هآرتس - بقلم: مايكل شرنوف "أُسست المملكة الهاشمية في البداية بصفتها إمارة في شرقي الأردن عام 1921، وحصلت على الاستقلال من البريطانيين في 1946. ومنذ ذلك الحين، نمت كلاعبة رئيسية في الشرق الأوسط. للأردن علاقات وثيقة مع الغرب، ومكانة الحليف الرئيسي غير العضو في الناتو. وقد وقّع الأردن على اتفاق سلام مع إسرائيل، وله علاقات جيدة مع الفلسطينيين والدول العربية. لذلك، مكانته الجيواستراتيجية الفريدة تحوله إلى لاعب حيوي في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وفي الحرب الأهلية في سوريا، وفي الصراع العالمي ضد تنظيم “الدولة” وضد المنظمات المتطرفة العنيفة الأخرى.
الأردن أحد الدول العربية الأكثر استقراراً في الشرق الأوسط، فهو لم يُجرّ نحو أعمال العنف المرعبة التي حدثت في سوريا واليمن، أو نحو الفوضى وعدم الاستقرار التي ميزت ليبيا ولبنان والعراق. ولكن رغم أن الأردن أثبت متانة أكثر من جيرانه، إلا أنه غير محصن من النزاعات. ففي بداية نيسان 2021 تم وضع الأمير حمزة، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله، في الإقامة الجبرية، وتم اعتقال عشرات الشخصيات الأردنية الرفيعة بتهمة محاولة الانقلاب.
محاولات من هذا النوع ضد العائلة المالكة الهاشمية نادرة في الأردن. بوساطة الأمير حسن، عم الملك عبد الله، وقّع الأمير حمزة على وثيقة ولاء للعائلة الهاشمية. بذلت القيادة الأردنية جهوداً كبيرة لتسوية الأمر بسرعة، لكن الاعتقالات شكلت رسالة حازمة استهدفت ثني أردنيين آخرين عن إسماع الانتقاد ضد الحكومة. وفي حين أن الأردنيين يواجهون هذه التطورات، سيحتاجون أيضاً إلى التغلب على تحديات أمنية أخرى كثيرة في العام 2021، التي تؤثر على السياسة والأمن، داخليا وإقليمياً.
القدس
القدس هدف مقدس بالنسبة للأردن، فالمملكة تعتبر القدس جزءاً من مسؤوليتها للحفاظ والدفاع عن الأماكن المقدسة، الإسلامية والمسيحية، لا سيما المسجد الأقصى الذي هو المكان الثالث المقدس في الإسلام، وقبة الصخرة التي -حسب العقيدة الإسلامية- عرج منها النبي محمد إلى السماء. يقول الأردنيون إن تأثيرهم على القدس بدأ في العام 1924 عندما أقسم الفلسطينيون قسم الولاء للشريف حسين بن علي من مكة، زعيم الثورة العربية الكبرى، بالدفاع عن والحفاظ على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس.
من ناحية تاريخية، ساعدت الوصاية الهاشمية على القدس في تثبيت النظام الأردني وخلقت شرعية للسيادة الأردنية على شرقي القدس والضفة الغربية، ومنحت المملكة صلاحيات دينية لتمثيل مصالح عربية وإسلامية. هذا الحق الخاص حظي بالاعتراف من قبل الفلسطينيين والأردنيين الذين اعتبروا المملكة الأردنية الوصي الهاشمي على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس. ومن ناحيتها، اعترفت إسرائيل بدور الأردن الخاص في القدس، وهو اعتراف صودق عليه رسمياً في اتفاق السلام في العام 1994 الذي بحسبه إسرائيل “تحترم الدور الخاص الحالي الذي تقوم به المملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس”.
الوصاية الهاشمية المستمرة تربط المملكة بالإسرائيليين، والفلسطينيين بعلاقات عميقة، وتلعب دور المهدئ في الاستقرار الإقليمي. ووفقاً لذلك، يتوقع الأردنيون أن يكون لهم نفوذ في أي اتفاق بين الطرفين، الذي سيحدد المكانة النهائية. ورغم أن الأردن يؤيد حل الدولتين وتقسيم القدس بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أن الملك عبد الله يرفض أي تغيير في الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، ويصد كل الجهود الرامية إلى استبدال أو إضعاف النفوذ الهاشمي في القدس.
اتفاقات “إبراهيم” بين إسرائيل ودول الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، زادت تخوفات الأردن من أن تعرض إسرائيل والولايات المتحدة على السعودية دوراً في القدس مقابل الاعتراف وتطبيع العلاقات. تخوفات الأردن ربما مبالغ فيها، لكنها مبنية على أساس. فمقابل الاعتراف بإسرائيل، حصلت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان على تنازلات كبيرة من الولايات المتحدة. وضعضعة موقف الأردن ستسحب من الهاشميين عموداً ثابتاً ورئيسياً في شرعية المملكة الدينية، وستقلل من قدرة الأردن على التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين. وحتى شائعات عن دور السعودية في القدس تكفي لإشعال العداء ضد إسرائيل وأمريكا في المملكة وخلق ضغط زائد على النظام الأردني.
الضفة الغربية
اعترف الأردن بالضفة الغربية، التي تسمى أيضاً “يهودا والسامرة”، وقام بضمها كجزء لا ينفصل عن المملكة الهاشمية من العام 1950 حتى العام 1967. وبعد احتلال إسرائيل للمنطقة في حرب الأيام الستة في 1967 استمر الأردن الادعاء بالسيادة على الضفة الغربية حتى قرار الملك حسين فك الارتباط في 1988. أمل الأردن بأن سيعزز عقد اتفاق السلام مع إسرائيل فك الارتباط عن الضفة الغربية، ويدحض ادعاء أن الأردن هو فلسطين، ويمنع إمكانية تحول الأردن إلى وطن بديل للشعب الفلسطيني.
بعد مرور أكثر من ربع قرن على التوقيع على اتفاقات أوسلو، لم ينجح الفلسطينيون في إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية. عدد من الفلسطينيين – الأردنيين، الذين يشكلون معظم السكان في الأردن، اعتبروا تعهد نتنياهو بضم الضفة الغربية و”صفقة القرن” للرئيس ترامب، محاولة لإفشال إقامة الدولة الفلسطينية. وإن خيبة أمل متزايدة من القضية الفلسطينية التي لا يتم حلها في الضفة الغربية يمكن أن تخلق احتكاكات شديدة وتضعضع الاستقرار بين الهاشميين وسكان الضفة الغربية والفلسطينيين في الأردن.
الأردنيون يعتبرون هذه الاقتراحات كجزء من خطة إسرائيلية وأمريكية أوسع لضم الضفة الغربية ومنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية. هذا السيناريو قد يشجع هجرة أخرى للفلسطينيين نحو الضفة الشرقية. إن تدفق لاجئين آخرين سيضع أمام المملكة تحديات اقتصادية وإنسانية وسياسية جديدة، في الوقت الذي تواجه فيه تياراً كبيراً من اللاجئين السوريين. وتزايد عدد اللاجئين في الأردن سيؤدي أيضاً إلى ازدياد حدة التوتر بين وطنيين أردنيين وبين السكان الفلسطينيين الذين يشكلون الأغلبية في الأردن، والذين يمكن أن يضعوا عقب ازدياد عددهم تحديات جديدة أمام النظام والتجند للمطالبة بدمقرطة وتمثيل أكبر في القطاع العام.
من أجل محاولات تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين، طالب عدد من السياسيين والمفكرين الفلسطينيين – الأردنيين، بتجديد دور الأردن في الضفة الغربية. وحسب أقوالهم، فإن مصالح الأردن في المجال الأمني – الوطني سيحافَظ عليها بشكل أفضل إذا ما تم إلغاء قرار فك الارتباط من العام 1988 والإعلان مجدداً عن المطالبة بالسيادة في الضفة الغربية وإعادة المنطقة إلى سيطرة التاج الهاشمي. هذا الموقف لا يعكس سياسة المملكة الرسمية. ومن الأرجح أن الأردن لن يغير سياسته تجاه الضفة الغربية. ولكن طالما بقيت هناك مواقف أردنية كهذه، فستهدد مسائل داخلية حساسة تتعلق بالهوية الوطنية وستستخدم ضغطاً آخر على الملك عبد الله، وهو أمر قد يضعضع استقرار المملكة الهاشمية على المدى البعيد.
اللاجئون
يشكل اللاجئون السوريون 10 في المئة تقريباً من السكان في الأردن، وعددهم تقريباً 650 ألف نسمة، وهم مسجلون في مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. 50 في المئة منهم هم من الأطفال. واللاجئون السوريون بحاجة إلى مساعدة متواصلة في تمويل الخدمات والمواصلات. حسب أحد الاستطلاعات، 4 في المئة من اللاجئين السوريين في الأردن، الذين هم تحت سن 5 سنوات، يعانون من نقص في الغذاء. مخيم الزعتري للاجئين هو المخيم الثاني من حيث الحجم في العالم، والذي تحول إلى المدينة الرابعة من حيث الحجم في الأردن. في مخيم الزعتري مرحاض واحد لكل 50 شخصاً.
المجموعة السكانية للاجئين في الأردن هي من المجموعات الأكبر في العالم، وتشكل خُمس سكان الدولة، وتشكل عبئاً غير متوازن على كاهلها. التحديات الإنسانية والاقتصادية الكبيرة لمساعدة اللاجئين تشكل ضغطاً كبيراً على الدولة، التي مواردها محدودة أصلاً.
توفير المياه النظيفة والغذاء السليم والظروف الصحية في المخيمات صعوبة متواصلة. تقديم تعليم نوعي تحد آخر، وليس أمراً نادراً أن يتعلم في الصف الواحد بضع عشرات الطلاب. التحدي المتواصل الذي يواجهه الأردن هو تقديم مساعدة مناسبة للاجئين وتحديد زمن العودة إلى بلادهم التي جاءوا منها. ومنع اللاجئين الغاضبين والفقراء من تبني أيديولوجيا متطرفة وبعيدة المدى.
يحصل الأردن على دعم دولي، لكنه لا يكفي احتياجات السكان اللاجئين بهذا القدر. كدولة فيها عدد قليل من السكان وتخلو من النفط أو الغاز الطبيعي، لا يمكنه للأردن مواصلة تقديم ملجأ لمئات آلاف اللاجئين لزمن غير محدود. ولتلبية التطلعات للتعامل مع هؤلاء اللاجئين في السنوات الثلاث القادمة، توجه الأردن للمجتمع الدولي بطلب توفير 6.6 مليار دولار له، حتى لو كان من غير الواضح ما إذا كان سيتم الموافقة على هذا الطلب.
الاقتصاد
سيقول الأردنيون في معظمهم إن تحسين الاقتصاد يقف على رأس سلم الأولويات، خاصة بعد أن زاد وباء كورونا من شدة التحديات الاقتصادية الطويلة. بصورة تقليدية، يعتمد الاقتصاد الأردني على المساعدات المالية من الدول العربية الغنية والدول الغربية، وعلى السياحة التي تسمى “نفط الأردن”، التي تساهم 15 في المئة في الناتج الإجمالي الخام وتشغل 60 ألف شخص. وباء كورونا فاقم تحديات اقتصادية أخرى في المملكة. حسب المعهد الأردني للتضامن مع النساء (اس.آي.جي.آي)، المعروف باسم “هدامون”، فإن أكثر من مليون أردني يعيشون بأقل من 100 دولار في الشهر. النساء يملن إلى التضرر من الفقر الزائد أكثر من الرجال. و 10 في المئة من النساء فوق سن 15 سنة فقط يعملن.
مع ذلك، الصورة ليست محزنة تماماً. في الأردن مجموعة سكانية مثقفة جداً، من بينهم شباب ذوو خبرة تكنولوجية، يتوقون جداً إلى الابتكار وإلى فرص جديدة. وبما يشبه رؤيا 2030 للسعودية، أيضاً مبادرة الأردن 2025 هي مشروع طموح ويقترح تنويع الاقتصاد في الأردن وخلق فرص عمل جديدة تستجيب لاحتياجات وطلبات القرن الواحد والعشرين. وبوجود مجموعة سكانية فتية ومدربة، للمملكة إمكانية كامنة عالية للنجاح في تجنيد الرأس مال البشري فيها والإسهام في الاقتصاد.
محاربة تنظيم”الدولة” وتنظيمات متطرفة وعنيفة أخرى
يعتبر الأردن من الدول الأكثر أمناً واستقراراً في منطقة الشرق الأوسط. ولكن موقعه يحوله إلى دولة قابلة للإصابة ويجعله عرضة للانتهاك والتطرف العنيف والعمل على تقويض نظامه. الاقتصاد الذي تضرر بشكل كبير بسبب كورونا والعدد الكبير من اللاجئين القلقين، تثير في الأردن حساسية للأيديولوجيا الراديكالية. منظمات متطرفة عنيفة نفذت في السنوات الأخيرة عمليات كبيرة في الأردن. في العام 2005 نفذت عملية في عمان، أعلن فرع القاعدة في العراق، التابع لأبو مصعب الزرقاوي، المسؤولية عن تنفيذ هذه العملية. وقد قتل في هذه العملية 57 شخصاً معظمهم من الأردنيين. وبعد بضعة أيام من العملية، خرج الأردنيون إلى الشوارع في مظاهرات كبيرة وهتفوا “ليحترق الزرقاوي في جهنم”.
حرب الخليج الثانية في العراق في العام 2003 قادت إلى تأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، والحرب الأهلية في سوريا في 2011 ساعدت على تأسيس تنظيم “الدولة” في سوريا والعراق (الدولة). وحسب تقديرات رسمية مختلفة، حوالي 3 آلاف أردني حاربوا تحت راية “الدولة”، الأمر الذي حول الأردن إلى الدولة الرائدة في العالم في عدد المتجندين في صفوف تنظيم “الدولة” بالنسبة لعدد سكانها. وبعد تقلص عدد “الدولة”، سيضطر الأردن إلى مواجهة المواطنين العائدين إليه بعد القتال في صفوف “داعش”. هل ستتم محاكمتهم في المحاكم؟ هل سيتم سجنهم؟ هل يمكن إعادة تأهيلهم؟ ستكون لهذه الأسئلة تداعيات بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي.
مواطنون أردنيون غادروا الدولة من أجل الانضمام لـ”الدولة”. ولكن هذا التنظيم الإرهابي هاجم الأردنيين أيضاً. وبعد أن أعدم “الدولة” الطيار معاذ الكساسبة بشكل وحشي، كان رد الأردن سريعاً. بعد العملية في الكرم في 2016 تجمع الأردنيون لطرد “الدولة”، ومنهم ساعدوا المخابرات الأردنية. المخابرات العسكرية المهنية والفعالة في الأردن وجهاز أمنها لعبوا دوراً حاسماً في صد منظمات متطرفة عنيفة. إضافة إلى ذلك، عملت الديمغرافيا والسياسة في الأردن كما يبدو في صالح الدولة. “الدولة” في نهاية المطاف يريد أن يضعضع ويستغل الدول الضعيفة وغير المتجانسة مثل سوريا والعراق واليمن. ولكنه واجه صعوبة في الحصول على موطئ قدم في ممالك أكثر استقراراً وتجانساً من ناحية دينية مثل الأردن والسعودية والمغرب.
شارك الأردن في تحالفات دولية ضد “الدولة”، وما زال يلتزم بالتعاون الاستخباري مع حلفاء وشركاء من أجل هزيمة هذا التنظيم المتطرف. المعركة العسكرية في الحقيقة نجحت، لكن الصراع الأيديولوجي لردع الانضمام إلى تنظيمات مثل “الدولة” هو تحد للمدى البعيد. بادر الأردن إلى برامج مثل “رسالة عمان” في 2004 للحصول على التعاطف، مع التأكيد على التسامح والتعددية والاعتدال. في 2014 رسخ الأردن استراتيجية لمحاربة التطرف العنيف، وسجلت نتائج مختلطة. مع ذلك، الأردن ليس وحده بأي شكل من الأشكال في هذا الصراع الطويل. فمركز “هداية” الذي يتخذ أبو ظبي مقراً له، هو مبادرة مهمة أخرى لمكافحة التطرف العنيف من خلال الحوار وبناء القدرات والبحث.
توصيات
إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تعتبران الأردن شريكاً استراتيجياً فعليهما الاعتراف بتخوفاته الأمنية، وعليهما فحص طرق جديدة لزيادة الثقة وتعزيز التعاون الأمني من أجل التوصل إلى سلام واستقرار في المنطقة. هذا لن يكون سهلاً، ولا توجد أي ضمانة بأن يكون التقدم سريعاً، فمواقف جمهور الناخبين للملك عبدالله تؤثر على موقف الأردن بالنسبة للتعاون الأمني الوثيق مع إسرائيل والولايات المتحدة.
لا شك بأن سيكون من الصعب تعزيز العلاقات وتحسين الثقة بدون التعامل باحترام مع سيادة ومصالح المملكة، وبدون أي تقدم في المسألة الفلسطينية. قد تدعم إدارة بايدن توسيع دور الأردن الدبلوماسي في النزاع العربي – الإسرائيلي، وهي مقاربة يمكن أن تقلل المخاوف في المملكة. تصريحات علنية لنتنياهو عن احترام دور الأردن الخاص في القدس يمكن أن تساعد على تخفيف التوتر. الشكوك الأردنية ربما لن تختفي، لكن بادرات حسن نية كهذه ستساهم في إعادة الثقة وخلق فرص جديدة للتعاون الأمني الإقليمي.