نشرت مجلة “كريستيان ساينس مونيتور” الأمريكية تقريرا أعدته فاطمة عبد الكريم وأدم تايلور قالا فيه إن الفلسطينيين يطالبون الرئيس محمود عباس بالرحيل، فهل أشعلوا ربيعا جديدا؟
ففي انفجار للإحباط المكبوت ضد قيادة يرون أنها غير شرعية وفاشلة تحدى المحتجون القمع من قوات الأمن التابعة للسلطة الوطنية وطالبوا برحيل الرئيس عباس. ويتزايد الضغط على الرئيس الثمانيني منذ سنوات وسط نسب البطالة العالية والقيود على الحرية والفشل على المسرح العالمي، وزاد أكثر في ضوء تأجيل الانتخابات البرلمانية والمواجهات في القدس وغزة.
إلا أن نقطة التحول في الاحتجاجات جاءت بعد مقتل الناشط نزار بنات، الناقد لعباس والمرشح في الانتخابات والذي كان في الأربعينات من عمره عندما هاجمته قوات الأمن الفلسطينية في بيته الأسبوع الماضي ومات وهو محتجز لديها بعد ساعة. وانتشرت التظاهرات مباشرة في كل أنحاء الضفة الغربية وتواصلت بشكل يومي ضد حكم عباس الذين حملوه مسؤولية القتل وزيادة الفساد والعجز.
وانتهت فترة عباس في الحكم عام 2009. وقال متظاهر عمره 27 عاما قدم نفسه بـ إي إي في رام الله “قتلوا نزار بنات لأنه تكلم بصوت عال” و “لم أكن اتفق دائما مع ما يقوله ولكن عندما قتل بهذه الطريقة الوحشية فقد كانت رسالة لنا جميعا بالصمت”. وأضاف “وضعت السلطة الوطنية، وتحديدا فتح نفسها في هذا الوضع وكعدو للشعب”. وقام شرطة بزي مدني باقتياد إي إي أمام مراسلة المجلة التي لم تستطع العثور عليه بعد الحادث.
ويرى عدد من الفلسطينيين أن قتل بنات هو خرق لقانون التضامن الذي يعمل به في الضفة الغربية، حيث يتم حل الخلافات بين الفصائل الفلسطينية بالحوار، ويعتبر الاغتيال والقتل الذي يطبع حركات التحرر في المنطقة محرما. وقالت سلوى حمد، المدافعة عن حقوق الإنسان في مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان: ” تم اعتقال وتعذيب المعارضين والنقاد بمن فيهم الصحافيين من قبل، وكمنظمة حقوق إنسان وثقنا الكثير من الحالات”. وعلقت على مقتل بنات بالقول: “لكن هذا غير مسبوق ليس بسبب وحشيته فقط ولكن الطريقة التي شعرت قوات الأمن أنها تستطيع القيام بإعدام كهذا”. ويدفع سكان الضفة الغربية الخائبين من ظهور قيادة فلسطينية مستبعدة تتناقض مع قيمهم. وقال الكاتب الفلسطيني المقيم في عمان داوود كتاب: “هناك سؤال فيما إن كان هذا انحراف وحادث واحد أم أنه تعبير توجه متزايد نحو الفاشية والطرق العنيفة لتسوية الخلافات الداخلية والمعارضة” مضيفا “لهذا السبب يعتبر القتل أمرا كبيرا للكثير من الناس”. ويرى المراقبون موازاة مع الربيع العربي في مصر. ويرى المحلل السياسي في رام الله، جهاد حرب: “الظروف الاقتصادية السيئة والبطالة العالية وغياب الأفق لدى الشباب والنظام الشمولي كلها عناصر لانفجار محتمل”. و “هذه اللحظة مشابهة لنقطة الغليان التي انفجر فيها الربيع العربي عام 2011”. ومثل الحكام العرب في 2011 رد عباس بقمع المتظاهرين ورميهم بالغاز المسيل للدموع وضربهم بالعصي. وأطلق العنان لرجال الأمن بالزي المدني لملاحقة المتظاهرين وضربهم بالهراوات والأنابيب ورشقهم بالحجارة. واتهمت السلطة المتظاهرين بأنهم من أنصار الحركة الإسلامية، حماس في غزة أو أنهم “عملاء للولايات المتحدة والقوى الأوروبية”. ولم يتصل عباس مع عائلة بنات أو وعدها بتحقيق مستقل.
واستهدفت قوات الأمن في الأيام الأخيرة الصحافيين وقامت بضربهم وكسر كاميراتهم ومعداتهم أو استخراج رقائق “سيم” منها بالقوة من لمحو أي تسجيل للعنف الذي مارسوه. واضطر الصحافيون المحليون للاختباء من العصابات المسلحة المؤيدة لعباس في حمامات البنايات. ولم توقف العمليات القمعية الاحتجاجات التي انتشرت من العاصمة الإدارية رام الله إلى الخليل وبيت لحم فيما بات يطلق عليه “التمرد المفتوح” ضد السلطة الوطنية. وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها “ارحل” في إحياء للشعار الذي رفعه المتظاهرون أثناء ثورات الربيع العربي في تونس ومصر قبل عشرة أعوام.
ويقارن الكثير من الفلسطينيين صمت عباس وعدم تحركه ضد العنف في القدس الذي اندلع في شهر أيار/مايو بالرد الحاسم والسريع على النقد في الضفة الغربية. وفي يوم الجمعة تظاهر المصلون في الأقصى ضد عباس ووصفوه بالخائن. وأدى الضغط المتزايد على السلطة لاستقالة وزير يمثل حركة يسارية احتجاجا على ما رأه “غيابا لاحترام القوانين والحريات العامة”. وقال الناشط الفلسطيني في بيروت مجد عبد الحميد “الاستقطاب يثير الخوف” و “لم أفاجئ بقتلهم لبنات” ولكن ما أدهشه هو زيادة القمع وضرب المتظاهرين ورفض الاعتذار أو التحقيق في مقتل بنات. وتشير الصحيفة أن مقتل بنات الذي كان مرشحا في الانتخابات التي قرر عباس تأجيلها لأمد غير محدود بذريعة القيود التي وضعتها إسرائيل على سكان القدس، حرمت الفلسطينيين من التعبير عن مظلوميتهم ومواقفهم عبر صندوق الاقتراع. وقالوا إن قرار عباس زاد الضغط الذي انفجر بمقتل بنات. ويرى كتاب “كانت الانتخابات كفيلة بتفريغ الضغط المحلي. وكانت أيضا ستقدم خريطة طريق للخلافة” فعباس المعروف بأبو مازن في سن الـ 85 عاما و “لا توجد عملية حقيقية للخلافة بعد إلغاء الانتخابات ولم يعد لدى القيادة التفويض للعمل أو التفاوض باسم الفلسطينيين”.
ورغم عدم ارتياح الفلسطينيين من السلطة وعباس إلا أنهم كانوا مترددين في توجيه النقد للقيادة خوفا من الكشف عن الانقسامات الداخلية بشكل يضر بقضية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ولم يعارض عباس في السنوات الأخيرة إلا الشباب، وطالبوا بديمقراطية وحرية أوسع في حركة استلهمت الربيع العربي. لكن الدعوات فشلت في الحصول على دعم في داخل مجتمع يواجه قمع السلطة. إلا أن مقتل بنات دفع الطبقة المتوسطة والجيل القديم الداعم تقليديا لعباس لكي ينضموا إلى المتظاهرين. وشعروا بالجرأة من ظهور الحركة المضادة لطرد الفلسطينيين في القدس من بيوتهم واقتحام قوات الأمن الإسرائيلية المسجد الأقصى. وباتوا يركزون الآن على الرئيس الذي يعتبرون جزءا من المشكلة ومعوقا للطريق إلى التحرر والدولة المستقلة. وفي إشارة عن تغير في مواقف الرأي العام انضمت شخصيات بارزة إلى 100 منظمة مجتمع مدني في التوقيع على بيان يوم السبت تطالب فيه بتنحي عباس واستبدال قادة الأجهزة الأمنية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعبد الطريق أمام الانتخابات. وتأتي التطورات في وقت يواجه فيه عباس معركة مرة مع منافسته حماس التي ارتفع رصيدها بين الرأي العام الفلسطيني بعد المعركة التي استمرت 11 يوما مع إسرائيل.
وفي استطلاع أجراه المركز الفلسطيني لدراسات السياسية والمسحية في 15 حزيران/يونيو وحاول تصنيف أداء 10 لاعبين محليين وإقليميين في أزمة القدس، قالت نسبة 89% من الفلسطينيين أن رد المقدسيين كان “ممتازا” وقالت نسبة 75% أن رد حماس كان ممتازا أيضا. وفقط نسبة 11% قالت نفس الشيء عن السلطة الوطنية و8% قالت إن أداء عباس كان ممتازا. وتفوقت حماس على فتح، حيث قالت نسبة 40% إنها ستصوت لحماس و30% لفتح. وضغوط كهذه جعلت المراقبين يتكهنون أنها السبب في لجوء السلطة وقواتها الأمنية إلى القوة لمواجهة المتظاهرين. ولا يعرف المدى الذي ستذهب فيه التظاهرات وتجبر عباس على الإصلاح أو الاستقالة. ولا تزال فتح تسيطر على الضفة ويمكن لعباس الاستعانة بأجهزة الأمن المدربة من القوى الدولية وكذا الجناح المسلح في فتح. وبنى عباس شبكة من الرعاية التي تعتمد عليها مئات العائلات في العقود الحكومية، وستتردد في دعم رحيله. ويعتمد الأمر على الضغط من المجتمع على عباس للإصلاح وتنظيم البيت الداخلي، ولو منحه علامة مرور على القتل فسيصبح الوضع منحدرا منزلقا، كما يقول كتاب.