كيف تدير طهران ملفات المنطقة في عهد الرئيس الجديد؟

الأربعاء 11 أغسطس 2021 09:50 م / بتوقيت القدس +2GMT
كيف تدير طهران ملفات المنطقة في عهد الرئيس الجديد؟



طهران /سما/ الاناضول

يستمدّ الرئيس الإيرانيّ، إبراهيم رئيسي قوته من خلال قربه من المرشد الأعلى، علي خامنئي الذي يمتلك سلطات مطلقة في النظام السياسي الإيراني، ودعم الحرس الثوري ونفوذه في الدولة الإيرانية.

وتسلم رئيسي منصبه رئيسا لإيران، في 5 آب/ أغسطس، في ظل أجواء توترات تشهدها البلاد في ملفات إقليمية عدة مثل حرب السفن في الخليج العربي، وتبادل الهجمات بين إسرائيل وحليف إيران الأقوى "حزب الله" اللبناني.

وفي دلالة على أهمية الأذرع المسلحة الحليفة لإيران في عهد الرئيس الجديد، وخلافا للأعراف الدبلوماسية في ترتيب جلوس الضيوف، خُصصت المقاعد الأمامية في حفل التنصيب لقيادات فصائل مثل حركتي المقاومة الفلسطينيتين؛"حماس"، والجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى جماعة الحوثي اليمنية، و"حزب الله" اللبناني، وقيادات في الحشد الشعبي العراقي.

وفي أكثر من مناسبة، ومنها زيارته إلى العراق قبل أسابيع من انتخابه، أكد رئيسي خلال اجتماعاته مع قادة الفصائل الحليفة لإيران، دعم بلاده لما يُسمّي باسم "محور المقاومة" في العراق وسورية ولبنان واليمن وقطاع غزة.

وخصّ رئيسي قادة الفصائل المذكورة، بلقاءات مع عدد منهم، أكد خلالها على مواصلة إيران دعمها لهذه الفصائل التي ينظر إليها على أنها الأذرع المسلحة للمشروع الإيراني في المنطقة.

ومن المحتمل أن تركز إيران مستقبلا على دعم الفصائل المسلحة الحليفة لها في العراق وسورية، لإرغام القوات الأميركية على الانسحاب من البلدين.

وكرّر رئيسي في خطاب القسم، تعهده بتفعيل الدبلوماسية لرفع العقوبات، وإعطاء الأولوية لتوسيع العلاقات مع دول المنطقة.

وإلى جانب أزمة المياه في جنوب غرب إيران والاضطرابات التي شهدتها مؤخرا، وتداعيات جائحة كورونا، واستمرار العقوبات الأميركية وعقوبات الأمم المتحدة، ستظل مفاوضات فيينا تمثل التحدي الأكبر للرئيس الإيراني الجديد، الذي سيكون عليه خلق توازنات جديدة في علاقات بلاده مع الدول المعنية بالاتفاق النووي ودول عربية مثل السعودية، التي يعتقد مراقبون أن طهران ستحاول تطبيع علاقاتها معها كإحدى بوابات الوصول إلى واشنطن.

بالإضافة إلى مفاوضات فيينا "المتعثرة" حول الملف النووي، هناك اتهامات من إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى بمسؤولية إيران عن الهجوم على سفينة الشحن "ميرسر ستريت" المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي نهاية الشهر الماضي.

وتنفي إيران رسميا صلتها بالهجوم على السفينة الإسرائيلية على الرغم من أن وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية أعلنت فور وقوع الهجوم، أنه جاء ردا على هجمات إسرائيلية على قاعدة عسكرية سورية يستخدمها الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" في بلدة القصير بريف حمص قرب الحدود مع لبنان، وهي الهجمات التي أسفرت عن مقتل قيادي في "حزب الله" هو عماد الأمين، وقائد لواء فاطميون المرتبط بالحرس الثوري، سيد أحمد قريشي.

ونقلت وسائل إعلام غربية أن الطائرات المسيرة التي نفذت الهجوم على السفينة الإسرائيلية انطلقت من اليمن من مناطق تخضع لسيطرة جماعة الحوثي الحليفة لإيران.

وجاءت تصريحات السفير الإسرائيلي في واشنطن، غلعاد إردان التي تحدث فيها "لأول مرة" عن رغبة بلاده بتغيير نظام الحكم في إيران على خلاف السياسات الإسرائيلية طيلة سنوات، والتي كانت تركز على حشد المجتمع الدولي لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، ووقف دعم الجماعات المسلحة الحليفة لإيران في سورية والمنطقة.

ومع انفراد إسرائيل بصدارة الدول الداعية للرد العسكري على إيران وتردد الولايات المتحدة والدول الأخرى، فإن إيران ستجد نفسها أكثر اندفاعا في تنفيذ المزيد من الهجمات على السفن المملوكة لإسرائيل كإحدى وسائل الرد المتاحة على الضربات الإسرائيلية على مواقع تابعة للحرس الثوري في سورية، أو قوى حليفة له في لبنان.

وتشعر إسرائيل بخيبة أمل من تضامن الولايات المتحدة والدول الأخرى المعنية بقضية استهداف السفينة، ورغبة إسرائيل بالرد العسكري، ووقوف الولايات المتحدة ضد هذه الرغبة مفضلة "الرد الجماعي" الذي يبدو، بحسب متابعين، أنه سيقتصر على الوسائل الدبلوماسية عبر مجلس الأمن الدولي.

واتهمت الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا ومجموعة الدول السبع، إيران بالمسؤولية عن الهجوم على السفينة الإسرائيلية، وهي الاتهامات التي ترفضها إيران. كما يُعتقد بتورط مسلحين إيرانيين باختطاف ناقلة نفط قبالة سواحل الإمارات.

وتتهم المعارضة الكردية الإيرانية مخابرات إيران، بالمسؤولية عن اغتيال قيادي كردي معارض في أربيل بالعراق.

وتبادلت إسرائيل و"حزب الله" الحليف الأقوى لإيران، القصف، في المناطق الحدودية، جنوبيّ لبنان.

وقد لا تختلف التصريحات التي أعلنها الرئيس "المتشدد"، رئيسي، عن سلفه "المعتدل" حسن روحاني في الرغبة بتخفيف حدة التوترات في المنطقة، وإعادة تطبيع علاقات إيران مع دولها، وبخاصة السعودية التي تغيبت عن حضور حفل تنصيب رئيسي.

وفي حفل تنصيبه في 5 آب/ أغسطس، قال رئيسي إن أزمات المنطقة لا يمكن حلها إلا من خلال حوار حقيقي بين دول المنطقة وضمان حقوق شعوبها.

كشف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية في 9 آب/ أغسطس، عن جولات عدة من المحادثات مع السعودية للتوصل إلى رؤية مشتركة من خلال الحوار، معتبرا أنه "ليس من الضروري حل جميع نقاط الخلاف، لكن التوصل إلى نتيجة سيكون ممكنا".

لم تحضر السعودية مراسم تنصيب رئيسي، لكنها ستظل حريصة على استمرار المحادثات مع إيران لإيجاد مخرج لها من الحرب في اليمن، والتوصل إلى تسوية سياسية بإشراف الأمم المتحدة، تلعب فيها إيران دورا في الضغط على جماعة الحوثي الحليفة لها والتي لا تزال تُتهم بعرقلة جهود الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

وشهدت الأيام القليلة الماضية خلال مراسم تنصيب رئيسي، سلسلة من الحوادث التي ينظر إليها بأنها بداية عهد جديد من التصعيد الإيراني المباشر أو عبر القوى الحليفة له مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

ستواصل إيران سياساتها التي حظيت بتأييد المرشد الأعلى في ما يتعلق بفتح حوارات مع السعودية برعاية العراق، ومفاوضات الملف النووي التي يتوقع مسؤولون غربيون أن تستأنف خلال هذا الشهر.

ويتوقع مراقبون أن تشهد السياسة الخارجية الإيرانية، بعض التحولات باتجاه التهدئة مع دول المنطقة وإسرائيل، لمعالجة الأزمات الداخلية التي تعاني منها إيران. لكن هذه التوقعات تصطدم بسلسلة من الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال هذه الأيام، وآخرها تبادل القصف المدفعي والصاروخي بين "حزب الله" وإسرائيل، واتهامات وجهتها المعارضة الإيرانية بمسؤولية جهاز المخابرات عن اغتيال معارض إيراني في أربيل بالعراق، في 7 آب/ أغسطس.

قد لا يؤدي التغيير في الرئاسة إلى تحولات في علاقات إيران مع الدول الإقليمية، أو في سياساتها الخارجية التي يرسم خطوطها العريضة المرشد الأعلى علي خامنئي. لكن سيكون للحرس الثوري نفوذ أوسع في مؤسسات الدولة ومؤسسة الجيش، بعد وصول رئيسي المقرب من الحرس والداعم لتوجهاته ونشاطاته خارج الحدود الإقليمية للدولة الإيرانية، من خلال فيلق القدس التابع للحرس.