إيكونوميست: حل الدولتين انتهى وأوسلو فقدت مفعولها.. وهذا هو البديل لحل الصراع

الجمعة 28 مايو 2021 08:43 م / بتوقيت القدس +2GMT
إيكونوميست: حل الدولتين انتهى وأوسلو فقدت مفعولها.. وهذا هو البديل لحل الصراع



لندن /سما/

 خصصت مجلة “إيكونوميست” افتتاحية ومقالا مفصلا في عددها الأخير للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني واختارته ليكون صورة لغلاف العدد تحت عنوان: “دولتان أم دولة واحدة؟ كيف أصبحت العملية السلمية معوقا للتسوية”. وقالت إن عملية أوسلو عام 1993 كان من المفترض أن تقود إلى دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيلية، ولكن النتيجة هي تحول الأرض المقدسة إلى واقع دولة غير متساوية. وقارنت بين مستوطنة عورانيت في الضفة الغربية المرتبطة بمواصلات سهلة مع تل أبيب وقرية عزون عتمة القريبة من قلقيلية التي باتت محاصرة بالكتل الاستيطانية ولا يستطيع سكانها التحرك والتنقل منها وإليها.

وهي من الناحية النظرية جزء من الدولة الفلسطينية في المستقبل ولكنها واقعة في منطقة “جيم” التي تطبق فيها إسرائيل القوانين العسكرية والإدارية.

والسؤال حول كيفية تقسيم الأرض أصبح من الصعب الإجابة عليه، مع أن تحديد دولتين لم يحصل بعد، فالأرض أصبحت تحت سيطرة إسرائيل ويعيش فيها اليهود والفلسطينيون على مرمى حجر من بعضهم البعض. ولدى كل منهما حقوق مختلفة ومنظور غير متساو عن المستقبل.

وأشارت الصحيفة إلى مصافحة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين في حديقة البيت الأبيض عام 1993 وتوقيع اتفاقيات أوسلو التي كانت ستحل نصف قرن من النزاع عبر إنشاء دولة فلسطينية بعد 5 أعوام من توقيع الاتفاقية، وتحول الأمل إلى يأس، ومنذ 5 أعوام لم يجلس الطرفان على طاولة المفاوضات. وتقول إنه في كل مرة تحصل فيها مواجهة بين الطرفين، يجري الحديث عن ضرورة العودة إلى المفاوضات، لكن هذه الدعوات تخفي وراءها فشل العملية السلمية.

فعلى مدى عقد من المفاوضات لم يظهر منها سوى جبل من الخرائط وبيانات عن السياسة، مع أن شكل حل الدولتين يعرفه الجميع. والمشكلة في العملية السلمية غير نابعة من غياب العملية نفسها ولكن لأن العملية أصبحت في حد ذاتها بديلا عن السلام.

فمواصلة العملية السلمية على أمل تحقيق اختراق هو مجرد فانتازيا. وهي مجرد تظاهر بأن الظروف على الأرض، من ناحية التوسع الاستيطاني المستمر وسيطرة إسرائيل على القدس الشرقية والخلاف بين الضفة الغربية وغزة، مجرد معوقات وليست حواجز لا يمكن التغلب عليها.

كما وتتجاهل التحول في السياسة وتغير الرأي العام، فهناك نسبة كبيرة من الفلسطينيين والإسرائيليين باتت تعارض حل الدولتين وكذا حكومتين من 3 بين نهر الأردن والبحر المتوسط. وحان الوقت للاعتراف بأن المعيار الذي قام على مقايضة الأرض من أجل السلام قد فشل.

وكان في الحقيقة غير مساعد وذا نتائج سلبية، فالعملية السلمية منحت إسرائيل الغطاء كي تحصن الاحتلال الذي يبدو دائما وأسهمت في تعفن السياسة الفلسطينية.

ونتيجة كل هذا، سواء اليوم أو في المستقبل حول حل الدولة الواحدة. وكان هدف السلطة الوطنية انتقاليا ولن يزيد وجودها عن خمسة أعوام حسب اتفاقيات أوسلو وليس للأبد.

وتقول إن الموعد جاء وذهب وظلت السلطة، واقترب الطرفان من حل في كامب ديفيد، حيث تم لوم عرفات على فشلها، مع أن الصورة أكبر من هذا، فهناك طرف آخر وهو رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك.
ومهما يكن فقد أدت محادثات كامب ديفيد إلى الانتفاضة الثانية. ورغم ذلك لم تتوقف المحادثات وتبعتها خطة الطريق وطابا ومحادثات أنابوليس وشرم الشيخ. وحاول باراك أوباما تحقيق تقدم بدون أن يكون لجهوده اسم، حيث جاءت وسط حرب استمرت 51 يوما بين حماس وإسرائيل.
ولم تحدث مفاوضات مباشرة منذ عام 2014، ثم جاء دونالد ترامب في “صفقة القرن” بدون أن يكون للفلسطينيين أي دور فيها. ولم يبد خليفته جوزيف بايدن أي ميل حتى للمحاولة.
ولعب دورا ثانويا في اتفاقية وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل ثم أرسل بعد ذلك وزير خارجيته أنتوني بلينكن، لإجراء محادثات تركزت على المساعدات لغزة بدون أي ذكر للعملية السلمية.

وأشارت إلى الكيفية التي تغير فيها الموقف الأمريكي، ففي 1968 أرسل سلف بلينكن، دين راسك، رسالة شديدة اللهجة إلى السفارة الإسرائيلية في واشنطن، لاحظ فيها أن إسرائيل تخطط لإنشاء مستوطنات مدنية في الضفة الغربية المحتلة والتي قال إنها لا تخرق ميثاق جنيف بل و”وتعطي مظهرا أن إسرائيل لا ترغب بتسوية تتضمن انسحابا من المناطق”.
واليوم يعيش فيها حوالي 440.000 مستوطن وهو رقم زاد أربعة أضعاف منذ أوسلو. ولم يفعل المجتمع الدولي أي شيء لوقفها وقبل الدبلوماسيون بالوضع وأنه مؤقت، وهو زعم تكذبه مليارات الشواقل التي أنفقت في البنى التحتية لها والمساكن.

ويقول المفاوضون إن “الكتل” الاستيطانية الكبرى والتي يعيش فيها 3 أرباع المستوطنين ليست عقبة للمفاوضات، مع أن أكبرها مثل مستوطنة أرييل تقع في منتصف الطريق في عرض الضفة الغربية، وهناك شريط من الكتل التي خرقت خطوط الدولة الفلسطينية.
وهناك 100000 مستوطن يعيشون في مستوطنات معزولة ويجب إخلاؤها وهو عدد أكبر بـ12 ضعفا للمستوطنين الذين تم إجلاؤهم من غزة عام 2005. ويتمتع المستوطنون اليوم بسلطة سياسية لم يحصلوا عليها من قبل، فخمسة أحزاب في الكنيست مكرسة لتوسيع الاستيطان، ولديها معا 56 مقعدا. ودعا أعضاء في حزب العمل لضم أجزاء من الضفة الغربية وإنهاء أسطورة المستوطنات “المؤقتة”.

ووجد استطلاع لمعهد الديمقراطية في إسرائيل أن نسبة 33% تعارض الضم. وترى المجلة أن خطة ترامب التي لم تقبل وكانت محلا للسخرية هي الحل الواقعي عما سيظهر من خلاله أرخبيل المناطق الفلسطينية المرتبطة بالطرق والأنفاق، ومع ذلك لم تعجب المستوطنين الذين يرون في مجرد وجود الفلسطينيين لعنة.

ولم تمنح خطة ترامب عاصمة للفلسطينيين في القدس الشرقية ولكن في الأحياء على الطرف الآخر من جدار الفصل، وهذا يعكس السياسة الإسرائيلية التي يرفض فيها أي حزب كبير تقسيم المدينة. وهي محاطة بسلسلة من المستوطنات التي يعيش فيها 100.000 مستوطن.

وهي عقبة أمام أي تواصل بين القدس والضفة الغربية. ويستخدم المتطرفون اليهود المحاكم لطرد الفلسطينيين من القدس الشرقية. ويرون أن كل تلة أو بيت يسيطرون عليه يجعل من الصعوبة على إسرائيل التخلي عن الضفة. وهم وإن نجحوا في تخريبهم إلا أن عليهم القلق، نظرا لعدم وجود زعيم فلسطيني يعقد صفقة معهم. فمحمود عباس، رئيس السلطة الوطنية الذي يحكم منذ 2005، لا يحظى بشعبية وتطالب نسبة 68% من الفلسطينيين برحيله. وهو بدون شرعية ويحكم بالمراسيم، لا يتحدث بالضرورة نيابة عن كل الفلسطينيين، وليسوا كلهم خاضعين لسيطرته، فأهل القدس الشرقية عالقون بين السلطة الوطنية التي لا تملك سلطة عليهم وبين الحكومة الإسرائيلية. وهناك أكثر من مليونين في غزة تحت سيطرة حماس. ولم تعد إسرائيل مهتمة بحل الدولتين وهذا بسبب جهود بنيامين نتنياهو الذي دعم على تردد حل الدولتين وظل يعمل منذ 2009 على منعه.

وظل الدبلوماسيون يحذرون من مخاطر الاحتلال، لكنه أثبت خطأهم، فالضفة هادئة والاقتصاد مزدهر وعلاقات إسرائيل مع جيرانها العرب أفضل. وبدون ضغط لحل النزاع، فمعظم الأحزاب الإسرائيلية تعارض حل الدولتين أو تتجاهله. وحتى حزب العمل الذي كان في قلب معسكر السلام وفاز بـ 44 مقعدا في وقت اتفاقيات أوسلو، لم يحصل إلا على 7 مقاعد في الانتخابات الأخيرة. وفي استطلاع فلسطيني جرى في آذار/مارس وجد أن 40% تدعم حل الدولتين أقل من 51% عام 2016 و56% عام 2011. وبين اليهود في إسرائيل انخفض الدعم من 53% عام 2016 إلى 42% العام الماضي. وقبل خمسة أعوام دعمت نسبة 82% من العرب في إسرائيل حل الدولتين أما اليوم فالنسبة هي 59%. لكن لا يعرف الفلسطينيون واليهود ما يدعمون، فالبعض يدعم دولة ثنائية القومية وهناك من يريد دولة تمييز عنصري. وبعض الفلسطينيين يريدون رمي اليهود في البحر وبعض اليهود يريدون رميهم في الأردن والخيار الوحيد بعد حل الدولتين هو “لا حل”. ويجب ألا يكون الحل دولة ثنائية القومية بل كونفدرالية بمؤسسات وحدود غير مرسومة، وهو خيار عبر كل من الرئيس الإسرائيلي الحالي رؤوفين ريفلين وعباس عن انفتاح تجاهه.

وكان وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري واضحا في تحذيره بالأيام الأخيرة لأوباما أن النزاع يسير نحو حقيقة الدولة الواحدة “منفصلين وغير متساوين” في إشارة لقانون جيم كرو في أمريكا، فقد كان يعرف ما يعنيه هذا لمستمعيه الأمريكيين، فالجماعات الفلسطينية الأربع في داخل الأرض المقدسة تواجه تمييزا من نوع مختلف مقارنة مع المميزات التي يتمتع بها اليهود.

فالعرب في إسرائيل وإن حملوا الجنسية الإسرائيلية ولكن حقوقهم ليست متساوية وقلل قانون الدولة القومية من وضعهم عندما حدد تقرير المصير باليهود فقط. فمستوى الفقر لدى العرب يصل إلى 36% أي ضعف اليهود. ويظل معدل الدخل الشهري أقل بنسبة 34% مقارنة مع اليهود.

وأقرت المحكمة العليا حق المدن الصغيرة للتحقق من مناسبة السكان لمنع العرب من العيش فيها. أما سكان القدس الشرقية فهم في وضع غامض، ويرفض الكثيرون منهم الحصول على الجنسية على أمل حل للنزاع، وهم في خوف دائم من خسارة هوية الإقامة، ومنذ عام 1967 تم تجريد 14.000 من سكان القدس الشرقية من هوياتهم.

والفلسطيني المولود في رام الله التي لا تبعد إلا مسافة قصيرة من القدس لا يمكنه زيارة القدس بدون تصريح، والحياة محدودة بثلث المنطقة الواقعة تحت سيطرة السلطة الوطنية. ويعانون من الحواجز والقيود على الحركة. وفي غزة لم يغادر المولود الذي ولد فيها عام 2007 القطاع أبدا. وتعطي إسرائيل تصاريح لعدد مختار من المواطنين للمرور عبر معبر أيرتز. أما مصر فتسمح لأعداد قليلة لعبور معبر رفح. ونصف سكان القطاع تقريبا بدون عمل ونسبة 80% من السكان بحاجة لمساعدات إنسانية.

وفي وقت المشاكل تختفي هذه الفروقات كما حدث في بداية أيار/مايو عندما توسعت الاضطرابات من القدس إلى داخل إسرائيل والضفة ومن ثم المواجهة في غزة. ولكن في الأوقات العادية فالقيادة الفلسطينية راضية بهذه الوضع للحفاظ على إقطاعياتها. وقالت المجلة إن مراسلا قابل محمود الزهار احد قادة حماس وقال إن الفلسطينيين في الضفة يواجهون خطر تدمير بيوتهم لأنهم لم يحصلوا على تصاريح من إسرائيل. وهذا أمر غير موجود في غزة التي تديرها حماس. ولكن الزهار مثل آلاف الفلسطينيين دمر بيته بعد 4 حروب مع إسرائيل أدت لهدم عشرات الآلاف من البيوت وتشريد مئات الآلاف. وترى المجلة أن حماس تتمتع بشعبية بسبب عجز القيادة الفلسطينية، فعباس (85 عاما) كبير بالعمر ليعرف الوضع قبل نشوء إسرائيل لكن الكثيرين ممن ولدوا بعد نشوء السلطة لا يعرفون الحال السابق. وكانت السلطة عبارة عن نواة لدولة فلسطينية أما اليوم فهي مجرد موزع للرواتب وتنسق أمنيا مع إسرائيل.

وقدمت الولايات المتحدة للسلطة الوطنية منذ عام 1994 خمسة مليارات دولار. ويتساءل الكثيرون أين ذهبت وهم يسافرون على الطرق المليئة بالحفر ويزورون المستشفيات المزدحمة. واختفى مليار دولار أثناء حكم عرفات. وعباس اليوم مهتم بمحاكمة المعارضين للفساد أكثر من الفاسدين. وترى المجلة أن بقاء فتح وحماس هو تعبير عما تسببت به اتفاقيات أوسلو بحرف السياسة الفلسطينية.

وغالبية الفلسطينيين تعترف بفساد وديكتاتورية قيادتها. ولكن فتح تتمتع بشرعية دولية لقبولها بالتنازلات التي أصبحت سرابا. وفي المقابل ترفض حماس التنازل وتعد بالتحرير الذي أصبح وهما.

وتقول المجلة إن الكثير من الكبار الذين حلموا بالدولة المستقلة يجيبون عندما يسألون عن السبب الذي يدعوهم لعدم التخلي عن الحلم والدفع باتجاه المساواة بالقول إن إسرائيل لن تقبل. ويرفض الشباب هذا الموقف ويقولون إن الدعوة للدولة يترك إسرائيل تصور النزاع على أنه كفاح بين شعبين على قدم المساواة. ومن هنا فالحل هو البحث عن الحقوق المتساوية ووضع العبء على إسرائيل. كما أن حل الدولتين حول النزاع إلى صراع على الأرض. وعندما يجد الطرفان أنفسهما في مأزق يتمسك كل واحد بموقفه، والمشكلة لا تتعلق بالأرض بقدر ما هي متعلقة بالعيش على قطعة صغيرة من الأرض.