"صنع في فلسطين"… هكذا تنظر إسرائيل إلى “المشروع الصاروخي” الذي تديره حماس في غزة

الأربعاء 26 مايو 2021 05:25 م / بتوقيت القدس +2GMT
"صنع في فلسطين"… هكذا تنظر إسرائيل إلى “المشروع الصاروخي” الذي تديره حماس في غزة



القدس المحتلة / سما /

هآرتس - بقلم: عاموس هرئيل      "سجلت حماس خلال جولة القتال الأخيرة في غزة إنجازاً عملياتياً مهماً، وهو حجم إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون الكبير على الأراضي الإسرائيلية. محاولة حماس للمهاجمة عن طريق الأنفاق فشلت، وهكذا أيضاً جهودها لاستلال أوراق مفاجئة، على شاكلة مهاجمة بواسطة طائرات مسيرة أو غواصات صغيرة مسيرة، التي أحبطها الجيش الإسرائيلي والشاباك. وعلى الرغم من أن الإطلاق تسبب بخسائر صغيرة نسبياً لإسرائيل، ولكنه غير ميزان القوة بين الطرفين بدرجة معينة. ويحظى هذا الإنجاز بتقدير غير قليل من جانب الأشخاص المهنيين في إسرائيل. وقد نجحت حماس، وبدرجة معينة الجهاد الإسلامي، في تطوير صناعة عسكرية محلية مستقلة في القطاع يسميها جهاز الأمن “صنع في فلسطين”. حدث هذا في السنوات التي أغلقت فيها مصر -بحثّ من إسرائيل- الحدود مع القطاع، وخفضت نطاق تهريب السلاح إلى الحد الأدنى.

“صنع في فلسطين”

خلافاً للصورة السائدة في إسرائيل، الحديث لا يدور عن وسائل بدائية، بل عن برنامج إنتاج منظم للسلاح، يتم إنتاج جزء منه في خطوط إنتاج صناعية. “هؤلاء أعداء جديون في غزة”، قال آدم، الذي يعمل في هذا المجال منذ سنوات. “هذا ليس عدواً يُستخفّ به. هؤلاء لا يقلون في جديتهم عمن يطورون السلاح في إيران وحزب الله ويعملون في ظروف أصعب بكثير”.

أطلق نحو إسرائيل خلال الـ 11 يوماً من أيام القتال، حسب معطيات المتحدث بلسان الجيش، 4360 صاروخاً. وهو لا يفرق في معطياته بين الصواريخ وقذائف الهاون. نحو 3400 صاروخ (78 في المئة) سقطت في الأراضي الإسرائيلية، ونحو 680 صاروخاً انفجر أو سقط في أراضي القطاع (15.5 في المئة) ونحو 6.5 في المئة سقطت في البحر. حوالي 200 صاروخ أطلق إلى مدى متوسط وبعيد. وحوالي 120 صاروخاً أطلق على “غوش دان”.

وأطلق الباقي نحو القدس ومناطق أخرى منها العربة، التي أطلق نحوها صاروخ بمدى 250 كم، وهو المدى الأقصى حتى الآن. قتل جراء الإطلاق 13 مواطناً إسرائيلياً وأجنبياً، وأصيب أكثر من 350 شخصاً. قتل جندي واحد بسبب إطلاق صاروخ مضاد للدبابات على حدود القطاع. للمقارنة، في عملية “الجرف الصامد” في 2014 في الخمسين يوماً من القتال تم إطلاق 4600 صاروخ وقذيفة هاون. أطلقت حماس في هذه المرة تقريباً 400 صاروخ في اليوم بالمتوسط، 4.5 ضعف ما كان في “الجرف الصامد”.

قبل العملية الأخيرة، قدر جهاز الأمن بأن حماس والتنظيمات الفلسطينية الأخرى في القطاع تحوز نحو 15 ألف صاروخ، أكثر من 1000 منها بمدى متوسط. وعلى فرض أن 1000 صاروخ تم تدميرها في هجمات الجيش الإسرائيلي، فقد بقي لحماس نحو 60 في المئة من ترسانتها الأصلية، ومن بينها مئات الصواريخ التي يمكنها إصابة مركز البلاد. إن نطاقات الإطلاق على المركز لم تبتعد عن تقديرات الاستخبارات والشاباك، ولكنها فاجأت وسائل الإعلام والجمهور. في عملية “الجرف الصامد” في 2014 وعملية “عمود السحاب” في 2012، لم يُطلق نحو المركز سوى صواريخ قليلة.

نجحت حماس عدة مرات أيضاً في إنتاج عروض هادفة، وإطلاق أكثر من 100 صاروخ في أقل من نصف ساعة على عسقلان ورشقات عشرات الصواريخ على “غوش دان”. وقد كان لهذه العروض هدف آخر إضافة إلى فرض الذعر والخوف. قدر الفلسطينيون أن إغراق بطاريات القبة الحديدية بأهداف كثيرة سيصعب عليها اعتراضها جميعاً وسيمكن عدداً من الصواريخ من اختراق نظام الدفاع. نجح ذلك أحياناً، وقتلت امرأتان في عسقلان جراء رشقات كهذه. ومع ذلك، توصف القبة الحديدية كنجاح عملياتي كبير حتى في هذه الجولة. نحو 90 في المئة من الصواريخ التي أُطلقت على مناطق مأهولة تم اعتراضها من قبلها، وبذلك تم إنقاذ حياة عشرات المواطنين الإسرائيليين.

سلاح كاسر التوازن

صناعة السلاح المحلية في القطاع ولدت في بداية سنوات الألفين عند اندلاع الانتفاضة الثانية. في العام 2001 تم إطلاق صاروخ “القسام” الأول من إنتاج محلي، الذي سقط في “سديروت”. من تحت حدود شبه جزيرة سيناء والقطاع، ازدهر التهريب عبر الأنفاق آنذاك. بعد عملية الانفصال في 2005، تطور مشروع سلاح حماس، حيث استند إلى نظام التهريب المتشعب الذي أنشأته إيران. وتم في إطاره تهريب صواريخ تقنية إلى غزة، منها صاروخ “فجر” بمدى 75 كم، في مسار متشعب مر عبر السودان ومصر وسيناء. في العام 2012 في الطلعة الأولى في عملية “عمود السحاب” دمر سلاح الجو معظم صواريخ “فجر” في القطاع.

بعد سنة على ذلك، في صيف 2013، تم إغلاق قناة التهريب بشكل كامل. وانقلاب السيسي العسكري غير نظام التعاون الأمني مع إسرائيل، فاضطرت حماس إلى تعزيز الإنتاج المحلي. الحاجة أم الاختراع؛ ففي العملية الأخيرة، كانت الأغلبية الساحقة من الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل من إنتاج محلي. وثمة عدد قليل يتكون من وسائل قتالية تقنية تم تهريبها إلى غزة في السابق، خصوصاً قذائف الهاون وصواريخ بمدى قصير، بقطر 107 ملم.

لاحظت حماس إمكانية كامنة للصواريخ كسلاح أملت في أن يشكل “كاسر التوازن” أمام إسرائيل. يميز جهاز الأمن بين جهدين رئيسيين لحماس: الأول هو “الجهد الكمي من نفس النوع” وإنتاج المزيد من الصواريخ، عدد منها بمدى أطول بقليل أو أكثر فتكاً بقليل. في القطاع ما يكفي من المعرفة التكنولوجية من أجل ذلك، وانتقل إنتاج هذه الصواريخ إلى مستوى صناعي. نفذت حماس عشرات تجارب الإطلاق خلال السنة لفحص تقدم الإنتاج.

أما الجهد الثاني الذي ما زال في مرحلة التطوير فيتعلق بمشروع الدقة. مثل “حزب الله”، تسعى حماس إلى تطوير وتركيب وسائل تحسن من دقة الصواريخ التي بحوزتها. وتدرك حماس أن للدقة أهمية استراتيجية. بواسطة السلاح الدقيق يمكن ضرب مواقع حاسمة في إسرائيل مثل مطار بن غوريون وقواعد سلاح الجو ومحطات الطاقة والموانئ. في الوقت نفسه، تم تطوير وسائل قتالية أخرى يمكن توجيهها من بعيد نحو أهدافها بشكل دقيق، مثل طائرات بدون طيار، التي تم إسقاط عدد منها من قبل الجيش الإسرائيلي، وغواصات بدون ملاحين، التي تم تفجيرها أثناء القتال.

كانت إسرائيل قلقة بشكل خاص من المجال الثاني. لذلك، تم توجيه عدد كبير من الهجمات نحو مواقع وشبكات حواسيب ترتبط بتطوير السلاح الدقيق. ومحاولات الاغتيال التي تم فيها تفجير غرف قيادة وعمليات من الجو في داخل الأنفاق، وجهت ضد رؤساء نظام التطوير في حماس. أكثر من 10 أشخاص مركزيين في هذه المشاريع قتلوا في هذه الهجمات، من بينهم جمال زبدة وجمعة طحلة. وبدأ الذراع العسكري لحماس بنشر صور للشهداء في العملية. من يطورون السلاح يسهل تشخيصهم، وهم على الأغلب لا يظهرون بالزي الرسمي، ويحملون السلاح.

عدد من الأشخاص الذين قادوا تطوير السلاح هم أصحاب تأهيل رسمي، وقد حصلوا على شهادات الدكتوراه في الهندسة التي درسوها في الخارج. كان زبدة حاصلاً على شهادة الدكتوراه في الطيران من جامعة أمريكية. وليس بالصدفة أن خلفيته تذكر بخلفية مهندسين آخرين مرتبطين بحماس، قتلوا في السنوات الأخيرة في عمليات التصفية التي نسبت للموساد في ماليزيا وتونس. وعمل هؤلاء المهندسون في تطوير الطائرات المسيرة والغواصات المسيرة.

إضافة إلى المختصين الأكاديميين، تجمعت أيضاً مجموعة من أصحاب التجربة العملية. هؤلاء هم أعضاء حماس الذين لم يدرسوا في الجامعات في الخارج، لكنهم يعملون منذ عشرين سنة على تطوير سلاح، تحول بالتدريج إلى أكثر تطوراً. هذه الروح هي جزء مهم في الـ دي.ان.ايه التنظيمي. كان هناك شخصان في السابق مثل هؤلاء: الأول يحيى عياش، الذي اغتالته إسرائيل في العام 1996، وعدنان الغول، أبو مشروع الصواريخ، الذي قتل في ظروف مشابهة في العام 2004.

جزء كبير من المعرفة التكنولوجية تراكم وتطور في القطاع. إيران وحزب الله يساعدان من بعيد، لكن هناك مجالات، بالأساس القدرة على الارتجال على خلفية المواد الخام القليلة الموجودة، التي قام فيها خبراء من القطاع بتجاوز زملائهم في المحور الإيراني. إضافة إلى ذلك، يعتبر “حزب الله” وحرس الثورة الإيراني غزة حقل تجارب كبير. الدروس التي يراكمها الفلسطينيون في محاولة مواجهة الأنظمة الدفاعية والهجومية للجيش الإسرائيلي تُدرس جيداً في طهران وبيروت.

بسبب الانفصال شبه المطلق عن العالم، يختلف السلاح المحلي في غزة في طبيعته عن وسائل القتال الموازية التي طورتها إيران والدول الغربية. في الوقت الذي تقاس فيه وحدة القياس الدارجة لقطر السلاح بشكل عام بـ”سم” و”ملم” مثل ذخيرة 5.56 ملم لبندقية ام16، فإنها تقاس بالبوصة لصواريخ القطاع. السبب هو أن معظم الصواريخ صنع من أنابيب تم تحويلها من مجال البناء، وهناك وحدة القياس هي “الإنش”.

قدرة ارتجال مثيرة

يحاول الفلسطينيون إظهار إنتاجهم كمعياري بقدر الإمكان. للصواريخ أرقام متسلسلة. وتم اختيار ألوان أيضاً وشعار تصميم غرافيكي محدد مع كتابة اسم النموذج على الصاروخ. قدرة غزة على الارتجال تثير الدهشة أحياناً في إسرائيل. بالنسبة لمحركات الغواصات، استخدمت حماس محركات دراجات بخارية مرت بعملية تحويل.

في عملية إنتاج السلاح استخدمت مواد كثيرة، كانت في الأصل مخصصة للأغراض المدنية. مثلاً، للملح دور في إنتاج المواد المتفجرة. تتابع إسرائيل كمية الملح المستوردة للقطاع لتتأكد من عدم وجود “قفزات” غير معقولة في الطلبات، التي تدل على استخدامات أخرى. في التقرير الذي نشرته قناة “الجزيرة” في السنة الماضية، تفاخر رجال حماس باستخراجهم قذائف من سفينة بريطانية قديمة غرقت أمام شواطئ غزة في الحرب العالمية الأولى فاستخدموا المواد المتفجرة في صواريخ جديدة.

نحو 90 في المئة من بضائع القطاع تمر في المعابر من إسرائيل. يتم تحويل جزء من البضائع لأغراض عسكرية. وفي حالات أخرى، تم تهريب بضائع اشتريت من شرقي القدس أو الضفة الغربية لاستخدامها لأهداف عسكرية واضحة. وللتغلب على استخدام الأنابيب في صنع الصواريخ، منعت إسرائيل إدخالها إلى القطاع. في فرع البناء العالمي تم الانتقال في السنوات الأخيرة إلى استخدام الأنابيب البلاستيكية. وأصدر منسق أعمال الحكومة في المناطق قبل سنة تقريباً أمراً يمنع إدخال الأنابيب المعدنية التي يزيد قطرها على 1.5 إنش إلى القطاع. ويعيد جهاز الأمن مجدداً تحديد قائمة المواد ثنائية الاستخدام التي يمنع إدخالها إلى القطاع في محاولة لتشديد الرقابة بعد العملية.

حتى بعد المس الشديد برؤساء جهاز إنتاج الصواريخ، فقد بقي في القطاع ما يكفي من الخبراء والمواد لاستئناف تطوير السلاح قريباً. سيستغرق النهوض وقتاً، لكن الفلسطينيين لن يتنازلوا عن المشروع. كانت الصواريخ، على الأقل في الجولة الحالية، الوسيلة الوحيدة التي لم تخيب آمال الفلسطينيين.