نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعدته نينا روبرتس عن الدعم الذي يقدمه أصحاب المتاجر والأعمال الفلسطينيين- الأمريكيين لغزة. وقالت إن أصحاب المتاجر والأعمال ظلوا مترددين بالتعبير عن مواقف سياسية خشية أن يبعدوا عنهم الزبائن، لكن الأمور قد تغيرت.
وأضافت أن معظم الفلسطينيين الذين يملكون متاجر في الولايات المتحدة كانوا يلمحون عن ثقافتهم في محلاتهم مثل التطريز الفلسطيني التقليدي، الكوفية أو العود الذي يزين المطاعم. وفي منصات التواصل الاجتماعي يتم التعبير عن الهوية من خلال الصور القديمة والخرائط لفلسطين قبل عام 1948. ولكن التعبير عن السياسات الحالية والتاريخية لفلسطين- إسرائيل قد يكون أمرا مثيرا للإشكال.
إلا أن العنف الأخير في غزة وإسرائيل الشهر الماضي والذي خلف 248 شهيدا فلسطينيا و12 إسرائيليا دفع أصحاب المحلات التجارية الفلسطينيين في الولايات المتحدة لإعادة النظر بما يمكن أن يعبروا عنه علنا عن النزاع. ففي الوقت الذي اهتمت الأخبار بالحكومة الإسرائيلية الجديدة واختيار رئيس الوزراء نفتالي بينت ليحل محل بنيامين نتنياهو إلا أن العنف استمر وظل الفلسطينيون في الولايات المتحدة يتحدثون.
وقال كامل جمال، صاحب مطعم “زيتون” في بيكون بنيويورك، “من واجبي كإنسان، علاوة على كوني فلسطيني نشر المعلومات حول ما يجري وتعليم الناس”.
وولد جمال بمخيم للاجئين في الأردن بعدما فر والديه بعد حرب 1967 من رام الله. واعترف جمال “أحاول إبعاد عملي عن السياسة” و”يكفي أنهم يعرفون موقفنا”. وفي الفترة الأخيرة ألصق على نافذة المطعم ملصقا كتب عليه “حقوق الإنسان الفلسطينية” كتبت بحرف أبيض على قلب أحمر. ومعظم المنشورات على موقع زيتون تدعم الفلسطينيين لكن جمال يترك المشاركات التي تقدم رأيا شخصيا للخلاصات الشخصية والعامة. وهو يعرف أن مواقفه الداعمة للفلسطينيين قد تنفر بعضا من زبائنه ولكنه لاحظ ” كلما لوحت بالعلم الفلسطيني أو قلت إن هذا مطعم فلسطيني زاد الإقبال على تجارته ولم ينقص”.
وفي الولايات المتحدة عادة ما يتم المقاربة بين الدعوة لحقوق الإنسان الفلسطينية بالمواقف المعادية لليهود بل وحتى دعم العنف ضد إسرائيل. والحديث عن حقوق الإنسان الفلسطينية قد يمثل مأزقا لأصحاب المحلات الفلسطينية الذين يعتمدون على زبائنهم حتى يواصلوا عملهم. لكن المواقف تتغير الآن.
في الولايات المتحدة عادة ما يتم المقاربة بين الدعوة لحقوق الإنسان الفلسطينية بالمواقف المعادية لليهود بل وحتى دعم العنف ضد إسرائيل. والحديث عن حقوق الإنسان الفلسطينية قد يمثل مأزقا لأصحاب المحلات الفلسطينية الذين يعتمدون على زبائنهم حتى يواصلوا عملهم
ففي حي بي بريدج ببروكلين يتم تقديم الوجبات الفلسطينية على صحون خزفية بمطعم “آية إن واي سي” من “المنسف” إلى “المسخن”. و المطعم المزدحم دائما تعلق على جدرانه لوحات المسجد الأقصى ولوحة أخرى فيها الجنود الإسرائيليون وهم يصوبون البنادق على السجناء الفلسطينيين. ويأخذ الزبائن ما تبقى من وجبات في أكياس مكتوب عليها “يسقط الاحتلال” بالعربية والإنكليزية والعبرية. وتقول آية مسعود التي تملك جزءا من المطعم عن الديكور “أحاول أن أكون دبلوماسية ولا أريد أن أضايق أو أجرح أي شخص” و”لكنني لا أريد عمل هذا على حساب إخفاء الحقيقة”.
ولا تتنازل آية وزوجها عبدول العناني، المصري الأصل، في المشاركات على منصات التواصل. فخلف الوجبات الجميلة والمنشورات عن الطبخ، مشاهد من الردم والأنقاض التي خلفتها الحرب الأخيرة في غزة، إلى جانب ضحايا القصف المكفنين بالأعلام الفلسطينية. ووسط هذا المزيج صور لتظاهرة فلسطينية في ري بريدج نظمت يوم 15 أيار/مايو لإحياء ذكرى النكبة.
وواجهت أية هجوما ومراجعات سلبية على موقع “يبلب” ومحرك غوغل، بل وقام “يبلب” بإغلاق حسابها لشهرين حسب العناني، ولكن الزبائن والسياح ظلوا يتدفقون على المطعم، وساعدت مراجعة في “نيويورك تايمز”. وليس كل أصحاب المتاجر والأعمال الفلسطينيين يمزجون ما بين التجارة والسياسة.
فقد اختار مطعم “تنورين” الذي يعمل في بي ريدج منذ عقدين وكذلك المطعم الشهير في منهاتن “كانون” قررا عدم الحديث عن العنف الأخير في المشاركات على منصات التواصل الاجتماعي.
ورفض أصحاب المطعمين التعليق.
ويزين مطعم فريدي زيادة “ملك الفلافل والشاورما” في حي أستوريا بمنطقة كوينز سلسلة من الصور التي التقطها الطاهي المعروف أنتوني بوردين عندما زار غزة عام 2013. وتصدح الموسيقى الكلاسيكية في أرجاء المطعم إلى جانب والدجاج الذي يطشطش على الشواية وشعار المطعم الذي يزين المطعم من قائمة الطعام إلى دراجة التوصيلات “يا حبابي”. وجاء زيادة من قرية خارج رام الله في الضفة الغربية، وشعر بالجرأة قبل فترة لتعليق صورة “رجل فلسطيني” بالكوفية ويحمل العلم الفلسطيني وعبارة “فلسطيني وافتخر” على النافذة الرئيسية للمطعم.
ويرى مثل بقية أصحاب المتاجر والمطاعم الفلسطينيين في أمريكا تغيرا في المفاهيم بالولايات المتحدة من النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي وينسب هذا إلى وسائل التواصل الاجتماعي. فصور الدمار وأشرطة الفيديو عن غزة انتشرت حول العالم. وعادة ما تحكمت التلفزة والصحف التقليدية ما يخرج من غزة والضفة. ويمشي زبائن “ملك الفلافل” بدون مشكلة أمام ملصقات مؤيدة لفلسطين، وهي تجربة مختلفة عما واجه زيادة عندما بدأ أول شاحنة بيع له بعد 8 أشهر من هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 حيث وصفه المارة بالإرهابي، ورد عليهم بملاحقتهم بسلة من حبات الفلافل التي عرضها عليهم مجانا. وعبر نضال نجل زيادة الذي نشأ في الولايات المتحدة والضفة عن دهشته من الدعم الجديد بين الرأي العام للفلسطينيين “مع أن نفس الشيء يحدث منذ سنوات”.
وأشارت إلى “زيد أند زيد” وهو محل يبيع الزعتر المعمول من زعتر جينين في الضفة الغربية ويصنع “المنقوشة”، ويديره الأخوان داني وجوني دبانة، وهو تجارة عائلية في روكفيل ميريلاند. ووصل والد الأخوين إلى أمريكا في سبعينات القرن الماضي من الأردن بعد مغادرته رام الله. وتبعته والدتهما في الثمانينات من القرن الماضي. وبدءا بتعليق العلم الفلسطيني أمام طاولة سوق المزارعين في خارج واشنطن بفيرفاكس، فيرجينيا.
وعادة ما تتسم دعاية التسويق لزيد أند زيد بالمرح، فقد وضعا على تويتر فيديو لكبيرة العائلة وهي تتذوق تريدر جوي زعتر وحصل على مشاهدات واسعة. ولكنهما لم يستطيعا الصمت عما يجري في غزة والقدس وقدما تعليقات هادئة حول حقوق الإنسان الفلسطينية والمصادر للدعم. وقال داني دبانة “الحقيقة المخجلة هي أن المحاولة البسيطة للدفاع عن الحقوق الأساسية للفلسطينيين، تعرضنا لنقد غير منصف وغير صحيح”.
ونفس الأمر بالنسبة لميشيل مشبك المؤسس لشركة النشر “إنترلينك” والتي بدأت في الثمانينات من القرن الماضي، حيث تذكر الضوضاء التي حدثت عندما نشرت شركته كتاب جودي القلا عن الطبخ الفلسطيني “فلسطين على طبق”، 2016. وكتب مشبك في رسالة لابنته ليلى مشبك، محررة إنترلينك: “حتى هذا الأمر البسيط للاعتراف بالهوية الفلسطينية والثقافة” “نظر إليه البعض على أنه مستفز وجدلي وسياسي”. وفر والدي مشبك من بيتهما في حي القطمون في القدس عام 1948 حيث لا تزال عائلة إسرائيلية تعيش فيه. وحسب مشبك فقد تبنت شركته حقوق الإنسان الفلسطينية منذ بدايتها ولا تزال تتلقى رسائل كراهية.
وتقول ريم أصيل، صاحبة فرن في منطقة بي إنها حصلت على دعم واسع من زبائنها وعرضوا المساعدة لتقوية الصوت الفلسطيني أثناء حرب غزة و”كفلسطينية شعرت أنه تم الاستماع لي ورؤيتي بطريقة لم أشعر بها من قبل”. و”كنت قادرة أن أحزن على عائلتي في غزة بشكل مفتوح وأنتقد الولايات المتحدة ودورها في دعم الفصل العنصري بدون تعرضي لردة فعل سلبية”.