برز كثيراً مصطلح القانون الدولي الإنساني في وسائل الإعلام أبان العدوان الأخير على غزة ،وضرورة احترام سلطات الاحتلال لمبادئه ،وعدم خرقها ،وهذا القانون الذي تعددت مسمياته فسمي بدايةً قانون الحرب، ثم قانون النزاعات المسلحة, حتى تأثر بحركة حقوق الإنسان في سبعينيات القرن الماضي ،وعلى أثر ذلك شاع استخدام مصطلح القانون الدولي الإنساني إلى يومنا هذا ، وقد عرفت البشرية قواعده منذ زمن بعيد وظل يتطور بتطور آلة الحرب والدمار ،وانتشار النزاعات المسلحة الدولية والداخلية والمختلطة ويعود أصل القانون الدولي الإنساني إلى أواسط القرن التاسع عشر، وشكَّلت اتفاقية جنيف الأصلية (1864م) حجر الزاوية له .
وتهدف هذه التسميات في جوهرها إلى حماية الأشخاص غير المشتركين في العمليات العسكرية أو توقفوا عن الاشتراك فيها, فضلا عن تقييد أساليب القتال ووسائله ، ورغم تعدد تعريفات القانون الدولي الإنساني، إلا أنها أجمعت على حقيقة واحدة مفادها أن هدف هذا القانون هو حماية الأشخاص الذين يعانون من ويلات الحرب ،ولا يسري القانون الدولي الإنساني إلا على النزاعات بين الدول، ولا يشمل الاضطرابات الداخلية.
ويرجع مصطلح القانون الدولي الإنساني International Humanitarian law إلى الأكاديمي والمحامي السويسري "Max Huber" والذي رأس اللجنة الدولية للصليب الأحمر وكان قاضياً في محكمة العدل الدولية ، ويُعتبر القانون الدولي الإنساني فرعا رئيسياً من فروع القانون الدولي العام إلا أنه كنظام إنساني لا يُحرم ولا يُجرم الحرب، ولا يبحث في مدى شرعيتها، إلا أنه يعمل على ترشيدها والحد من آثارها الوخيمة على الأبرياء، أي يعمل على " أنسنه الحرب ".
- وضع الأراضي الفلسطينية في القانون الدولي الإنساني
ينطبق القانون الدولي الإنساني على الأراضي الفلسطينية، كون الاحتلال جزءاً من النزاعات المسلحة الدولية، وتحديداً تنطبق عليها اتفاقية جنيف الرابعة التي كُرست لحماية المدنيين في الأراضي المحتلة.
ويستند القانون الدولي الإنساني إلى مجموعة من الاتفاقيات والنصوص المكتوبة والعرفية ومنها :-
أ – اتفاقيات جنيف الأربع المبرمة في 12 أغسطس/آب 1949م وهي:
- اتفاقية جنيف الأولى المعنية بحماية جرحى ومرضى القوات المسلحة في الميدان.
- اتفاقية جنيف الثانية المعنية بحماية جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار.
- اتفاقية جنيف الثالثة المعنية بأسرى الحرب.
- اتفاقية جنيف الرابعة المعنية بحماية السكان المدنيين وقت الحرب.
ب- بروتوكول جنيف الأول المكمل لاتفاقيات جنيف الأربع، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة المبرم عام 1977م.
ج- القانون الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية.
د- اتفاقية لاهاي المتعلقة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907م.
و- القانون الدولي الإنساني له جانب آخر عرفي غير مكتوب، وهو وفقَ اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتألف من قواعد مستمدة من ممارسات عامة مقبولة كقانون ،وتنبع أهمية القانون الدولي الإنساني العرفي في النزاعات المسلحة الحالية من أنه يسد الثغرات التي خلفها قانون المعاهدات في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، ومن ثم يعزز حماية الضحايا.
- العلاقة بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان
يرى سعد الله عمر أن القانون الدولي لحقوق الإنسان "عبارة عن مجموعة القواعد والمبادئ القانونية الدولية، التي تكفل لجميع الأفراد والشعوب التمتع بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية ،والثقافية ،وبالحقوق المدنية والسياسية، وتهدف بصورة مباشرة إلى تحقيق رفاهيتهم" ، ويتشابه القانونين في أن كل منهما يسعى إلى حماية حقوق الإنسان، ويختلفان من النواحي التالية:-
أ- قواعد القانون الدولي الإنساني تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وممتلكاته أثناء النزاعات المسلحة، في حين أن قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان تمتد إلى حماية حقوق الإنسان في زمني السلم والحرب.
ب- يتمتع ضحايا النزاعات المسلحة وفقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني بالعديد من الحقوق للتخفيف من آلامهم ومعاناتهم، ومن هذه الحقوق، الحق في الرعاية الصحية وحق المحتجزين في مراسلة عائلاتهم، أما قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان فتهتم بمسائل حرية التفكير، والعقيدة، وتكوين الجمعيات، والحق في التنمية.
ج- قواعد القانون الدولي الإنساني ملزمة لأطراف النزاع، في حين أن قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان ملزمة للحكومات في علاقتها بالأفراد .
- المبادئ الأساسية التي تحكم القانون الدولي الإنساني
يحكم القانون الدولي الإنساني مجموعة من المبادئ الأساسية والتي يجب أن تحترم من قبل الدول المتنازعة أثناء سير العمليات العسكرية، وتتمثل هذه المبادئ في :
- مبدأ الإنسانية / مبدأ التناسب .
- مبدأ الضرورة الحربية / مبدأ التمييز .
- مبدأ الحماية.
- اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمهام المناطة بها بموجب القانون الدولي الإنساني
هي لجنة غير حكومية مستقلة ومحايدة وغير متحيزة، معنية بتطبيق واحترام ونشر القانون الدولي الإنساني ، أسندت إليها الدول مهمة حماية ومساعدة ضحايا النزاع المسلح من خلال اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977م .
وتلعب اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولجانها الوطنية دوراً بالغ الأهمية في العمل على احترام القانون الدولي الإنساني ، ووقف انتهاكاته ،والعمل على نشر الوعي بأحكامه من خلال المنشورات المتخصصة ،والندوات العلمية ،والبرامج التعليمية والتدريبية والإعلامية.
وتتمثل المهمة الأساسية التي تتبناها اللجنة الدولية في العمل على تطبيق القانون الدولي الإنساني ،ومساعدة ضحايا النزاعات المسلحة ،والاضطرابات الداخلية من المدنيين والعسكريين وتقوم بزيارة أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين والبحث عن المفقودين ونقل الرسائل وتوفير المياه والغذاء والمساعدة الطبية ووسائل المراقبة والمساعدة والإغاثة للمدنيين. وتعمل على مساعدة الأشخاص المشمولين بالحماية عن طريق الاتصال الدائم بأطراف النزاع، ولفت نظر السلطات المختصة عند حدوث انتهاكات للقانون الدولي الإنساني.
كما تقوم اللجنة الدولية بدور وقائي لتفادى وقوع الانتهاكات وتقوم بالمساعي اللازمة لدى السلطات المعنية بشكل سري في حال وقوع انتهاكات ، ويمكن لهذه المسائل أن تأخذ طابع العلنية في حال تكرار الدول المتنازعة للانتهاكات .
- الفئات المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني
يهدف القانون الدولي الإنساني لحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية والغير دولية والذين خصتهم اتفاقيات جنيف بالحماية وهم:
- أفراد القوات المسلحة الجرحى والمرضى في الميدان، وأفراد الخدمات الطبية التابعة لها.
- أفراد القوات المسلحة الجرحى والمرضى والغرقى في البحار، وأفراد الخدمات الطبية التابعة لها.
- أسرى الحرب .
- السكان المدنيين وخصوصاً في الأراضي المحتلة، ويشمل المدنيين أفراد الخدمات الطبية، وأفراد الإغاثة الإنسانية، ووحدات الدفاع المدني ،المحتجزين والمعتقلين المدنيين. وبشكل عام، يشمل مصطلح المدنيين الأفراد غير المشاركين في عمليات القتال ويستثنى منه فقط الأفراد المشاركين بشكل مباشر في تلك العمليات .