوع النزاع المتواصل بين إسرائيل والفلسطينيين في مجلس الأمن والحصول على المصادقة على “حل الدولتين”، وأيضاً دعوة من يؤيدون السلام في الطرفين لإجراء المفاوضات”. في زيارته في مصر في تموز، طرح الوزير ثلاثة أفكار لتطبيق “حل الدولتين”: تحسين صلاحية السلطة الفلسطينية، ودعم وحدة التنظيمات الفلسطينية، وتشجيع استئناف محادثات السلام على قاعدة “حل الدولتين”.
هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها باستدعاء ممثلي الطرفين لإجراء مثل هذه المحادثات، أو تقوم بطرح برامج فيها هذا العدد أو ذاك من النقاط لحل النزاع. في المقابل، انحرفت الصين أثناء عملية “حارس الأسوار” في أيار الماضي، عن سياسة “عدم التدخل” التي تتبعها والتي امتنعت في إطارها بشكل عام عن اتخاذ أي موقف من النزاعات. فقد عقدت الصين جلسة لمجلس الأمن حول الموضوع، وصاغت تصريحات وأيدت قرارات تنديد لإسرائيل. وألقى وزير الخارجية الصيني، وانغ، خطاباً في مجلس الأمن أعلن فيه بأن حل الدولتين هو الطريقة الأفضل لإنهاء النزاع. وكرر دعوته إلى حوار بين من “يؤيدون السلام” في الطرفين.
بعد مرور شهر تقريباً، جرت المحادثات الموعودة بمشاركة ممثلين عن إسرائيل، من بينهم يوسي بيلين وميخائيل روزين وإسرائيل ليئورن وغيدي بلتيانسكي. اثنان من المشاركين كانا في السابق أعضاء كنيست من حزب “ميرتس”، وثلاثة من رؤساء “مبادرة جنيف”؛ للدفع قدماً باتفاق دائم بين إسرائيل والفلسطينيين. ترأس الوفد الفلسطيني أحمد مجدلاني، وزير التنمية الاجتماعية والعضو في اللجنة التنفيذية في م.ت.ف والسكرتير العام لجبهة النضال الشعبي المحسوبة على حركة “فتح”. بكلمات أخرى، دعت الصين مشاركين تعودوا على المحادثات من الطرفين، لكنه ليست لهم صلاحيات سياسية. وفي محادثات سابقة دعت إليها الصين بين الطرفين، شارك أشخاص لهم خلفية مشابهة. لذلك، من الواضح أن جهود الصين موجهة نحو الصعيد الرمزي والوعي، وأقل نحو الصعيد العملي والفعلي. وانغ نفسه فرق في أقواله في مجلس الأمن بين “من يؤيدون السلام” الذين تم استدعاؤهم للحوار وبين “مديري المفاوضات” في الطرفين الذين دعاهم لإجراء “محادثات مباشرة” في الصين.
الصين تشخص في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني إمكانية كامنة لتصريحات دعم من ناحيتها، التي هي لطيفة على أذن العالم العربي والإسلامي. وعن طريق ذكر متكرر لـ “النزاع” و”الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة” والدعوة إلى إجراء محادثات في بكين واستضافة لقاءات لـ “من يؤيدون السلام”… تريد الصين أن تخلق لنفسها صورة الدولة العظمى المسؤولة، التي تقف إلى جانب أقلية مضطهدة وتعرض مساعدتها في التوصل إلى حل بين الطرفين. النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني يضاف إلى قائمة المواضيع التي يمكن للصين فيها أن تناكف الولايات المتحدة. وإضافة إلى ذلك، أن تبعد عن نفسها الانتقاد في موضوع تعاملها مع الأقلية الأيغورية. ففي أثناء عملية “حارس الأسوار” وبعد أن عارضت الولايات المتحدة صيغة بيان مجلس الأمن الموجه ضد إسرائيل والذي بلورته الصين ودول أخرى في المجلس، أوضح وزير الخارجية الصيني وانغ بأن “الولايات المتحدة تقف في الطرف الذي يعارض العدالة الدولية” (لكنه لم يذكر بريطانيا رغم أنها عارضت).
تابعت إسرائيل زيارة وانغ للشرق الأوسط بعدم اهتمام، فقد علمتنا التجربة أن الصين قوية في تصريحات الدعم، لكنها تكتفي بالدعم الرمزي. لا يجب أن نتوقع زخماً من شركات صينية تقوم بإعادة إعمار سوريا، ومن غير المتوقع قريباً استثمارات ضخمة لها في قطاع غزة. في المقابل، من غير المتوقع أن يتلاشى تأثير الصين المتزايد في المؤسسات الدولية. ومن المتوقع أن تستمر الصين في دعم الفلسطينيين على حساب إسرائيل.
حتى الآن، اتبعت كل من إسرائيل والصين بنجاح سياسة تفصل بين العلاقات الاقتصادية، التي تفيد الطرفين، وبين الخلافات السياسية. هكذا، الصين تواصل دعم إيران والفلسطينيين دون المس بشكل واضح بالعلاقات الاقتصادية بينها وبين إسرائيل. وفي الوقت نفسه، تواصل علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، وهي تعرف عن علاقات إسرائيل المتميزة مع الولايات المتحدة. ولكن كلما ازداد العداء بين الصين والولايات المتحدة، فمن المتوقع أن تزيد بكين جهودها لمناكفة لواشنطن كدولة عظمى لها وجهان وغير مسؤولة، وأن تنأى بنفسها عن الانتقاد في موضوع حقوق الإنسان. النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني مفيد جداً في هذا السياق، وموقف الصين يحصل على دعم دولي واسع حتى في أوساط حلفاء الولايات المتحدة. دعم الصين لإيران وتصميمها على مواقفها في المؤسسات الدولية واستخدام الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين لمناكفة الولايات المتحدة، كل ذلك يمكن أن يثير صعوبات في العلاقات بين إسرائيل وبكين، وربما يجعل إسرائيل تعيد فحص علاقتها مع الصين.