صحيفة عبرية: إلى منتقد “زعيم الترانسفير”.. ماذا لو انتصر الحاج أمين الحسيني؟

الجمعة 06 أغسطس 2021 09:58 م / بتوقيت القدس +2GMT
صحيفة عبرية: إلى منتقد “زعيم الترانسفير”.. ماذا لو انتصر الحاج أمين الحسيني؟



القدس المحتلة /سما/

هآرتس - بقلم: يارون لندن             "كل شخص لديه شبح يطارده. في ملحق “هآرتس” الأخير (30/7) نشر مقال كتبه عودة بشارات، يرتكز على صورة أخذت من “علبة زرقاء”، وهو الفيلم الوثائقي الممتاز لميخال فايتس. هذا الفيلم يرتكز على السيرة الذاتية لجد والدها يوسف فايتس، “منقذ الأراضي” ورئيس “الكيرن كييمت”، الذي غطى وجه البلاد بالغابات. يقف في الصورة على قطعة أرض قفراء وفي يده خارطة ويشير إلى الداخل. وقف إلى جانبه شخصيان يرتديان البدلات؟

يلفت بشارات انتباهنا إلى أنه وراء ظهر صاحب البلدية على يسار فايتس ظهر شخص يرتدي كوفية وعقالاً. شخصية أخرى، تقريباً مخفية تماماً، تقف وراء ظهر الزعيم طويل القامة. حدس بشارات يقول له إنها امرأة. تفسير الصورة: “يوسف فايتس أثناء شراء أرض في الأربعينيات”. العنوان الفرعي في القائمة هو “أنا أنظر إلى صورة يوسف فايتس، أبو الترانسفير، وأسأل ما الذي كان يدور في ذهنه عندما حسم مصير قرى كاملة”. جمل لها مضمون مشابه تظهر في متن المقال: “قوة عليا، على صورة إنسان استحواذي يهدم حياة مئات آلاف البشر”.

كان المقال ممتعاً بالنسبة لي، لأنه يمثل خضوع الصورة ونظرات العيون لوجهات النظر المبكرة. من الواضح للكاتب أن فلاحاً وفلاحة من العرب يقفان خلف الأسياد الذين يرتدون البدلات، واضطرا لبيع أرضهما الرقيقة لليهود، أو حتى أقنان، تم طردهم من أرضهم من قبل طاغية لا ضمير له. من هنا تتدحرج ذكرياته إلى قرية معلول قرب الناصرة، التي طُرد منها آباؤه في 1948. الصورة التي أمام ناظريه هي ملخص غرافيكي لكارثة الفلسطينيين التي حدثت تحت غطاء شراء أراضي فلسطين من قبل اليهود. هذه نكتة مؤثرة ومتحررة من الخضوع للحقائق. لكن، أنا اليهودي من أصول صهيونية، أعجبت بالصورة بتأثير ترسبات ذكرياتي.

في البداية، انجذبت للتاريخ الذي هو بهذا القدر أو ذاك، بداية الحرب العالمية. ففي حينه، قتل جدي وجدتي الصهاينة من قبل جيرانهم. فكرت بيوسف فايتس كطلائعي يشتري موطئ قدم للشعب اليهودي. رأيت في الصورة أرضاً قفراء وعرباً يوافقون على صفقة جيدة: أموال نقدية مقابل أرض سيئة. أعرف من هم السادة الذين يرتدون البدلات، الذين يقفون إلى جانبهم. كان أحدهم ممثل الأفندي، بائع الأرض.

بعد ذلك، توجهت إلى الحقائق. يتولد من مقال بشارات انطباع بأن شراء أراضي العرب وطرد الفلاحين الذين كانوا يعيشون على الأرض التي اشتريت، هو أصل كارثة الفلسطينيين. لذلك، يجب الإشارة إلى أن اليهود قد اشتروا حتى العام 1949 نحو 5.7 في المئة من أراضي، أرض إسرائيل الغربية، التي مساحتها 28 مليون دونم. الأملاك العربية الخاصة كانت حوالي 48 في المئة من مساحتها، والأراضي التي كانت بملكية الدولة امتدت على 46 في المئة من أراضيها. لجنة بيل (التي تشكلت في 1936، والتي تعلمنا بأنها كانت لجنة تنكل باليهود) صادقت على ادعاء اليهود بأن معظم الأراضي التي اشتريت من قبلهم لم تكن أراضي مفلوحة. عدد قليل من البائعين الكثيرين كانوا من أبناء عائلات فلسطينية معروفة تميزت بمعارضة الحركة الصهيونية. ولكنهم لم يصمدوا أمام إغراء صفقة جيدة. عائلات الحسيني، والعلمي، والنشاشيبي، اعتبرت ضمن الأسماء المعروفة. أصحاب المساحات الأوسع كانوا يعيشون في بيروت، وعلى رأسهم أبناء عائلة سرسك، وهي عائلة عربية مسيحية غنية، حصلت على مساحات واسعة في أرضي إسرائيل مقابل قروض أعطتها لبلاط السلطان العثماني. بين الأعوام 1910 – 1925 باع أبناء عائلة سرسك نصف مليون دونم تقريباً في مرج بن عامر. وحسب تقرير لجنة بيل، تم إخلاء 8730 شخصاً من أبناء عائلات فلاحين في أكبر صفقة. وقد تم دفع تعويضات لعدد منهم رغم أن القانون ألقى مسؤولية الإخلاء على البائعين. وإذا كان الأمر هكذا، فلا يمكن أن يكون يوسف فايتس قد تسبب بصورة غير مباشرة بـ “هدم حياة مئات آلاف الأشخاص”.

بالنسبة لمعلول، وهي القرية التي طرد منها والدا بشارات، وجدت وثيقة قدمها سليم فارة، ابن رئيس بلدية الناصرة، للجنة “شو” البريطانية (1929)، كتب فيها أنه في العام 1921 باع نجيب والبرت سرسك 16 ألف دونم مقابل 47 ألف جنيه إسترليني. ومن بين قسائم الأراضي التي بيعت، أراضي معلول التي بنيت عليها “نهلال”. مع ذلك، لم يتم إخلاء سكان معلول في ظل هذه الصفقة، بل أثناء معارك في الجليل عام 1948 ضد الجيش السوري لفوزي القاوقجي. أقيم على جزء من أراضي القرية موقع عسكري، وجزء آخر تم نقله إلى “كيبوتس كفار هحورش”.

 لم يكن  فايتس “أبو الترانسفير”. لأن فكرة تهجير مئات آلاف العرب من الأراضي التي خصصت للدولة العبرية تراكمت في عقول آباء الصهيونية حتى قبل وعد بلفور. ولا يوجد زعيم صهيوني مهم، سواء من اليمين أو اليسار، من الأوائل أو الأخيرين، إلا وناقش الترانسفير. وعدد كبير منهم اعتبروه أمراً ملزماً. ولكن بشكل عام فكروا بترانسفير طوعي، وإعطاء تعويضات والتخطيط لدمج اللاجئين في أماكن إقامتهم الجديدة.

إن نقل عدد كبير من الأشخاص من مكان إلى آخر من أجل تسوية نزاعات إقليمية على الأرض لم يكن أمراً نادراً في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية. لذلك، أفترض أن شخصاً مثل يوسف فايتس، الصهيوني المتحمس، لم يتألم من التفكير بتهجير الفلسطينيين وإرسالهم إلى مكان آخر. لدي شعور غامض بأن العرب لو انتصروا في العام 1948 لما كان الحاج أمين الحسيني سيتألم قبل اتخاذ قرار مشابه أو قرار أكثر خطورة منه.