نيويورك تايمز: مقتل ناشط فلسطيني كشف النقاب عن النزعة السلطوية للسلطة الفلسطينية

الخميس 08 يوليو 2021 07:48 ص / بتوقيت القدس +2GMT
نيويورك تايمز: مقتل ناشط فلسطيني كشف النقاب عن النزعة السلطوية للسلطة الفلسطينية



واشنطن/سما/

 قالت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير أعدته إيزابيل كيرشنر وأدم راسغون إن موت ناشط ناقد للسلطة الوطنية الفلسطينية كشف عن النزعة السلطوية لديها.
وأشارا إلى تظاهرة في ميدان الساعة برام الله نهاية حزيران/يونيو حيث تجمع ناشطون ناقدون للسلطة الوطنية ووحشيتها بعد مقتل ناشط ناقد للفساد فيها.

واعتقل الناشط نزار بنات حيث تقول عائلته إن قوات الأمن ضربته حتى الموت. وكانت التظاهرة سلمية حتى حضر كادر موال للحكومة من حركة فتح وهاجمها. وشاهد صحافيون يعملون لصالح “نيويورك تايمز” أنصار السلطة وهم يهجمون على المتظاهرين، بمن فيهم نساء وأطفال ورشقوهم بالحجارة وضربوهم بالهراوات وصواري الأعلام ولكموهم وانتزعوا الهواتف النقالة من الأشخاص الذي اشتبهوا أنهم صوروا الأحداث.

وأثارت الاحتجاجات على مقتل بنات الذي قورن مقتله على يد قوات الأمن الفلسطينية، بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الانتباه للحكم الاستبدادي المتزايد للرئيس محمود عباس البالغ من العمر 85 عاما وكذا القمع الصارخ على العملية الديمقراطية وحرية التعبير واستقلالية القضاء والمنظمات غير الحكومية.

وقال وسام حسيني، 29 عاما أستاذ اليوغا “لا يمكن التستر اليوم” و”هذا هو احتلال ثان وليست حكومة”. والحسيني متأكد مثل الكثيرين أن المهاجمين للتظاهرة كانوا من قوات الأمن الفلسطينية الذين ارتدوا الزي المدني. ووصف السلطة بالفاسدة و”الجماعة الديكتاتورية”.

وجاءت التظاهرات التي انتشرت إلى بيت لحم والخليل في وقت محفوف بالمخاطر يواجه عباس. فقد تدنت شعبيته منذ نيسان/أبريل عندما ألغى انتخابات كانت ستكون الأولى منذ 15 عاما. وتلقى ضربة ثانية في أيار/مايو عندما قامت حركة حماس المنافسة له في غزة بحملة صواريخ ضد إسرائيل حيث قدمت نفسها على أنها الحامية للقدس ومؤكدة قيادتها للقضية الفلسطينية. وأعقب الحرب حملة اعتقالات واسعة لنقاد السلطة في الضفة الغربية. وفي واحدة من التظاهرات سار المحتجون نحو مقر الرئيس عباس وهتفوا “الشعب يريد رحيل النظام” في استعادة للهتاف الذي أسقط ديكتاتوريين في الربيع العربي عام 2011.

ونقلت عن خليل الشقاقي من المركز الفلسطيني للدراسات المسحية والسياسية في رام الله قوله إن عباس عندما يشعر بالتهديد “يصبح تسامحه مع المعارضة أقل وأقل”. وأضاف “لم نصبح بعد حافظ الأسد في سوريا أو صدام حسين في العراق” و”لكن من فصل السلطات إلى حرية التعبير إلى المجتمع التشاركي كلها تعرضت للتهديد”.
ولم يقصد أن تكون السلطة الوطنية حكما دائما، فقد أنشئت لتقود مرحلة انتقالية ينتهي دورها بعد اتفاق الفلسطينيين والإسرائيليين على حل. وتوقفت محادثات السلام لكن السلطة التي تدعمها أوروبا والولايات المتحدة استمرت. وكان الفلسطينيون موزعين في الماضي بين الاحتجاج ضد السلطة أو الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن قتل بنات والرد القاسي على المتظاهرين عزز ووسع الفكرة بين الفلسطينيين وهي أن السلطة الوطنية أصبحت متعهدا للاحتلال. وكان بنات، 42 عاما ويعمل في صباغة البيوت، ناقدا للسلطة حيث أكسبته أشرطة الفيديو التي يحملها على وسائل التواصل الاجتماعي أتباعا كثرا. وتقول العائلة إن قوات الأمن داهمت بيتا يقيم فيه بنات في الخليل، يوم 24 حزيران/يونيو وضربته بقوة وجرته بوحشية.
وقالت السلطة إن صحة بنات تدهورت أثناء اعتقاله. ولكن وزير العدل محمد شلالدة قال يوم الأربعاء إن وفاة بنات كانت “غير طبيعية”. وقال مسؤولون أوروبيون التقوا مدير المخابرات ماجد فرج إنه أخبرهم أن مقتل بنات كان حادثا. وتقول الصحيفة إن الغضب على مقتل بنات ردد وبشكل مخيف الغضب الذي رافق مقتل خاشقجي في تشرين الأول/أكتوبر 2018 بالقنصلية السعودية في إسطنبول حيث حاولت المملكة التستر على مقتله.
وقال الجنرال طلال دويكات، المتحدث باسم قوات الأمن الفلسطينية، يوم الجمعة إن 14 شخصا تم تحويلهم للقضاء العسكري وإن التحقيق بوفاة بنات مستمر. وتضيف الصحيفة أن التقارير حول الاعتقالات التعسفية والتعذيب مستشرية، وبنات ليس الأول الذي يموت في سجون السلطة. وبعد وفاة الداعم لحماس هيثم عمرو في مقر المخابرات العامة في 2009 كشف تقرير الطب الشرعي أن التعذيب كان السبب. وتم توجيه اتهام لخمسة ضباط أمن لكن المحكمة العسكرية برأتهم.
وأضعفت المحاكم أيضا حيث يحكم عباس ومجموعة من المساعدين له بالمراسيم منذ 2007، في أعقاب حله للمجلس التشريعي بعد انتصار حركة حماس في الانتخابات التشريعية وسيطرتها فيما بعد على غزة. وسمحت المراسيم لعباس بزيادة سيطرته على المحاكم، حسب خبراء القانون الفلسطينيين والذين قالوا إنه تم طرد عدد من القضاة غير المطيعين. وأجبر أحمد الأشقر، أستاذ القانون الدستوري والمحامي الذي عمل قاضيا منذ 2011 على التقاعد في كانون الثاني/يناير. وجاء هذا بعد معارضته لتعيين عباس لمجلس قضائي انتقالي ليحل محل المجلس الحالي والذي يقوم بالرقابة على القضاء.
وقال “اليوم لا توجد محكمة مستقلة، كمؤسسة” و”يخاف القضاة أن يحدث لهم ما حدث معي”. وقامت السلطة بملاحقة المنظمات غير الحكومية حيث طلبت منها تقديم خطط عن الأبحاث والنشاطات والميزانيات. كما ويستخدم قانون الجريمة الإلكترونية الصادر عام 2018 كوسيلة للحد من حرية التعبير والمعلومات. ويسمح للسلطة بمنع مواقع يمكن أن “تهدد الأمن القومي والنظام العام أو الأخلاق العامة” وتم استخدامه لإغلاق مواقع المعارضة السياسية. وقال الشقاقي الذي ينظم مركزه استطلاعات إنه يجد صعوبة بنشر نتائج استطلاعاته في الإعلام الفلسطيني. قال “عندما رفضت الالتزام بالتنظيمات الجديدة جمدت حسابات المركز في البنك”.

وفي استطلاع حزيران/يونيو قالت نسبة 80% من المشاركين إن السلطة الوطنية ملوثة بالفساد. واشتكى آخرون من سوء الإدارة والمحسوبية. وتم تعيين ابن أحد مسؤولي حركة فتح في منصب بارز بوزارة الصحة حتى بعد اتهامه بضرب مدير مستشفى في رام الله. وفي آذار/مارس حولت السلطة كميات من اللقاحات ووزعتها على صفوف الحزب الحاكم والحلفاء في الإعلام وحتى أقارب أعيان بارزين، حسب مسؤولين فلسطينيين. ويرى بعض الفلسطينيين أن السلطة التي تعمل بناء على كتاب الشرق الأوسط القديم المؤطر حول الأمن تواجه جيلا فلسطينيا جديدا متعلما يعرف استخدام منصات التواصل. ويقول شعوان جبارين من مؤسسة “الحق” لحقوق الإنسان “اليوم ليس الثمانينات ولا التسعينات”.

وعبرت الولايات المتحدة التي مولت وسلحت ودربت قوات الأمن الفلسطينية عن قلقها من الظروف التي قتل فيها بنات و”لدينا قلق عميق حول قيود السلطة على حرية التعبير للفلسطينيين والتحرش بناشطي المجتمع المدني ومنظماتهم”. وزادت الضغوط على عباس بعد مقتل بنات والتظاهرات التي اندلعت لكن قلة تتوقع تغيرا قريبا. وتقول شذى حماد، 32 عاما الصحافية في موقع “ميدل إيست آي” والتي جرحت وهشم هاتفها النقال “ما فعلوه في الأيام الماضية أخاف الناس وأزعجهم”. ونفى دويكات المتحدث باسم قوى الأمن أن يكون الأمن قد هاجم المتظاهرين بزي مدني، وأن المهاجمين هم معارضون للاحتجاج الذين خافوا “هجوما على النظام السياسي”. ونفى مصادرة هواتف واعتقالات بسبب منشورات على فيسبوك “موقفنا واضح، لا نعتقل الشخص بناء على ما يقوله”.