فورين بوليسي: هل تحولت أموال المساعدة القطرية لغزة إلى ورقة ضغط على حماس؟

الأربعاء 16 يونيو 2021 11:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
فورين بوليسي: هل تحولت أموال المساعدة القطرية لغزة إلى ورقة ضغط على حماس؟



القدس المحتلة /سما/

تساءلت الصحافية انشال فوهرا بمقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” عن التغير في السياسة الإسرائيلية من حركة حماس في غزة. مشيرة للخطة الجديدة المتعلقة بالضغط عليها من خلال أموال المساعدة التي كانت ترسلها دولة قطر بالتنسيق مع إسرائيل.

وقالت إن المبعوث القطري كان يحضر منذ 2018 بالمال إلى غزة عبر مطار بن غوريون، حيث يصل القطاع بحراسة من الأمن الإسرائيلي. وحتى أن يوسي كوهين، رئيس الموساد السابق، زار قطر لترتيب المساعدات وشجع القطريين على إبقاء الدعم. ويتم استخدام الأموال لشراء الوقود لمحطة الطاقة الوحيدة في القطاع المحاصر وتمويل مشاريع البنية التحتية وتوفير راتب شهري قدره 100 دولار لآلاف العائلات الفلسطينية الفقيرة. ويقول مسؤولو المخابرات الإسرائيلية إنهم يعرفون أن حماس تستفيد من الأموال. مع أن الاعتقاد السائد كان هو أن الأموال القطرية ستبقي حماس هادئة – وأنها ستشتريها بشكل أساسي وتمنعها عن إطلاق الصواريخ على مدن جنوب إسرائيل.

ونقلت مجلة “فورين بوليسي عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن السياسة جاءت بنتائج عكسية. وقال العقيد عيران ليرمان، النائب السابق لمستشار الأمن القومي للبلاد: “هل كان الإجراء القطري مفيدا لنا؟ لا نعتقد ذلك”.

فقد فوجئ الإسرائيليون في الحرب الأخيرة بقدرة حماس على ضرب عمق المدن الإسرائيلية، ليس فقط تل أبيب ولكن القدس.

وأطلقت حماس 4360 صاروخا على مدار 11 يوما، أي أربع مرات أكثر مما فعلت في حرب الـ 50 يوما في عام 2014. وطغت الصواريخ لفترة وجيزة على نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي الإسرائيلي. علاوة على ذلك، على الرغم من روتين المراقبة الصارمة من قبل إسرائيل، قامت حماس ببناء متاهة معقدة من الأنفاق تحت القطاع الساحلي لإخفاء ترسانتها.

ويزعم الإسرائيليون أنهم دمروا الكثير من ذخيرة ومخابئ حماس في عام 2014. ويؤكدون أن تجديد منشآت حماس لا بد وأنه تم بالمال القطري. وهم يشتبهون في أن جزءا كبيرا من الأموال النقدية القطرية استخدمته حماس لتجديد مخزون الأسلحة وشراء المواد لتوسيع شبكة الأنفاق الخاصة بها.

في الأسبوع الماضي رفضت إسرائيل السماح بدفع 30 مليون دولار من قطر للمساعدة الشهرية مباشرة إلى غزة. وردت حماس بسرعة بتهديدها بإعادة النظر في وقف إطلاق النار. لكن الإسرائيليين مصممون الآن على إعادة صياغة استراتيجيتهم. وبدلا من المال مقابل الهدوء، فإنها تخطط الآن لاستخدام أموال إعادة الإعمار كرافعة ضد إعادة تسليح حماس.

وترى المجلة أن هناك دعم لمثل هذه الأفكار بين صناع القرار الأمريكي، في ظل قلق المجتمع الدولي من الاستثمار في إعادة بناء البنية التحتية لغزة إذا كان سيتم تدميرها في غارات جوية بعد سنوات قليلة.

وحمل دينيس روس، الدبلوماسي الأمريكي الذي عمل على تشكيل السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط تحت قيادة أربعة رؤساء أمريكيين، حماس مسؤولية التدمير في غزة.

وقال إنه لن يستثمر أحد في إعادة الإعمار الكبرى التي ستتعرض للخطر في المرة القادمة التي تقرر فيها حماس أن لديها شيئا تكسبه سياسيا من خلال إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وقال روس: “يجب إنشاء معادلة تقول بشكل أساسي: إعادة الإعمار مقابل عدم إعادة التسلح”.

وأضاف أن حماس كانت تعيد توجيه مواد البناء نحو أغراضها الخاصة على حساب المانحين وأهالي غزة. وقال: “إن المشكلة في عدم السيطرة على المواد التي تدخل غزة، أين يتم تخزينها وكيف يتم تسليمها إلى مواقع البناء، هي أن حماس ستحول المواد لأغراضها في إعادة بناء شبكة الأنفاق تحت الأرض وإعادة التسلح. انظروا إلى ما فعلته بعد 2014. لقد زادت قوتها الصاروخية عشرة أضعاف من 2014 إلى 2021. قامت ببناء شبكة أنفاق تحت الأرض – شبكة واسعة لدرجة أن إسرائيل دمرت 60 ميلا منها وهذا ليس سوى جزء بسيط مما بنته حماس سرا. لقد استخدموا كميات هائلة من الأسمنت والفولاذ والأسلاك الكهربائية والخشب – وكلها كان إليها حاجة ماسة لبناء فوق الأرض في غزة الفقيرة”.
ويحذر ناشطو حقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة من أن مثل هذه السياسة قد لا تحقق الهدف المنشود وتؤدي فقط إلى إطالة بؤس الشعب الفلسطيني.
فقد نزح 72 ألف فلسطيني في جولة العنف الأخيرة حيث انهارت المباني السكنية وتحولت إلى أنقاض في ثوان.

وتعرضت البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والعيادات، وشبكة الكهرباء، ومحطات تحلية المياه، لأضرار. كما تتناثر الذخائر غير المنفجرة في جميع أنحاء القطاع حيث يتدافع سكان القطاع، مرة أخرى، للحصول على الضروريات الأساسية.

وفي الوقت الذي يجب فيه إجراء تقييم واضح لمقدار الأموال المطلوبة لإعادة بناء البنية التحتية التي دمرت الشهر الماضي، إلا أنه قد يكلف المليارات بسهولة. لقد قطعت وعود بالمساعدات لكن لا أحد يتوقع أن تتم إعادة الإعمار بسرعة. في عام 2014، تشرد حوالي 170 ألف شخص ولا يزال الكثيرون يقبعون في مساكن مؤقتة حيث لم تكتمل إعادة بناء منازلهم.

وقالت تمارا الرفاعي، المتحدثة باسم الأونروا، وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين المسؤولة عن احتياجات 1.4 من مليوني شخص يسكنون غزة، إنه من المتوقع الانتهاء هذا الشهر من تقييم المنازل المدمرة والمتضررة بشدة، ” على الرغم من أننا لم نحصل بعد على أموال كافية لتنفيذ خططنا لإعادة بناء مساكن ومنازل بعض اللاجئين الفلسطينيين الذين دمرت منازلهم في عام 2014″.

وتعهد الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن بالمساعدة في إعادة بناء غزة من خلال السلطة الفلسطينية وفي إطار آلية تابعة للأمم المتحدة. ولم يتضح بعد نوع آلية المراقبة التي تفكر فيها أمريكا، لكن الفلسطينيين يأملون ألا تكون هي نفسها التي تم إنشاؤها في عام 2014.

فقد تم إنشاء آلية إعادة إعمار غزة، وهي هيئة ثلاثية تتألف من الأمم المتحدة كوسيط بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، في مؤتمر القاهرة لإعادة بناء غزة بطريقة لا تنتهي بها المواد ذات الاستخدام المزدوج بيد حماس.
كانت عملياتها بيروقراطية للغاية وأبطأت إعادة الإعمار، ومع ذلك يشتبه في أن حماس سرقت المواد المخصصة للبنية التحتية المدنية. بالإضافة إلى ذلك، كانت العديد من الدول العربية مترددة في التبرع بالأموال بسبب الخوف من أنها قد تجد طريقها في النهاية إلى حماس.

وأشارت الكاتبة إلى أن المثقفين الفلسطينيين حذروا من أن آلية إعادة إعمار غزة ستفشل في مساعدة الفلسطينيين وردع حماس عن صنع أو إطلاق الصواريخ. وكان من بينهم عمر شعبان، مؤسس ومدير مؤسسة فكرية مقرها غزة تسمى (بال ثينك). وقال إنه كان ينبغي تشكيل هيئة وطنية من الفلسطينيين للقيام بإعادة الإعمار بدلا من إسناد ذلك إلى الأمم المتحدة.

وقال “لست أنا الوحيد، بل قال العديد من الفلسطينيين الآخرين إن آلية إعادة إعمار غزة ستفشل وأي آلية أخرى تشمل الأمم المتحدة ستفشل أيضا.. لقد قلنا أنه يجب إنشاء هيئة وطنية بعيدة عن حماس وبعيدة عن السلطة الفلسطينية للقيام بمهمة إعادة الإعمار بالتنسيق مع الهيئات الدولية مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي حتى يعرف الجميع أين وكيف يتم إنفاق الأموال”.

وقال مخيمر أبو سعدة، الأستاذ المشارك ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، إنه من المستحيل منع وصول جميع مواد إعادة الإعمار إلى أيدي حماس. وقال: “تذهب جميع المواد والمساعدات المالية إلى العائلات، لكن في نهاية المطاف، ترتبط بعض هذه العائلات بحركة حماس.. فما لا يقل عن 30% من سكان غزة مؤيدون لحماس”.

لكنه أضاف أن السياسات الإسرائيلية ساعدت على صعود حماس بدلا من عرقلة مشروعها في غزة. مضيفا أن الاتفاق مع قطر كان يهدف إلى إبقاء حماس في اللعبة وذات صلة بغزة بهدف نهائي هو ضمان انقسام الفلسطينيين لمنع إجراء حوار سياسي إلى أجل غير مسمى. وقال: “كانت استراتيجية نتنياهو تتمثل في إضعاف السلطة الفلسطينية، وتجنب مفاوضات السلام الجادة، وتمكين حماس. وكثيرا ما قال إن الانقسام الداخلي بين الفلسطينيين يصب في مصلحة إسرائيل الاستراتيجية. تم إبقاء حماس على قيد الحياة عمدا. إذا كانت إسرائيل تلوم قطر فعليهم لوم أنفسهم ونتنياهو أيضا “.

وأكدت قطر أن المساعدة قدمت بالاتفاق مع إسرائيل وأن الإسرائيليين على دراية جيدة بكيفية استخدام الأموال.

ومع ذلك، ترغب إسرائيل في استبدال قطر، الداعمة لحركة حماس والإخوان المسلمين، بالكتلة العربية الأخرى لتتولى زمام المبادرة في إعادة إعمار قطاع غزة في المستقبل. قال الدكتور كول ليرمان: “مصر أعلنت عن نصف مليار دولار، ويتساءل المرء من أين أتت لأنهم فقراء، لكنني لن أتفاجأ إذا كانت الأموال إماراتية هي للتفوق على قطر. نريد أن تكون مصر في مقعد القيادة”.

ويعتقد الخبراء من مختلف الطيف السياسي في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة أنه من المستحيل نزع سلاح حماس بالكامل ومن السذاجة الاعتقاد بأن الجماعة لن تحتفظ بجزء من مواد إعادة الإعمار والمساعدات المرسلة إلى غزة. لكن التحول في السياسة الإسرائيلية – من إبقاء الفلسطينيين منقسمين وإبقاء حماس حكومة فاعلة، إلى نزع الشرعية عن الجماعة داخل غزة والانخراط في حل سياسي ذي مغزى مع السلطة الفلسطينية المتمركزة في الضفة الغربية – يظل السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم.