هآرتس: خالدة جرار تفضح ترسانة التعذيب النفسي التي تمارسها "إسرائيل" ضد الأسرى الفلسطينيين

الأحد 18 يوليو 2021 08:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
 هآرتس: خالدة جرار تفضح ترسانة التعذيب النفسي التي تمارسها "إسرائيل" ضد الأسرى الفلسطينيين



القدس المحتلة/سما/

هآرتس بقلم عميرة هاس - إسرائيل لا تفوت فرصة لتظهر إلى أي درجة هي عديمة الرحمة. فقد فعلت ذلك مرة أخرى برفضها السماح لخالدة جرار بالمشاركة في جنازة ابنتها سهى، التي توفيت في مقتبل عمرها قبل أسبوع. اقترحت العائلة إحضار الجثة في سيارة الإسعاف إلى سجن عوفر، ثم نقل خالدة إلى هناك (بواسطة “البوسطة” المؤلمة وهي مقيدة وتحت حراسة مشددة من مصلحة السجون) لتوديع ابنتها، ولكنه عرض رُفض. كل العالم تابع ببث حي ومباشر قسوة القلب الإسرائيلية بكامل قبحها.

وأمام إسرائيل ومصلحة السجون و”الشاباك “ووزير الأمن الداخلي، فرصة الآن لتعديل بسيط، وهو إطلاق سراح خالدة جرار من السجن، الآن، وليس في تشرين الأول. فإطلاق سراح مبكر، عادل وإنساني، سيحسن الصورة ولو قليلاً.

الأم خالدة لم تحتضن ولم تقبل ولم تداعب ابنتها سهى منذ تشرين الأول 2019، عندما جاء جنود الجيش الإسرائيلي لاعتقالها في بيتها. كانت سهى زارتها في سجن “الدامون” الواقع شرقي حيفا للمرة الأخيرة في شباط 2020، من خلف الزجاج. وبعد ذلك جاءت كورونا. وهما أيضاً لم تريا بعضهما في المحكمة العسكرية لأن المداولات جرت عبر “زووم”. حضرت سهى جلسات المحكمة العسكرية عدة مرات، وشاهدت والدتها على الشاشة. وقد نسيت أن أسأل غسان في المحادثة الهاتفية أمس، ما إذا تمكنت خالدة من رؤيتها أيضاً. كانت الزيارة القادمة في آب 2020، لكن لزائر واحد فقط. حينئذ، قالت سهى لوالدها: “اذهب أنت. فأنا أعرف كم هو صعب عليك عدم رؤية أمي لفترة طويلة”. الزيارة القادمة للسجن كانت في تشرين الأول 2020. في ذلك الوقت كانت سهى مصابة بالإنفلونزا، فذهب غسان مرة أخرى.

منذ تشرين الأول 2020 وحتى تموز 2021 لم يسمح بالزيارات. أخيراً تم إعطاء إذن للزيارة في 7 تموز ولزائر واحد. ورغم شوقها، إلا أن سهى قالت لوالدها مرة أخرى: اذهب أنت. “أي أنها تنازلت من أجلي مرتين”، قال لي غسان. وبعد خمسة أيام لم تعد من بين الأحياء.

بسبب تجميد الزيارات، سمحت سلطة السجون بإجراء عدة مكالمات هاتفية مع السجناء القاصرين والسجينات. جاء دور خالدة في إجراء مكالمة هاتفية متأخراً بشكل نسبي. (في هذه المرحلة من المحادثة، انكسر صوت غسان وطلب استئناف الحديث في مرة أخرى. لم أتمكن من سؤاله عن عدد المرات التي تحدثت فيها خالدة من السجن مع سهى). المرة الأخيرة التي سمعت فيها خالدة صوت ابنتها كانت في يوم الجمعة، 9 تموز، في برنامج “رسائل إلى الأسرى”. أبناء العائلة يتصلون عبر أثير صوت “أجيال” ويتحدثون مع أعزائهم السجناء الذين يجلسون في غرفهم ويستمعون. قال لي غسان في محادثة هاتفية: “قالت خالدة إن سهى لا تدع يوم جمعة يمر دون أن تتحدث معي عبر الراديو”.

سمعت خالدة للمرة الأولى عن موت ابنتها في الراديو صباح الاثنين الماضي، قبل فترة قصيرة من دخول المحامين إلى السجن لإبلاغها بالنبأ المرير. وإن رفض السماح للأم برؤية ابنتها سهى وتقبيلها للمرة الأخيرة لم ينبع من قسوة شخصية (مفتشة مصلحة السجون كاتي بيري) أو بسبب غياب الشجاعة وعدم الإبداعية (وزير الأمن الداخلي، عومر بارليف، الذي حرك ساكناً، لكنه لم يفعل أكثر من ذلك). بل هو رفض ينفي إنسانية السجين/ السجينة، الفلسطيني/ الفلسطينية، وإنسانية العائلات، المنقوشة في سلوك مصلحة السجون وقوانينها.

إن منع أبناء العائلة والأصدقاء من رؤية بعضهم، ومنعهم من توديع بعضهم الوداع الأخير، هو أحد الوسائل الكثيرة في ترسانة التعذيب النفسي التي تطورها وتستخدمها إسرائيل ضد الفلسطينيين الذين هم خارج السجن وداخله. لمصلحة السجون رفوف كثيرة خاصة بها في نفس مخزن وسائل التعذيب النفسي (ولضيق الوقت، سنقفز عن وسائل التعذيب الجسدي). على سبيل المثال، حرمان من الحق بالاتصال عبر الهاتف العمومي مع العائلات (باستثناء أيام كورونا ولعدد من السجناء)؛ وإرهاق أبناء العائلة لساعات طويلة قبل الدخول لزيارة قصيرة لأعزائهم السجناء؛ وتقييد عدد الزوار (أبناء العائلة من الدرجة الأولى فقط) ومنع إدخال كتب التعليم.

هناك هدف محسوب ومدروس خلف التعذيب النفسي ضد السجناء وعائلاتهم، وهو ردع الآخرين عن معارضة النظام الاستيطاني التهجيري، وإبراز الثمن الباهظ الذي يدفعه المعارضون، إضافة إلى فقدان حريتهم رغم أن أجيالاً جديدة من فلسطينيين تخلق المزيد من المعارضين. عندها، نحن شعب الكتاب المختار، والجاهل من كثرة الغطرسة والوقاحة، الذي يرفض التعلم حتى من تاريخه، نستمتع على الأقل بالانتقام الجماعي من أكبر عدد من الفلسطينيين دفعة واحدة. ننتقم لأنهم لا يوافقون على الخضوع لتفوقنا العسكري، ولا يرضخون أمام السلالة اليهودية للكولونيالية الاستيطانية، التي تزدهر حتى في العهد الذي أصبح فيه المجتمع الدولي يعترف بذلك على أنه جريمة.

“أتألم، يا ابنتي، لأنني مشتاقة”، هكذا كانت بداية الرسالة التي أرسلتها خالدة من السجن، وقرأتها شقيقتها على قبر سهى الغض. وقد ختمتها بالقول: “لقد منعوني من توديعك وتقبيلك”.