معاريف - بقلم: زلمان شوفال "كل شيء ممكن في أجواء السوق الحالية، ولكن تكثر المؤشرات على أن حكومة التغيير باتت حقيقة. هذه الحكومة بسبب طابعها والجهات التي تعتمد عليها، تعكس شرخاً تاريخياً من ناحية صهيونية ومن ناحية قدرة الحكم على حد سواء. الأيديولوجيا أو محاولة بلورة قواسم مشتركة في مواضيع في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد وما شابه، لن تكون هناك على ما يبدو – ولكن ستكون هناك مساومات على الحقائب. ما سيبرز في هذه الحكومة، إضافة إلى الكراهية تجاه نتنياهو هو تنكر عاصرها للأهداف التي عرضوها في الانتخابات بل وحتى لمعتقداتهم السياسية المزعومة، والرخص السياسي الأوضح الذي هو من نصيب اليمين الأيديولوجي. حتى لو وضعنا الرواسب جانباً، وبعضها قد يكون مفهوماً، والتي هي لدى قادة “يمينا”، فليس في ذلك ما يشوش القول بأن طموحاتهم الشخصية غطت على كل الاعتبارات الأخرى، بما في ذلك مستقبل حزبهم، و”الصهيونية اليهودية” و”أمل جديد”، وكلٌّ حسب طريقه الخاص ساهم بدوره في الشرخ الحالي.
مثلما قال عالم الاجتماع السياسي ماكس ويبر، إن “السياسيين لا توجههم التزاماتهم بمبادئ معينة”، ولكن من الصعب مع ذلك عدم التساؤل كيف تتكرر التراجيديا اليونانية لإفشال حكومات الوسط – اليمين ونقل الحكم إلى اليسار – على أيدي اليمين المتطرف. هكذا فعلوا لإسحق شامير وهكذا فعلوا لبنيامين نتنياهو في ولايته الأولى كرئيس للوزراء، والآن ثانية. نتيجة لإسقاط شامير، كانت اتفاقات أوسلو، ونتيجة لإسقاط نتنياهو في حينه نشأ حقل ألغام سياسي بمعجزة نجونا منها. والآن، بسبب التهديد الإيراني من جهة والرياح التي تهب من واشنطن من جهة أخرى، ستكون النتائج أخطر بكثير.
لقد كانت مناكفة اليمين المتطرف لشامير ونتنياهو، وقبل ذلك لمناحم بيغن بعد اتفاقات السلام مع مصر، نابعة من السياسة يجب فيها الجسر أحياناً بين المرغوب فيه وبين ما يتوفر؛ ويسمى هذا البراغماتية. ففي 1996 عندما طرحت اللجنة السياسية لليكود خطة براغماتية للبحث في موضوع الضفة، عارضها النائب زئيف بنيامين بيغن باستخفاف، بدعوى أن “هذه براغماتية مثل المقايضة في السوق”. سياسة براغماتية مع التشديد على الجانب الأمني، وحماية البوصلة الأيديولوجية هي السبيل الذي قاد فيه نتنياهو بنجاح طريق إسرائيل السياسي ووصل إلى إنجازات غير مسبوقة في المجال الدولي وعلى الصعيد الإسرائيلي العربي. تحول “السلام الآن” من شعار تافه وخادع إلى واقع سياسي. وجاء هذا بدون الفلسطينيين الذين يصرون على رفضهم بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، ما جعل الرئيس بايدن يقضي بأنه السبب الحقيقي لغياب السلام.
ولكن السبيل السياسي قد يقف الآن أمام عقبة كأداء، إذ إن حكومة التغيير ستكون حكومة شلل وجمود، وبذور حلها مغروسة فيها من يومها الأول. عندما سنضطر إلى مواصلة التصدي للنووي الإيراني، كيف ستتخذ القرارات؟ عندما تعطي حماس وجهات فلسطينية أخرى، بما في ذلك إسرائيل، الإشارة لحملة شغب أخرى، هل سيكون هناك قاسم مشترك بين ممثلي اليسار في الحكومة وبين غانتس ورجال “يمينا”، ناهيك عن العنصر الحيوي في لوحة الفسيفساء السلطوية التي تسمى القائمة المشتركة؟ ماذا سيكون الرد الإسرائيلي عندما تحاول إدارة بايدن أن تدفع إلى الأمام بشكل نشط خططاً للشرق الأوسط بعامة وللموضوع الفلسطيني بخاصة، أو عندما تنشب أزمة اقتصادية من التضخم المالي العالمي؟ الحل المتوقع: ألا يقرروا. أما النتيجة الواضحة فهي الدونية والسلبية الإسرائيلية في كل المجالات. حماس أيضاً تفهم ذلك، وقد تعمل بموجبه، فيما أن هجمة الصواريخ والإرهاب الأخيرة شكلت لها “بروفة” عامة.
للنزاهة، لا ينبغي أن نشوش أيضاً ظلال الحكومة المنصرفة وتلك التي سبقتها. ظلال نبعت جزئياً سواء من تركيبتها الشخصية أو من علل الحكم كنتيجة لطريقة الانتخابات القائمة. لعل النعمة الوحيدة في الوضع المقلق الحالي هي أن في المعارضة الجديدة ستتخذ خطوات لإصلاح الوضع على المستوى القومي والحزبي على حد سواء. حالياً، لا يتبقى إلا الأمل في أن تتمكن الدولة من تجاوز نتائج الشرخ الحالي وفترة حكومة التغيير.