كشف الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي اليوم الأثنين، زياد النخالة في حديثه لـ"عربي21" عن العديد من التقديرات والمواقف التي تتبناها حركة "الجهاد"، وأجاب عن العديد من الأسئلة التي يتداولها الفلسطينيون أو تشغل الشارع الفلسطيني.
وأدلى النخالة بتقييم شامل للحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، مؤكداً أنها "إنجاز وطني معتبر"، وإن كان يتجنب التعامل مع نتائج الحرب على أنه "انتصار"، لكنَّ الأهم من ذلك أن النخالة يؤكد على ضرورة "عودة الاشتباك مع الاحتلال في الضفة الغربية"، ويرى أن فصائل المقاومة أمام هذه المهمة.
ورداً على سؤال عن مستقبل المصالحة الفلسطينية والدور الوسيط الذي يمكن أن تلعبه حركة الجهاد الإسلامي في التقريب بين حركتي فتح وحماس، جاء الرد غير المتوقع على لسان النخالة، بالتأكيد أن "المصالحة غير ممكنة، وأن أي وساطة في هذا الإطار ليست سوى تضييع وقت"، متسائلاً: "كيف يُمكن الجمع بين برنامجين متناقضين، أحدهما يتبنى المقاومة والآخر يرفضها؟".
وحول إمكانية التسوية مع الاحتلال، يؤكد النخالة أنها "مستحيلة"، وأن حركة الجهاد الإسلامي كانت تتوقع منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 أن هذا المسار سوف ينتهي إلى الفشل، وسوف يؤدي بالفلسطينيين إلى هذا المأزق دون أن يصل بهم إلى بناء الدولة الفلسطينية، ويُفسر النخالة ذلك بالقول: "كل من يطرح التسوية مع الاحتلال ويعتقد بأنها ممكنة فهو لا يفهم طبيعة المشروع الصهيوني".
ويخلص النخالة إلى تأكيد أن "إقامة دولة فلسطينية لا يمكن أن تتم إلا عبر تغيير موازين القوى وعبر المقاومة"، مؤكداً أن مسار التسوية لا يمكن أن يؤدي إلى أن ينال الفلسطينيون حقوقهم، ولا أن يُقيموا دولتهم.
وفيما يلي النص الكامل مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة:
الحرب على غزة ونتائجها
* هل نستطيع القول أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة انتهت بانتصار المقاومة؟
- هذه الحرب لها ميزة عن غيرها من الحروب السابقة، بأن أحدثت تغييراً في الوعي العربي والوعي الفلسطيني، وأيضاً تغيير في الوعي الإسرائيلي، حيث تمكنت من كيّ الوعي الإسرائيلي من جهة وبالمقابل رفعت من مستوى الوعي العربي والفلسطيني وأصبح الكل يدرك بأن إسرائيل لم تعد تلك التي كنا نعرفها في السابق، أي إسرائيل العظمى القوية المتنمرة على العالم العربي وصاحبة الجيش الذي لا يُقهر. كل هذه الأشياء كانت قد أوجدت فكرة في العقل العربي بأن هذه دولة لا يُمكن هزيمتها. وهذا كله تغير، فقد أحدثت هذه الحرب نقلة نوعية في العقل العربي والفلسطيني وهذا يتحقق في هذه الحرب لأول مرة.
بعد هذه الحرب أصبح لدى العرب والفلسطينيين إحساس بأن إسرائيل من الممكن هزيمتها، أما الإسرائيلي فأصبح مدرك بأنه يعيش في دولة مهددة ليس فيها أمان، وهذا أمر مهم لأن "المشروع الصهيوني" قام على قاعدة أنه "فرصة حياة" - صحيح أن "المشروع الصهيوني" كان خلفه أيضاً أيديولوجيا لكنها أيضاً لم تكن كافية لتحشد كل هذا العدد، إذ نسبة كبيرة منهم جاؤوا بناء على وجود "فرصة حياة". ولذلك كله فهذه الحرب خلقت عند الإسرائيلي شعور طوال الـ11 يوماً بأنه تحت التهديد. ولاحظنا كيف أن كل الإسرائيليين تقريباً نزلوا إلى الملاجئ، وكانوا في الشوارع يحتمون بالأرض لمجرد سماعهم صفارات الإنذار، وهذا كله أحدث كيّاً في العقل الإسرائيلي ووعياً في العقل العربي، ومن هنا أنا أقول بأن ما أحدثناه في هذه الحرب لا أستطيع أن أقول عنه انتصاراً ولكني أقول إنه إنجاز مهم في طريق تحرير فلسطين، وهو طريق ليس قصيراً.
لا أقول عنه انتصار بالطريقة التي يتم الحديث عنها في الإعلام بالمبالغة الكبيرة، لأننا ما زلنا نراوح في نفس المكان ونفس الجغرافيا، وإسرائيل تمارس عدوانها وتفعل كل ما تريده، وما زالت تحاصر قطاع غزة وتواصل ممارساتها ضد المسجد الأقصى. كما أن إسرائيل تحاول ترتيب أوراقها بعد الحرب بأن تقنع الآخرين بأن لا شيء تغير، وتحاول أن تُفقد هذا الإنجاز قيمته. وأنا أعتقد أننا الآن في معركة الحفاظ على هذا المكتسب. ويجب أن يظل الناس مقتنعون بالتغيرات التي حصلت.
* لكن الحديث الآن يدور عن اتفاق بين حماس والاحتلال يُعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 11 مايو..!
- إذا حصل ذلك فهذا يعني أننا لسنا أمام انتصار.. أنا لذلك أقول بأننا نستطيع أن نطلق على ما حدث اسم "إنجاز" بحجمه الواقعي أكثر من كلمة "انتصار".
* لكن هناك خشية من أن تكون إسرائيل نجحت بعد شهر ونصف من الحرب في أن تنزع الدسم من هذا الإنجاز.. ما رأيك؟
- هم يحاولوا ذلك فعلاً. وهذا مستمر بسلوكهم اليومي وممارساتهم التي لم تتغير. وأنا أعتقد أن هناك جهود كبيرة وتحدثت خلال المعركة أيضاً بأننا سنكون أمام معركة سياسية كبيرة ومهمة، وسيكون هناك محاولة إسرائيلية لإفراغ هذا الإنجاز من محتواه ونعود مرة أخرى للمربع الأول.
وأمامنا أيضاً معركة سياسية نخوضها الآن، حيث عندما نقول اليوم أن الأمور ستعود إلى ما قبل الحرب فهذا يعني أننا لم نحقق شيئاً، ولم نحقق الانتصار الذي يجري الحديث عنه. ولذلك فيجب أن نضع ما حدث في إطاره الطبيعي، وهو أنه إنجاز ويجب الحفاظ على هذا الإنجاز وأن نبني عليه كل ما سيأتي لاحقاً.
* هل نستطيع القول بناء على ذلك أن فصائل المقاومة تفتقد لجهاز سياسي لديه نفس الكفاءة التي لدى الجهاز العسكري.. أي أن المقاومين يحققون إنجازاً على الأرض بينما لا يجدون جناحاً سياسياً يحصد هذا الإنجاز؟
- البيئة الفلسطينية فيها الكثير من التعقيدات، من بينها تعدد الفصائل والانتماءات، وكل فصيل يضع رؤيته وله خطابه وميزاته. لدرجة أنني أستغرب بعض الخطابات التي تضع مبالغات كبيرة، لكن في النهاية كل فصيل لديه نمط معين في التعبير عن موقفه. وفي النهاية فان العرب والفلسطينيين لديهم شعور بأنه حدث أمر مهم، وهم يقدروا ما حصل، وتفاعلوا معه على كل المستويات. أنا ما أخشاه هو أن يعود الناس إلى المربع الأول عندما يتساءلوا كيف تستمر المعاناة ويستمر الحصار بينما كنتم قبل شهر واحد فقط من الآن تتحدثون عن انتصار.
لذلك أفضل شيء هو أن نتحدث إلى الناس بحجم ما أنجزناه، لا أن نعطي الناس جرعة أكبر مما حدث في الواقع، وهنا أعتقد أنه كان يوجد خلل في خطابنا الإعلامي الموجه لعامة الناس، وأنا دائماً أحاول الاكتفاء بالحديث عن إنجاز معنوي وليس مادي بحجم الانتصار.
* لكن لو توصلت المقاومة إلى صفقة تبادل أسرى، فهل تعتبر أن هذا سيكون إنجازاً كافياً؟
- إذا كنا نتحدث عن انتصار فان مشروعنا هو تحرير فلسطين، أما موضوع الأسرى فاذا حدث سيكون إنجازاً مهماً لكل الشعب الفلسطيني، ولكن الحديث عن الانتصارات يختلف لأن صراعنا مع "المشروع الصهيوني" معقد وكبير.
* لكن تجاربنا السابقة هو أن إسرائيل تعيد اعتقال الأسرى المحررين أو تقوم بإبعادهم.
- حتى لو حدث ذلك فيظل إنجازاً. صحيح أن إسرائيل اعتقلت عددا من الأسرى الذين خرجوا في التبادل الأخير، لكن يجب أن لا ننسى أن إسرائيل أطلقت أكثر من ألف أسير فلسطيني. تم إعادة اعتقال عشرات فقط ممن كانوا في الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة الاحتلال. لكنَّ العدد الذي خرج من السجون لم يكن بسيطاً. وأنا أعتقد أن أحد مهماتنا هو تحرير الأسرى من السجون، فهذا أمر مهم جداً.
المصالحة الفلسطينية.. إلى أين؟
* بالانتقال إلى ملف المصالحة الفلسطينية والانقسام الداخلي.. ما هو دور حركة الجهاد في التقريب بين حركتي حماس وفتح؟ هل لعبتم دوراً من أجل إنجاز المصالحة؟
- اصطلاح المصالحة جاء كتسمية لما حدث وكأنه خلاف بين قبيلتين، لكن الصحيح هو أنَّ الخلاف في الساحة الفلسطينية هو خلاف على البرامج والرؤى السياسية، وهذا الخلاف انعكس على الميدان. وعند الحديث عن مصالحة نجد أنفسنا أمام معركة برامج ولسنا أمام طرفين اختلفا واختصما وحدث مشكلة بينهما ويمكن أن ينتهي بالتسوية.
* هل أفهم من كلامك بأن المصالحة غير ممكنة بين فتح وحماس؟
- نعم نعم. أنا أقول أن هناك جهود عبثية تُبذل في هذا المجال، وأصبح هناك ثرثرة سياسية أكثر مما ينبغي في هذا الملف. المفروض أننا نتحدث عن برامج ورؤى وكيف ندير صراعنا مع "المشروع الصهيوني"، وعندما نتحدث عن مصالحة نحن نخفي الحقائق، لأنه ثبت عملياً أن المسألة ليست في أن هناك طرفان ويجب أن يتصالحا، ولكننا أمام مشروعين متناقضين تماماً، فلا يوجد اتفاق على ماذا تمثل إسرائيل بالنسبة لنا، هل هي عدو أم جار أم ماذا؟.. حتى توصيف إسرائيل نحن لسنا متفقين عليه كقوى سياسية.
وعندما نطرح برنامجا سياسيا يقوم على السلام مع إسرائيل، فهذا يعني أن إسرائيل دولة نعترف بها ونحن وإياهم جيران، ويجب أن نخلق اتفاق سلام بيننا، في حين أنه في الأصل قام مشروعنا الفلسطيني على تحرير فلسطين على اعتبار أن فلسطين أرض تحت الاحتلال وأن هذا "المشروع الصهيوني" وجد على حساب الشعب الفلسطيني وأن "المشروع الصهيوني" قام بطرد هذا الشعب من هذه الأرض. وقد تم إنشاء منظمة التحرير على هذا الأساس وهذه القاعدة، واكتسبت اسمها أيضاً من مشروعها.
لكن عندما فقد المشروع الوطني الفلسطيني هويته الحقيقية القائمة على تحرير فلسطين، ذهب إلى تحوير اللغة. أنا أتحدث عن برنامج منظمة التحرير الذي بدأ بفكرة تحرير فلسطين كل فلسطين، وبالتدريج أقنع الفلسطينيون أنفسهم وأوهموا أنفسهم بأنه يجب أن نتكيف مع الظروف الدولية، ونخفض من سقف رؤيتنا. ربما بسبب ضعف أو ظروف دولية أو أفكار جديدة دخلت عليهم.
* لكن هل هذا ينطبق على حركة حماس أيضاً التي أصدرت "الوثيقة السياسية" سنة 2017؟
- نعم هذا ينطبق على كل طرف يمكن أن يتخيل في لحظة من اللحظات أنه حتى نرضي العالم يجب أن نقدم أنفسنا بشكل واقعي يجعل العالم يقبل بنا.
ولذلك فان الرؤية الفلسطينية التي قامت على فكرة القبول بإسرائيل وتقديم برامج سياسية تقبل بالطرف الإسرائيلي، إنما هذه أوهام نحن خلقناها.
وعلى سبيل المثال، فلم يُقدم أحد للفلسطينيين حل حتى نقول إن كنا نقبل أو نرفض. لم تطرح أي دولة في العالم على الفلسطينيين مثلاً أن يأخذوا دولة في الضفة وغزة والقدس ضمن اتفاق سلام، نحن الذين خلقنا هذا الوهم على أمل أن يقتنع بنا العالم ويساعدنا في تحقيق هذا الإنجاز. لكن في نفس الوقت عندما نأخذ هذه الخطوات نفقد فهمنا "للمشروع الصهيوني"، ولذلك أنا أقول دائماً أنه يجب أن نعيد قراءة "المشروع الصهيوني" ونبني على قراءتنا هذه برامجنا الوطنية.
"أنا أعتبر أن كل طرف يطرح فكرة التسوية مع إسرائيل فهو لا يفهم "المشروع الصهيوني"، فكل طرف يقبل بالحل مع إسرائيل فهو غير مدرك للمشروع الصهيوني، لأن الطرف الآخر غير جاهز للحل ولا يقبل به".
في الطرف الآخر لا يوجد أي برنامج يتضمن حلاً للشعب الفلسطيني، ولذلك فكل البرامج التي طرحها الفلسطينيون جاءت من موقع الضعف وليس القوة، وعلى أمل كسب تعاطف دولي وإقليمي.
أنا أعتقد أن الحل الوحيد الذي تم طرحه على الفلسطينيين هو صفقة ترامب، وقبل ذلك فلا أحد طرح مشاريع، صحيح هناك قرارات دولية سابقة لكنها جميعاً تتضمن اعترافاً بحق الشعب الفلسطيني وليس مشروعاً للحل أو التسوية.
وعلى سبيل المثال، الدول العربية قدمت ما يُسمى "مبادرة السلام العربية"، وهذه المبادرة جاءت بعد أن يئس النظام الرسمي العربي، بما فيه منظمة التحرير، في أن يُحقق أي إنجاز وأن يأخذ أي شيء من إسرائيل، فجاءت هذه المبادرة التي تقوم على أن تأخذ إسرائيل كل ما تريد مقابل أن تعطي الفلسطينيين جزءاً من الأرض ويقيموا دولتهم عليها. لكن إسرائيل لم تقبل ذلك أيضاً، وهذا دليل أيضاً أنه لا يوجد عند إسرائيل أي استعداد للحل.
وأنا أقول إذا لم تقبل إسرائيل من العرب والمسلمين مجتمعين مبادرة للحل، فكيف يمكن أن تقبل من الفلسطينيين منفردين صيغة حل أو مشروع تسوية.
لذلك أنا أعتقد أنه لا قيمة لأي برنامج سياسي يتنازل عن حق الشعب الفلسطيني في كل فلسطين، وعندما يسلم الطرف الآخر أنه يوجد للفلسطينيين حق عندها يمكن أن يناقش الفلسطينيون إن كان هناك فرصة حل أم لا، وهل نقبل بالحل المطروح أم لا.
نحن يجب أن ندفع ثمن إحداث تغيير في عقل العدو إلى أن يستسلم إلى فكرة أنه لا خيار سوى بالاعتراف بالفلسطينيين وأن تدفع ثمناً، وإذا لم نوصل إسرائيل إلى هذا الوضع فبالتأكيد سنظل نراوح في نفس المكان. وكل المبادرات التي تُطرح الآن بأننا نقبل بدولة في حدود الـ67 أو نقبل بقرارات الشرعية الدولية أو غير ذلك كله رسائل في الهواء لا قيمة لها، ولا أحد يعطيها أي قيمة، وخاصة إذا درسنا كيف أنشيء "المشروع الصهيوني" لنجد بأنه تم تأسيسه بقرار من الدول الكبرى، وتم تعزيزه بالرؤية التوراتية، وهو مشروع غزو غربي وحققوا هذا الأمر وسيطروا على فلسطين والمسجد الأقصى.
هذا "المشروع الصهيوني" خلفه دول عظمى وليس نزوة لمجموعة من البشر، وما زال الغرب بأكمله يدعم هذا المشروع ويحافظ عليه امنياً وعسكرياً واقتصادياً. وعندما التقيت بوزير خارجية روسيا أبلغته بأن موسكو أيضاً تدعم "المشروع الصهيوني"، وأن الحديث الروسي عن حل فلسطيني لا قيمة له.
وبناء على هذا كله، فعلينا أن ننظر إلى إسرائيل على أنها مشروع الغرب في المنطقة الإسلامية، وأن القدس هي عنوان صراع حضارات وليس صراع جغرافيا بسيط، وهكذا يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها.
عندما نتحدث عن القدس فإننا نتحدث عن صراع الحق والباطل، وصراع الحضارات في المنطقة، وكل هذا التعقيد يتم اختصاره في الصراع على القدس، وعندما نتخلى نحن عن القدس فهذا يعني أننا نتخلى في الحقيقة عن مشروع الإسلام الحضاري في المنطقة، لأن القدس هي مركز كل شيء.
في الرؤية الأساسية فان القدس تعني شيئاً مهماً عند كل الديانات، ولذلك فان السيطرة عليها تعني أمراً مهماً عند كل حضارة في هذا العالم. وعندما يتهيأ لنا نحن بأننا من الممكن أن نتناقش ونتحاور حول هذه القضية فهذا خطأ، وأنا أعتقد أن الضعفاء لا يمكن أن يحصلوا على شيء بالمفاوضات. الحياة موازين قوى وليست مفاوضات، ولا فلان لديه لباقة اكثر ويستطيع تحقيق شيء.
الجغرافيا في العالم ارتسمت بموازين قوى وليس بمفاوضات، وهذه حقيقة ثابتة.
* بالعودة إلى تناقض المشاريع في الساحة الفلسطينية، واعتبار أن المصالحة لا يمكن أن تتم.. حركة الجهاد الإسلامي كانت حاضرة في كل اللقاءات.. ماذا يعني ذلك؟
- نحن جزء من المشهد الفلسطيني ولا نقبل أن تُطرح أي مسألة ونحن خارجها، ولكن أيضاً نسجل موقفنا في كل لقاء يتم عقده. كما أننا طرف غير محايد في هذا الخلاف بين فتح وحماس، فنحن جزء من البرنامج الذي يقول بأن فتح ومنظمة التحرير على موقف سياسي خاطئ ولا يتناسب مع رؤية الشعب الفلسطيني، وأن حماس اختلفت مع فتح بسبب البرنامج السياسي وليس خلاف على حُكم غزة مثلاً أو غير ذلك. لذلك نحن أوضحنا موقفنا من هذا الخلاف ونرى أن المقاومة هي الطريق الأصح والأصوب والأسلم في صراعنا مع "المشروع الصهيوني"، ونحن ضد البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الذي يقوم على التسوية. لكن في سياق ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني فنحن جزء من المشهد ويجب أن نشارك وندفع باتجاه أن يكون هناك جو مواتي أن يعيش الفلسطينيين في وضع أفضل ولكن ليس على حساب البرنامج السياسي وحقوق شعبنا.
* بنظركم ما هو مستقبل هذا التناقض بين المشروعين؟
- أعتقد بأن التناقض هذا سيستمر، وأعتقد أن هناك الكثير من الثرثرة السياسية تشهدها الساحة الفلسطينية، والصراع بين البرامج سيظل موجوداً ومعقداً. وعندما أقول منظمة التحرير فنحن نتحدث عن برنامج النظام الرسمي العربي، فهي نظير لأي نظام عربي آخر، كما أنها مطلب عربي لأنها تمثل العرب في مشروع التسوية مع إسرائيل، ولذلك سيظل العرب يحافظون على هذا الاطار وعلى موقفه، وبالمقابل سيظل كل من ينادي بمشروع آخر في الخارج.
النظام العربي هو طرف في المسألة، حتى وإن بدا أن أبو مازن هو الذي يفاوض. فلا مصر ولا أي دولة عربية توافق أن تأتي قوى تحمل برنامجاً مختلفاً لتكون جزءاً من بنية منظمة التحرير حتى لا تُحدث تغييراً في الداخل.
إصلاح منظمة التحرير.. هل هو ممكن؟
* هذا يفتح السؤال أمامنا حول فكرة إصلاح منظمة التحرير..
- هذا يفتح أمامنا السؤال عن إعادة بناء منظمة التحرير على أسس سياسية وتنظيمية جديدة. أي يجب أن تمتلك منظمة التحرير برنامجاً سياسياً مختلفاً. ولذلك نحن لماذا عارضنا الانتخابات لأنها جزء من برنامج سياسي تابع لمنظمة التحرير.
* هل تؤيد حركة الجهاد الإسلامي إعادة بناء منظمة التحرير؟ وهل تقبل أن تنضم للمنظمة؟
- في السابق كان الإسلاميون يتحدثون عن المنظمة على أنها إطار لا يمكن أن ننضم إليه، وحصلت حوارات كثيرة، وفي ظل انتفاضة العام 2000، والحوارات بين الفصائل التي تلت هذه الانتفاضة والتي استمرت حتى العام 2005 كانت كل الفصائل تلوم حماس والجهاد لرفضهما الانضمام للمنظمة، وكأننا نرتكب إثماً أو كبيرة، وفي النهاية قلنا أننا نقبل أن ننضم للمنظمة وإنما على أسس سياسية وتنظيمية جديدة، وفي حينها اعتبرت الفصائل أن هذا إنجازاً لأننا قبلنا من حيث المبدأ أن نكون جزءاً من اللعبة.
ولاحقاً لقبولنا تحول الحديث إلى ضرورة أن نلتزم ببرنامج منظمة التحرير حتى ننضم إليها. وهذا يعني أنه لا وجود لحماس والجهاد في المنظمة دون القبول ببرنامجها السياسي الذي يعترف بإسرائيل، والمحمي من السياسة العربية والدولية. لا يمكن أن يحدث ذلك.
* إذن هل يمكن أن يتم إعادة بناء المنظمة أو إصلاحها؟
- أنا أشك في ذلك، وحتى هذه اللحظة فهذا صعب. والسبب أن هذا البرنامج هو الذي تتبناه حركة فتح وهي مقتنعة أن التسوية مع إسرائيل هو البرنامج الصحيح.
* لكن فتح جربت هذا المسار.. ألا تسمعون تحولاً في لهجة فتح تجاه اتفاق أوسلو ومسار المفاوضات والتسوية؟
- هناك من ينتقد اتفاقات أوسلو نعم، لكنهم يعتقدون بأن الطريق للحل مع إسرائيل هو المفاوضات، وعلى قاعدة البرنامج السياسي لمنظمة التحرير، وهذا بمعزل عن اتفاق أوسلو هو البرنامج الذي تقدمه فتح للعالم ولا تستطيع أن تغادره، وإذا تركته تتحول إلى منظمة إرهابية وإن تمسكت به فلا تحقق شيئاً.
ولهذا أنا أعتقد أن منظمة التحرير قدمت تنازلاً مجانياً مقابل لا شيء، بل مقابل إحباط حالة البرنامج الفلسطيني السابق الذي كان ينادي بتحرير كل فلسطين. وهنا عندما نقول أنه يوجد برنامج فهذا يعني العمل على أساسه، فعندما تقول حركة فتح أن لدينا برنامج يقوم على أساس إقامة دولة في الضفة الغربية وغزة فهذا يعني أنهم يعملون على هذا الأساس، ويعبئون الشعب الفلسطيني على هذا الأساس. لكن الواقع أن الطرف الآخر، وهو إسرائيل يتعامل معنا على أننا إرهابيون حتى وإن قبلنا بذلك، كما أن النظام الرسمي العربي يتعامل معنا أيضاً كذلك، ولو طافت قيادة حماس والسيد إسماعيل هنية على كل الدول العربية فسوف يواصلون اعتبارنا إرهابيين ومخالفين للشرعية العربية والدولية وحتى الفلسطينية.
* بالانتقال إلى السلطة الفلسطينية.. كيف ترى حركة الجهاد الإسلامي الحل؟ هل ترون أنه من الممكن حل السلطة والعودة إلى ما قبل العام 1994؟ أم أن من الممكن تغيير وظيفة السلطة كما يطرح البعض؟
- أنا أردد دائماً أنه يتوجب علينا إعادة قراءة "المشروع الصهيوني"، وهذا يعني أن علينا إعادة قراءة مشروعنا الوطني، لأننا عندما ذهبنا إلى مسار التسوية مع إسرائيل فهذا كان يعني أننا لا نعرف ما هي إسرائيل ولا ما هو جوهر "المشروع الصهيوني". هذا المشروع يقوم على أن فلسطين هي إسرائيل، وأن القدس هي عاصمة لهم، كما أنهم يطلقون على الضفة الغربية اسم "يهودا والسامرة" وهذا هو أصل المشروع اليهودي في المنطقة العربية، وهذا يعني في المطاف الأخير أننا مختلفون على نفس الأيديولوجيا ونفس الأرض ونفس التاريخ. هم يزعمون أننا نحتل أرضهم منذ ثلاث آلاف سنة وأنهم حرروها منا نحن الفلسطينيين، ولذلك فكل السلوك الإسرائيلي يقوم على هذه الفكرة.
اليوم عندما يهاجمون سلوان وحي الشيخ جراح والتغييرات التي يقومون بها في مدينة القدس تقوم على افتراض أن هذه المدينة لهم بالكامل. ولاعتبارات سياسية فقط هم لم يقوموا بهدم القدس والمسجد الأقصى بشكل كامل حتى الآن، لكن لو بقيت موازين القوى كما هي وظلت الإرادة العربية بهذا الشكل وإذا تخلينا نحن الفلسطينيين عن المقاومة فإسرائيل لن تتنازل لا عن القدس ولا الضفة الغربية، ولا يمكن لأحد أن يعطي لأحد في العالم شيئاً بالمجان. هذا وطن ويحتاج تضحيات.
* السلطة الفلسطينية أصبحت تشكل أزمة للفلسطينيين، ورأينا ذلك في أكثر من محطة، ربما كان آخرها حادثة مقتل نزار بنات.. فما الحل من وجهة نظركم؟
- للأسف تداخلت حركة فتح مع السلطة، وأصبح كلاهما واحد، وفتح أصبحت الحزب الحاكم. نحن مختلفين مع السلطة على برنامج سياسي، إذ لدى السلطة برنامج يقوم على السلام مع الاحتلال، ولا زالت تعلق آمالاً كبيرة في الهواء، لكن السبب العملي في وجود هذه السلطة أن حركة فتح أصبح لديها عملياً سلطة على الأرض، ولديها شكل من أشكال "الدولة الهلامية" وترتب عليها وظائف ونفوذ وشرعية وتعاملات، وكل هذه الامتيازات ستخسرها فتح إذا تخلت عن السلطة أو إذا غيرت برنامجها. فإذا سحبت السلطة اعترافها بإسرائيل فسوف يتخلى عنهم الاحتلال ويبحث عن غيرهم ليحل مكانهم. لذلك أبو مازن قبل نحو عامين دخل أبو مازن في صدام مع إسرائيل عندما صادروا جزءاً من أموال الضرائب بسبب مخصصات ورواتب المعتقلين، بعد فترة أبو مازن تراجع لأن السلطة شعرت بأنها لم يعد لها أي قيمة، ومن ثم اضطرت وعادت للعب الدور الإداري والأمني الذي تقوم به.
علينا أن نفهم بأن للسلطة دور وظيفي محدد وعندما نتحدث عن تغيير في البرنامج أو الوظيفة فهم أنفسهم يعترفون بأن هذا سيفقدهم مبرر وجودهم، وأن لا خيار سوى التعايش مع هذا الوضع.
أما على المستوى الدولي فناك قليل من التعاطف مع الفلسطينيين على أنه شعب وقع عليه ظلم، لكن لا يستطيع هؤلاء المتعاطفون أن يقدموا أي شيء، لأنه في الأصل لن تقوم الدول الغربية بفعل الفكرة ونقيضها، إذ أنهم مع وجود دولة إسرائيل ومع وجود هيمنة لها. أضف إلى ذلك أن الإسرائيلي مقتنع بأنه أي تغيير في الضفة الغربية لصالح الفلسطينيين هو تهديد لمستقبل دولة إسرائيل تماما.
* هل لدى حركة الجهاد استراتيجية لإعادة الاشتباك المباشر بين الفلسطيني والاحتلال في الضفة الغربية؟
- طبعاً، هذا هو الهم اليومي لحركات المقاومة، لكن متى يتم إنجاز ذلك لا نعرف، الكل يعمل من أجل إنجاز ذلك، وأيضاً نأمل أن تحدث تغيرات أيضاً في بنية حركة فتح، والوضع الراهن لن يظل على حاله، فطالما الشعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال فما هو خيار أي شعب يعيش تحت الاحتلال؟ بالتأكيد مقاومة الاحتلال أو أنه سيقبل بالعيش تحت الاحتلال، ونحن بطبيعة الحال لدينا ثقة بأن الشعب الفلسطيني لن يقبل العيش تحت الاحتلال للأبد.
الانتخابات الفلسطينية.. صواب أم خطأ؟
* حركة الجهاد رفضت المشاركة في الانتخابات الفلسطينية، وكان موقفاً لافتاً، ما هي أسباب تحفظكم على الانتخابات؟
- أولا الانتخابات هي رسالة خاطئة من الشعب الفلسطيني إلى المجتمع الدولي والعالم كله، فعندما تتحدث عن انتخابات فهذا يعني أنه يوجد دولة مستقلة وشعب حر ويمارس حياته الديمقراطية، وعلينا أن نلاحظ أنه خلال فترة الانتخابات كان الكل يتساءل عما يجري من حملات انتخابية وقوائم ومرشحين وخلافه، فبدا المشهد وكأننا أمام دولة ديمقراطية بامتياز، في حين أنه يوجد في الضفة الغربية 600 حاجز عسكري، ويوجد 800 ألف مستوطن مسلح، وعندما تمارس كل هذه "الزفة الانتخابية" فأنتَ تقوم بتضليل الشعب الفلسطيني وتضليل العالم بأن تصور لهم أنَّ لدينا دولة ونعيش في أجواء ديمقراطية، وهذا ليس صحيحاً، الصواب هو أننا تحت الاحتلال ويجب أن نقول للعالم أننا شعب تحت الاحتلال. لذلك عندما تقوم بتنظيم الانتخابات فأنت تقول للناس أننا بخير ووضع جيد ولا نواجه احتلال ولا حصار ولا معاناة.
من هنا نحن شعرنا في حركة الجهاد الإسلامي أن الشعب الذي يعيش تحت الاحتلال يجب أن تظل أولويته مقاومة الاحتلال لا أن يكون لديه برنامج انتخابي. الانتخابات تُضفي شرعية على الوضع القائم وتُكرس الاحتلال.
* هل كان تقديركم بأن الانتخابات سوف تؤدي إلى مزيد من الانقسام الداخلي الفلسطيني؟
- الضعف يخلق أوهام، فعندما تكون ضعيفاً كأن تكون مسجوناً في زنزانة تبدأ تتوهم بأنني لو فعلت كذا يمكن أن أتحرر، ولو فعلت كذا ربما يحدث كذا، لكن في النهاية فان الأوهام تُفقدك البوصلة الأساسية. يجب أن نتذكر دوما بأن إسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية، بما فيها الضفة الغربية والقدس، ويجب أن لا يظن أي فلسطيني أن إسرائيل يمكن أن تعطينا القدس أو الضفة وهي بهذه القوة وضمن موازين القوى الحالية. هذا غير ممكن. هم يمكن أن يعطونا فقط إذا استطعنا تغيير موازين القوى، أي أن يشعر كل إسرائيلي أن حياته في هذا المكان غير ممكنة، عندها سيبحث الإسرائيليون عن حل.
حالة الاشتباك مع الإسرائيلي، ولو بالحجر فقط أو الصاروخ الصغير، تهدف إلى أن يُصبح الإسرائيلي العادي مقتنع أنه في مشكلة ويبدأ بالمطالبة بحلها، ولذلك يجب خلق حالة عدم استقرار في هذا المجتمع من أجل دفعه إلى هذه الحالة. يجب أن نخلق هذه البيئة التي يقتنع فيها الإسرائيليون أن لا فرصة حياة لهم على هذه الأرض لأن فيها شعب آخر مستعد أن يقاتلكم إلى ما لا نهاية، وعندها تتولد القناعة لدى الاحتلال بأن استمراره هنا غير ممكن. أما عندما يجد المحتل أن هذا الشعب يقبل أن يعمل عنده ويتعايش معه ويتعامل معه ويعترف بهم فلن يغادر الاحتلال.
نحن واجبنا كحركات مقاومة تتخذ من الإسلام موجهاً أساسياً لها هو أن يكون لدينا نماذج ونستدعي التاريخ، ولك أن تتخيل أن القران الكريم كان قد نزل للتو على النبي والله يقول له: "يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال"، وحينها كان المسلمون مجموعات صغيرة في أوضاع صعبة ولا يجدون حتى ما يأكلونه. نحن كحركات مقاومة علينا تحريض الناس على قتال الاحتلال، وهذه مهمتنا وليس مطلوباً منا النظر إلى النتائج.
* هل تعتقد أن حركة حماس تعرضت للخداع عندما وافقت على الانتخابات؟
- لا لم يتم خداع حماس.. لا.. المسائل تصبح بالعدوى. ففي العالم تحدث إغراءات، وقد تصل في بعض الحركات السياسية أن يعتبروا بأن عقد لقاء مع السفير الأمريكي أو البريطاني مثلا هو إنجاز، وهذه تخلق أوهام بأن اجتماعا مثلا مع مسؤول أجنبي قد يعطينا نوع من الشرعية. وهكذا.
ربما إخواننا في حماس يقولوا أن هذا تكتيك، وأن المشاركة في الانتخابات قد يُقنع العالم بأننا عقلانيين وسياسيين وحكماء. لكن الصحيح هو أن لدينا مشروع ويجب أن نتعامل على أساسه، ونحن يجب أن لا نيأس من الأمة، إذ خلفنا أمة كبيرة، ويجب أن يظل عقلنا مستيقظاً. ومعنا رأي عام كبير وأمة تؤمن بفلسطين وحق الشعب الفلسطيني وحقنا في القدس حتى وإن كانت الأنظمة ملعونة وتريد التعايش مع إسرائيل.
علينا أن نتذكر أن هذا "المشروع الصهيوني" انشغل عليه لسنوات طويلة، وأنا وظيفتي أن أقوم بالمثابرة وأن أؤدي واجبي وعملي ومهمتي أما النتيجة فلستُ مسؤولاً عنها.
يجب أن نكون مقتنعين -وأنا وحركة الجهاد مقتنعون تماما- أنه لو وقف كل العرب والمسلمين جميعاً في ظل موازين القوى الحالية فلن يُحصلوا دولة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس. لا يمكن تحقيق دولة دون أن يحدثوا تغييراً جدياً في الواقع وفي موازين القوى يما يفرض على إسرائيل أن تقدم تنازلاً.
أما الآن في الوضع الحالي فليس من الحكمة ولا المنطق تقديم تنازلات مجانية، إذ لا يوجد أي عروض أو حلول تم طرحها أصلا على الفلسطينيين حتى نقبل بها أو نرفض أو نقدم بعض التنازلات.. عندما يعرضون علينا شيئاً يمكن أن نفكر به، أما الآن فتقديم التنازلات يعني أنك ضعيف وليس لديك أي شيء ولا أي خيارات.
هم يريدون منا في البداية أن نعترف بإسرائيل ثم نبدأ التنازلات واحدة تلو الأخرى، وسبق أن تلقينا أسئلة نحن في حركة الجهاد الإسلامي من أطراف دولية حول رفضنا الاعتراف بإسرائيل، وكنا نقول دوماً إنهم أصلا لا يعترفون بنا كشعب فلسطيني فكيف يمكن أن نعترف بهم؟ هذا غير ممكن. نحن لا يُمكن أن نقدم منحة مجانية ودون ثمن.
إذا فهمنا أكثر سنعالج مشاكلنا بصورة أفضل، ولكن المشكلة أنه مع الوقت يدخل الملل والكلل، ولذلك فالمفاوضات دائماً الهدف منها أن يُهيأ لك مع الوقت أنك حققت شيئاً هنا وهناك، بينما في الحقيقة لم يتم تحقيق أي شيء ولم يتم تحصيل أي شيء.. هذا ما يحدث في المفاوضات بين الفلسطينيين والاحتلال، وهذا ما حدث في اتفاق أوسلو عندما توهم الفلسطينيون أنهم حصلوا على شيء ثم اكتشفوا بعد سنوات أنهم لم يحققوا شيئاً، ولم يحصلوا على أي مكاسب، وأن السلطة ليست سوى إدارات بلدية تقوم بإدارة شؤون السكان المحليين بالنيابة عن الاحتلال.
ماذا تمثل السلطة الأن؟ لا شيء، حيث إسرائيل تدخل إلى الأراضي الخاضعة للسلطة وتقوم بتنفيذ الاعتقالات وتفعل ما تريد، كما أن الأمن الفلسطيني يُقدم كل المعلومات عن الفلسطينيين الذين يمكن أن يفعلوا أي شيء ضد قوات الاحتلال، أي أن السلطة قبلت أن تكون حاكماً لشعبك بما يحقق مصلحة الاحتلال الإسرائيلي.
العلاقات الدولية لحركة الجهاد
* يزعم البعض في الشارع العربي أن حركة الجهاد الإسلامي موالية لإيران.. ما طبيعة علاقتكم مع طهران؟
- الادعاء أن الحركة محسوبة على إيران فهذا ليس صحيحاً لأننا محسوبين على أنفسنا وعلى الشعب الفلسطيني فقط، ونحن نرفض هذا الادعاء جملة وتفصيلا، ويجب على الجميع أن يعلم بأننا حركة إسلامية سنية فلسطينية محسوبين على أنفسنا ومستقلين عن أي جهة، لكن ما حدث أن تأسيس حركة الجهاد الإسلامي كان متزامناً مع الثورة الإسلامية في إيران، كما أن المجموعة الأولى والرعيل الأول من أبناء حركة الجهاد هم أبناء الحركة الإسلامية، وعندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران كل الحركة الإسلامية في العالم أيد هذه الثورة ولم يكن يخطر ببال أحد المعايير الطائفية التي يتحدث عنها البعض في الوقت الراهن.
ومن المهم القول أن العلاقات بين إيران ودول المنطقة كانت دافئة مع كل الدول العربية، وحتى الشعوب العربية كانت تتعاطف مع الثورة الإسلامية في إيران.
نحن كنا وما زلنا نرى في إيران دولة مستقلة وقادرة على مواجهة الولايات المتحدة ولها موقف مؤيد للشعب الفلسطيني، فهل يصح أن نعاديها؟.. هذه دولة لها موقف ضد إسرائيل وتدعم الشعب الفلسطيني وحقه في التحرر، ولم تحتل أرضنا ولا تعتقلنا ولا تطاردنا ولا تمنعنا من العمل والحركة.
هل يصح أن نترك الدولة التي تدعمنا ونتقرب للدول التي تقيم علاقات مع الاحتلال وتحارب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني؟ وهل يصح أن نرفض دعمهم لنا وتأييدهم لقضيتنا؟.
وفي الموضوع المذهبي دعني أقول بأن الشيعة سيظلون شيعة، والسنة سيظلون كذلك، والى الأبد، ولن يستطيع أي طرف أن يقوم بتغيير الآخر ولا تحويله من طائفة إلى أخرى.
وعلى الجانب الآخر، دعني أقول بأن علاقة إيران مع الفلسطينيين ليست محصورة في حركة الجهاد الإسلامي، وإنما هناك علاقة مع حركة حماس أيضاً.
* لكن ما سبب الربط الشائع بينكم وبين ايران؟
- جاءت هذه الشائعة من فكرة عدم قبول وجود حركة إسلامية موازية لحماس التي هي تنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين، وهنا بدأت فكرة ربطنا بإيران، حيث كان الإخوان المسلمون في فلسطين يرفضون فكرة وجود جماعة إسلامية أخرى. حيث ادعوا بأنهم شيعة وأنهم بايعوا إيران وغير ذلك من أقاويل.
أنا أود التأكيد لك بأن علاقة حماس مع إيران أقوى منا، وإذا كانت طهران تقدم لنا الدعم بقرش واحد فحركة حماس تتلقى مقابله عشرة، وأنا مسؤول عن هذا الكلام بحكم موقعي ومعرفتي.
* إذن هل نستطيع القول إن المسافة واحدة بين إيران وكل فصائل المقاومة؟
- لا.. لا أقول الكل، وإنما المسافة بين إيران والجهاد معروف مداها، والمسافة بين حماس وإيران معروف مداها وعمقها، لكن ليس كل الفصائل الفلسطينية لها نفس العلاقة مع إيران، بل حماس والجهاد لهما علاقة أكثر تميزاً مع إيران. طهران تقدم الدعم والتأييد للجميع ولكن حماس والجهاد أكثر من غيرهم، كما أنني أؤكد بأن حماس تحظى بحصة الأسد من الدعم الإيراني.
لكني أرى أنه ليس من صالحنا أن نفتعل خلافاً مع إيران ولا أن نعاديها، وقلنا مئة مرة: فليتفضل العرب ويقدموا الدعم للمقاومة الفلسطينية، وعندها سنقول للإخوة الإيرانيين "شكراً لكم فإخوانا العرب أصبحوا يدعمونا".. لكنَّ الحاصل أننا محاصرون من الإخوة العرب ويمنعوا عنا أي دعم أو مساعدة بينما يأتي الإيرانيون ويعرضوا علينا المساعدة، فهل الصواب أن نرفض الدعم الإيراني وتقول لهم أننا نريد البقاء تحت الاحتلال الإسرائيلي؟! هذا غير ممكن.
وتاريخياً في السابق تلقى الفلسطينيون الدعم من الاتحاد السوفييتي والقوى الشيوعية والماركسية، ولم يكن أحد ينكر عليهم ذلك لأنهم يريدون مقاومة الاحتلال.
الشعب الفلسطيني بحاجة لكل مساعدة من العالم العربي والإسلامي من أجل مواجهة الاحتلال و"المشروع الصهيوني"، ومن يرغب بأن يقدم الدعم والمساعدة فهذه فلسطين مفتوحة أمامكم، وإيران من هذه الدول الإسلامية التي تقدم الدعم والمساعدة، ونتمنى من الدول الأخرى أن تتنافس معها في تقديم الدعم والمساندة للفلسطينيين.
* هل حاولتم التواصل مع السعودية مثلاً من أجل تحسين العلاقات مع المقاومة؟
- حماس حديثة عهد في القطيعة مع السعودية، أما نحن في حركة الجهاد الإسلامي فكان آخر تواصل على المستوى الرسمي منذ أكثر من عشرين عاماً، وحينها لم يتقبلونا على ما يبدو. والسعوديون لهم برنامجهم.
الحركة الإسلامية.. وتقييم الأداء
* كيف تقيمون تجربة الحركة الإسلامية في فلسطين خصوصاً والعالم العربي عموماً؟
- أعتقد أن تجربة الحركة الإسلامية معقدة، وكانت تغفل الحركة الإسلامية عن فهم الواقع، حيث يوجد أسس قامت عليها الحركة الإسلامية لكنها كانت تفتقد لرؤية سياسية وأشخاص بارعين للعمل في المجتمعات. لا يكفي أن نصلي ونصوم ونؤدي العبادات، وإنما نحتاج إلى أشخاص بارعين ويفهمون في إدارة المعركة مع الطرف الآخر. لذلك فإن أزمة الحركة الإسلامية تتمثل في كيفية قراءتها للواقع، إضافة إلى البدايات التي لم تتطور.
نحن مثلاً نقرأ حسن البنا وندرس ما كتب، لكن ثمة ظروف استجدت غير تلك التي تحدث عنها البنا، فمثلاً كان البنا يتعامل مع الملك فاروق فهل يجب أن نتعامل نحن مع الملوك والرؤساء بنفس الطريقة؟ بالتأكيد فان لكل فترة ظروفها وتحتاج لخطوات سياسية مختلفة للتعامل معها.
لا يكفي أن نقف على المنبر ونشرح درساً للناس وإنما علينا أن ندرس أدوات التغيير في العالم وكيف ننظر نحن للعالم. طبعاً شهدت الحركة الإسلامية بعض الرؤى الإصلاحية لاحقاً، وخاصة بعد سيد قطب ورؤيته، وأيضاً بعد كتاب الهضيبي، لكن المشكلة أننا هربنا من حالة التطرف إلى حالة المساكنة، أي أنه صحيح أننا لا نريد حمل رؤية سيد قطب لكن في الوقت نفسه يجب عدم الانزلاق إلى رؤية مناقضة تماماً.
لذلك واجهت الحركة الإسلامية أزمات لم يستطع مفكروها أن يضعوا حلولاً لها، فتمترست الحركة عند العمل الخيري والإنساني والدعوي دون إجادة العمل السياسي.
ودعني أقول إن العمل السياسي الذي تمارسه حركة حماس في فلسطين حالياً هو "درة التاج" بالنسبة لما يفعله الإخوان المسلمون في العالم من الناحية السياسية.
أما في مصر فأعتقد أنهم لم يكونوا في المستوى الذي يُمكنهم من إدارة بلد بحجم مصر.
* هل تعتقد أن الإخوان في مصر أخطأوا بالمشاركة في الانتخابات؟
- أنا أعتقد أنهم تورطوا في انتخابات الرئاسة، حيث قفزوا على شيء لا يمكن حمله، لأنه يوجد دولة عميقة في مصر. كان من الممكن أن يظلوا في البرلمان. لكن إدارة معركة بهذا الحجم كانت تحتاج الكثير من الأشياء، ومن بينها الخروج من الحزبية، إضافة إلى كفاءات وخبرات أكبر، واستعداد للتضحية.
* هل نستطيع القول أن الحركة الإسلامية متباينة من دولة عربية لأخرى.. في تونس مثلاً أكثر براعة؟
- هناك براغماتية متباينة بين طرف وآخر من أطراف الحركة الإسلامية، فخطاب الشيخ راشد الغنوشي مثلاً يختلف حيث لديه تزاوج بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي، كما اكتسب خبرة من التجربة المصرية جنبته الكثير من الأزمات.
أنا أعتقد أن الحركة الإسلامية في مخاض كبير، ويجب أن تصبح أكثر تحررية وتخرج من الأطر الحزبية القديمة والتي لا تتعلق بطبيعة الحال بالإسلام الذي هو لا يتغير ولا يتبدل. عليهم أيضاً التخلي عن اعتبار الحزبية هي الحاكم الأساس في العلاقة بين المسلمين بعضهم ببعض. عليهم أن يتركوا فكرة أنهم "جماعة المسلمين" أو أنهم الممثلين للمسلمين دون غيرهم.
* هل تعتبر "الجهاد الإسلامي" نفسها جزءاً من الحركة الإسلامية؟
- طبعاً بكل تأكيد. وأهم ما فعلته الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان أنها حافظت على الفكر الإسلامي، أما المدرسة السياسية فتحتاج إلى تقييم كبير. كل النشاط السياسي يحتاج إلى تقييم وإعادة قراءة وإعادة تموضع مختلفة.
* هل ترى أن هناك مشكلة في الأداء السياسي للإخوان المسلمين؟
- طبعاً يوجد مشكلة كبيرة وسوء تقدير أحيانا وأحكام عشوائية أيضا في أحيان أخرى دون وجود رؤية واضحة. النقد كبير وهناك إيجابيات كثيرة، لكن يجب أن يمتلك أبناء الحركة الإسلامية الجرأة للاعتراف أين أصابوا وأين أخطأوا، ويجب التعامل مع من يتكلم على أنه آثم، وعندما تتوفر حرية الرأي يحدث النقاش والحوار المثمر والبناء.
الطرق الكلاسيكية لم تعد مجدية، والتجديد أمر ضروري ولازم، ويجب على الحركة الإسلامية أن تعيد التقييم والجديد.
التطبيع العربي مع إسرائيل
* البعض يرى أن التطبيع فيه مصلحة للدول التي أقدمت عليه.. ما رأيك؟
- هذا دلالة هزيمة وليس فيه أي مصلحة، ما مصلحة الإمارات أن تطبع مع إسرائيل وهي التي لا ينقصها لا المال ولا السلاح ولا الرفاه ولا أي شيء آخر، ما هذا التطبيع سوى دلالة على الهزيمة والاستسلام، بل هذا يعني أننا أصبحنا أقل من المهزومين، فيما يشعر هؤلاء المطبعون أن إسرائيل تحميهم، بينما لا يوجد أي تهديد تحميهم إسرائيل منه.
هي أوهام لتبرير سلوكهم نحو إسرائيل، وهو انهيار إضافي في المنظومة العربية.
على الجميع أن يُدرك بأن العدو التاريخي والمركزي لكل أمتنا العربية والإسلامية هو إسرائيل، ومن يغادر هذا المربع تحت أي تبرير فهو ليس سوى مهزوم.
* ما تأثير التطبيع على الشعب الفلسطيني وقضيته؟
- مؤذي جدا طبعاً. في اللحظة التي يرى فيها الفلسطيني أن الوفد الإسرائيلي الذي زار الإمارات يمر من أجواء السعودية، أي فوق مكة المكرمة والمدينة المنورة، فأي مذلة تلحق بنا نحن كعرب. لذلك يحدث ضرر كبير نتيجة لهذا التطبيع. لكن أنا أعتقد أن علينا كفلسطينيين عدم الاكتراث بذلك، وعلينا أن نتذكر دوما السيرة النبوية التي هي أكبر مدرسة للحركة الإسلامية والمجاهدين، ونجد في السيرة كيف أن المسلمين كانوا قلة واستطاعوا تغيير العالم.
أنا أقول دوما يجب أن نذهب للقتال كما نذهب للصلاة، وكلاهما التقاء الروح بخالقها، وليفعل بنا الله بعد ذلك ما نشاء.