تعكف القيادة العليا للجيش الإسرائيلي ودائرة اللوبي العملاقة التابعة له، التي يعمل فيها مئات الأشخاص، بالاستعداد لمواجهة الجبهة الأهم بالنسبة لهم: "تبييض بأثر رجعي لعشرات مليارات الشواقل التي سرقها الجيش الإسرائيلي من خزينة الدولة، وشرعنة مسار يلتف على التقاعد، ويسمح أيضا بمنح المال للمتقاعدين من الجيش في المستقبل"، وفقا لرئيس تحرير الصحيفة الاقتصادية "ذي ماركر"، غاي رولنيك، في مقاله الأسبوعي اليوم، الجمعة.
وأكد رولنيك على أن "وزير الأمن، بيني غانتس، وهو رئيس أركان الجيش الأسبق، لا يرى المواطنين أو أولادهم من مسافة متر. ورغم الزيادات الهائلة لميزانية الأمن التي حصل عليها بفضل ارتفاع مداخيل الدولة من الضرائب، إلا انه يوجد لدى غانتس أفضليات واضحة: يفضل إعطاء أي شيكل يأخذه من دافع الضرائب إلى الضباط الكبار في الخدمة الدائمة، لمتقاعدي الجيش الإسرائيلي، للجالسين في المكاتب، لسكان الكِرياه (مقر وزارة الأمن والجيش في تل أبيب) ولجميع الأثرياء المرتبطين بالمانح الأكبر في إسرائيل، المقيم في شارع كابلان في تل أبيب" في إشارة إلى وزارة الأمن والجيش.
وأشار رولنيك إلى أن جمعيتي "ربح صاف" و"عدالة مالية" حققتا في السنوات الأخيرة في الإضافات الهائلة التي منحها الجيش الإسرائيلي للمتقاعدين منه، قبل تسريحهم من الجيش، واكتشفت الجمعيتان أن ذلك "تم في الخفاء، من دون رصد ميزانية خاصة، والأخطر أنه تم بشكل مخالف للقانون. والتمست الجمعيتان إلى المحكمة العليا من أجل الكشف عن السرقة وإيقافها. ومارس جهاز الأمن ضغوطا سياسية هائلة من أجل مواصلة نهب خزينة الدولة، لكن في النهاية جرى تسريب تقرير لوزارة القضاء الذي أكد على دقة معلوما جمعيتي ربح صاف وعدالة مالية: إذا كنتم تريدون الاستمرار في الدفع عليكم تنظيم الموضوع من خلال قانون". وكتب رولنيك: "بكلمات أقل نظافة، تمت سرقة المال من خزينة الدولة لصالح مقربي وزارة الأمن. وتقدر السرقة بأكثر من مليار شيكل سنويا".
ولفت رولنيك إلى أن متوسط رزمة التقاعد في ميزانية الأمن هي 8 مليون شيكل لكل متقاعد، وتعادل خمسة أضعاف التقاعد الذي يحصل عليه المدنيون. "وتدل معطيات سلطة الضرائب على أن العسكريين هم المجموعة الأولى في إسرائيل الذين يشترون شققا للاستثمار، لكن بالإمكان دائما التمهيد لاحتلال غاية أخرى: لماذا لا يتصدرون أيضا أولئك الذين لديهم شقتين للاستثمار؟ ووفقا لحسابات أجرتها جمعية ربح صاف أظهرت أن إضافة كهذه تكلف أي عائلة في دولة إسرائيل مبلغ 1000 شيكل سنويا".
وتدفع وزارة الأمن هذه الأموال من إضافة ميزانية بمبلغ يزيد عن مليار شيكل سنويا، وتعرف باسم "زايادات رئيس هيئة الأركان العامة"، التي شدد رولنيك على أنه تمت إضافتها "في الخفاء وانعدام شفافية طوال عشرات السنوات، ومن خلال الإخفاء عن وزارة المالية وتضليلها، إلى حين اكتشفها مراقب الدولة، في العام 2016".
وحصل على هذه الزيادات غير القانونية 98% من متقاعدي الجيش الإسرائيلي، ويصل مبلغها إلى حوالي 1.3 مليار شيكل سنويا. وكان بالإمكان القيام بذلك لأن شعبة القوى البشرية في الجيش هو الوحيد في الدولة كلها الذي لا يوجد فيه مندوب عن وزارة المالية من أجل مراقبته. "زيادات رئيس هيئة الأركان العامة هي مجرد واقعة واحدة تم اكتشافها، مقابل عشرات أخرى التي لم تكتشف".
"العقل المدبر للنهب"
لفت رولنيك إلى أن "العقل المدبر" من وراء نهب الجيش الإسرائيلي لخزبنة الدولة هي دائرة اللوبي التابعة للجيش الإسرائيلي والتي يطلق عليها اسم "المستشار المالي لرئيس هيئة الأركان العامة" ويرأسها منذ سنوات طويلة مهران بروزنير. وبعد تسرّح بروزنير من الجيش، عمل كلوبي وسمسار لشركات تجارية تسعى إلى الحصول على ميزانيات من جهاز الأمن.
وحاول بروزنير، الأسبوع الحالي، كمبعوث لوزارة الأمن، الدفاع عن نهب خزينة الدولة في برنامج إذاعي، قال خلاله إن هذه الاتهامات له هي "هراء، ودعونا نتحدث عن الحقائق. إذا كنت تريد أشخاصا نوعيين ويحضرون في نهاية المطاف إنتاجا مهنيا، نجاعة وأفضل المعلومات الاستخباراتية وأفضل التطويرات، ينبغي أن تدفع، ليس هناك ما يمكن فعله".
إلا أن مؤسسة والمديرة العامة لجمعية "ربح صاف"، المحامية نيلي إيفن حِن، أكدت لرولنيك أن أقوال بروزنير "هي تضليل. والجيش الإسرائيلي يفعل العكس تماما. والجيش الإسرائيلي لا يمنح تعويضا للجنود القتاليين الذين يضحون بأنفسهم ولا لمطوري السايبر الذين يغادرون إلى السوق الخاصة بعد تسريحهم من الخدمة النظامية".
وأضاف رولنيك أنه خلافا لتصريحات السياسيين وتقارير الصحافيين والناشطين الاجتماعيين حول تحويل الأموال من دافعي الضرائب من أجل توزيعه على مسؤولين وذوي العلاقات والمتخمين كان نتيجة لحكم نتنياهو لسنوات طويلة. "لقد خدعوكم. وينقسم المخادعون إلى مجموعتين: أولئك الذين أرادوا الوصول إلى الحكم وأولئكم الذين صدّقوا فعلا هذه الأسطورة. فقد منع نتنياهو المصادقة على الميزانية لسنتين لخدمة مصالحه الخاصة. لكن الميزانية التي صادقت عليها الحكومة الحالية هي توأم سيامي لجميع الميزانيات التي كان نتنياهو يقدمها في الوضع الحالي: رفع الضرائب على الطبقة الوسطى، ضخ عشرات المليارات إلى ميزانية الأمن واستمرار الستاتيكو في جميع الجبهات مع الحريديين".
"طرف جبل الجليد وحسب"
قال مفوض شكاوي الجنود في الجيش الإسرائيلي، يتسحاق بريك، وهو ضابط تسرح من الجيش برتبة لواء وأصدر تقارير حول عدم جهوزية الجيش للحرب، إن هذا النهب الاقتصادي من جانب الجيش هو "طرف جبل الجليد وحسب" وفقا لرولنيك.
ووفقا لتقديرات بريك، فإن "إسرائيل ليست جاهزة لمواجهة هجوم صاروخي يشنه حزب الله نتيجة ثقافة الإخفاء، التمويه والعجرفة في الجيش الإسرائيلي. وقضية الغواصات ليست استثناء وإنما هي جزء من طريقة الجيش الإسرائيلي، وهناك قضايا أكثر فسادا وأكبر من الغواصات لم يتم النشر عنها. وإذا فُتح صندوق باندورا هنا، فهذا سيكون أمرا مروعا رهيبا".
ورأى بريك أن "الجيش الإسرائيلي تحول تدريجيا إلى أداة بأيدي مجموعات مختلفة من السكان تعمل من أجل تحقيق غاياتهم الشخصية". وأشار إلى "الظاهرة التي فيها قسم كبير من ضباط الجيش الكبار الذين يصبحون، بعد تسريحهم، يعملون كجهات ضغط لمصلحة شركات خاصة تبيع عتادا للجيش. وهم يمارسون لوبي لدى ضباط الجيش الإسرائيلي الذين كانوا قبل وقت قصير مرؤوسيهم في الجيش. وهذه ليست ظاهرة هامشية وإنما واسعة".