صحيفة عبرية: حماس تحتفل على طريقتها وإسرائيل أمام امتحانات ثلاثة!!

الأحد 23 مايو 2021 10:24 م / بتوقيت القدس +2GMT
صحيفة عبرية: حماس تحتفل على طريقتها وإسرائيل أمام امتحانات ثلاثة!!



القدس المحتلة /سما/

هآرتس - بقلم: عاموس هرئيل     "بعد وقف إطلاق النار جاءت التفسيرات. عقد رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس الشاباك، أول أمس، مؤتمراً صحفياً واكتفوا بتصريحات ولم يسمحوا بطرح الأسئلة عليهم. وأعلن نتنياهو أنه “ليس كل شيء معروفاً للجمهور، ولا لحماس أيضاً التي تلقت ضربات لم تحلم بها”. وأعلن أيضاً عن معادلة جديدة، في الحقيقة سبق له وطرحها في السابق لكنه لم يطبقها. فقد قال “من الآن، سترد إسرائيل بشدة على أي إطلاق ولن تتحمل وابل الصواريخ”.

عدد قتلى حماس بسبب قصف سلاح الجو لشبكة الأنفاق أكبر مما نشرته حماس حتى الآن، لأن عدداً من جثث المقاتلين لم يتم إخراجها من تحت الأرض. ولكن من غير المؤكد حتى الآن كم سيغير هذا الأمر الآن. تقوم إسرائيل بإحصاء المباني التي تهدمت ومنصات الإطلاق والخلايا المضادة للدبابات التي تم تدميرها وجثث المخربين. وحماس تركز على شيء آخر مختلف تماماً، الذي جزء منه رمزي ويتعلق بالمعنويات، وجزء منه يحدث في الساحة الفلسطينية نفسها. المعركة التي تديرها حماس لم تستكمل بعد. تم استغلال الاحتكاك العسكري مع إسرائيل لتحقيق إنجازات ملموسة في المنافسة الداخلية بين حماس والسلطة الفلسطينية.

في بداية آذار الماضي، فاز يحيى السنوار بصعوبة في انتخابات قيادة حماس بعد أن تعرض لانتقاد شديد بسبب تنازله عن محاربة إسرائيل. وتم فرز الأصوات في صناديق الاقتراع عدة مرات إلى أن تم الإعلان عن فوز ضئيل للسنوار. في نهاية نيسان، ألغى رئيس السلطة، محمود عباس، الانتخابات بعد إدراكه متأخراً أن حماس ستفوز فيها.

ولد بين هذه التطورات خط جديد للسنوار، فخلال بضع سنوات وصفه قسم الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي بأنه يمر بعملية اعتدال واعتراف بالواقع، وأنه يكرس معظم وقته لإعادة إعمار القطاع. تم التنازل عن هذا الخط في الفترة الأخيرة. دخل السنوار، حسب الاستخبارات العسكرية، في مزاج شبه مسيحاني، وأقنع نفسه بأنه صلاح الدين الجديد. هكذا أيضاً أدار المعركة ضد إسرائيل (قسم الاستخبارات العسكرية يقلل من أهمية محمد الضيف في عملية اتخاذ القرارات رغم التهديد النادر الذي أطلقه عشية إطلاق الصواريخ نحو القدس).

إن التوتر في منطقة الحرم وفر للسنوار والضيف ذريعة لإطلاق الصواريخ، وبعد ذلك وفر الإمكانية لحماس للامساك بزمام النضال الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وحتى داخل الخط الأخضر. وعندما تحولت الصلاة في أيام الجُمع في الحرم إلى مظاهرات لدعم حماس، فقد اعتبر ذلك الإنجاز الرئيسي بالنسبة لرئيس المنظمة. وبالمقارنة مع هذا الإنجاز، فإن 200 أو 300 قتيل هو كما يبدو ثمن يمكن تحمله.

لقد فقد السنوار والضيف في هذه المعركة نشطاء مقربين منهم، وبالتالي فإن حماس فقدت المعرفة والخبرة التكنولوجية لتطوير السلاح المتقدم. دوى صوت القذائف الإسرائيلية هنا وهناك قرب محمد الضيف، لكن كل ذلك جزء من الواقع الذي تربيا عليه في مخيم خانيونس للاجئين (كان لهما جار آخر هو محمد دحلان)، والذي يعرفانه منذ أكثر من ثلاثين سنة. ومن المشكوك فيه إذا كان أي شيء كهذا سيردعهما فيما بعد.

كرر نتنياهو وغانتس والضباط الكبار في الجيش الإسرائيلي ادعاءهم أن رؤساء حماس سيصابون بالصدمة من حجم الدمار بعد خروجهم من المخابئ. فالقوة العسكرية التي استخدمتها إسرائيل سيتم الشعور بها الآن كعامل كابح، لكنها لن تحطم معنويات حماس التي تشن ضدنا نضالاً أيديولوجياً تسبب بضحايا كثيرة خلال عقود.

يبدو أن وسائل الإعلام في إسرائيل في معظمها استقبلت وقف إطلاق النار بارتياح. وقد سبق ذلك الخوف من عملية “جرف صامد” جديدة، عملية طويلة وغير حاسمة كانت مقرونة بخسائر عسكرية كبيرة (في إسرائيل تدرج قيم مشكوك فيه، الذي يبدو فيه حياة الجندي أهم من حياة المواطن). ولكن ربما يكون هناك خطر أكبر تسعى إليه حماس ويكمن في تكتل ساحات غزة والضفة والقدس وداخل الخط الأخضر في معركة مستمرة بصيغة الانتفاضة الثالثة.

وبرزت الإمكانية الكامنة في ذلك في الفترة الأخيرة، ويزداد بروزها إزاء وضع السلطة الفلسطينية الحساس. في زمن المواجهة في غزة، قام عباس بسحب قوات الأمن إلى الخلف وقلص التنسيق الأمني وسمح بإجراء مظاهرات كبيرة إلى جانب انطلاق مخربين لتنفيذ عمليات. وإن كبر سن وضعف رئيس السلطة (85 سنة) التي ظهرت في السابق أيضاً، برزت في الجولة الحالية. ستكون إسرائيل بحاجة إلى إعادة ترميم علاقتها مع السلطة الفلسطينية، والعمل في الوقت نفسه، بشكل حازم، ضد خلايا حماس في الضفة التي تعمل على تحقيق هدفين، وهما السعي لتقويض السلطة الفلسطينية والمس بإسرائيل.

هذا هو الظل الكبير الذي يهدد والذي ينبع من المواجهة الأخيرة. رؤية نهاية “نفق الصراع” والتركيز على ما يحدث في غزة تغفل عن الجوهر الذي يكمن في السياق الأوسع.

قلق أرغمان

الشخص الأكثر قلقاً في جهاز الأمن في الوقت الحالي هو رئيس الشاباك نداف ارغمان، الذي كان سينهي خدمته التي استمرت خمس سنوات في منتصف آيار الحالي. ولكن مدد فترته لبضعة أشهر إزاء التوتر مع الفلسطينيين والتردد حول تعيين البديل.

في خلافات جهاز الأمن الداخلية حول نوايا حماس، خرج ارغمان منتصراً، فقد شكك خلال سنوات في ادعاء الاستخبارات العسكرية بأن السنوار أصبح أكثر براغماتية. وقد صد بشكل ثابت توصيات الجيش الإسرائيلي بإعطاء تسهيلات واسعة لغزة، منها زيادة عدد العمال الذين يعملون في إسرائيل. بالنسبة له، بررت الأحداث الأخيرة خطه المتشدد الذي تبناه.

ولكن ارغمان قلق جداً الآن لأسباب أخرى؛ فخلال المواجهة حول الشاباك موارد كثيرة للمعلومات والتحقيقات للجمهور العربي في إسرائيل وأعضاء اليمين المتطرف اليهودي إزاء المواجهات في المدن المختلطة. في الفترة الأخيرة، تم اعتقال عشرات المشبوهين، عرباً ويهوداً، بالمشاركة في أعمال الفتك والعنف. خلال سنوات، تموضعت هذه الأمور في مكان منخفض في سلم الأولويات مقارنة مع الإرهاب الفلسطيني. يبدو الآن أن الترتيب سيتغير بشكل قليل. استندت مقاربة نتنياهو للنزاع الفلسطيني إلى إبقاء المواجهة مع حماس في غزة على نار هادئة مع إدارة الظهر للسلطة في الضفة. عملياً، لا يوجد وبحق وضع ساكن يمكن الحفاظ عليه. ينزلق التوتر في المناطق أحياناً إلى داخل الخط الأخضر ويؤثر أيضاً على العلاقة بين العرب واليهود وعلى المواجهة بين اليمين واليسار. وتقوض الأمن الشخصي للمواطنين في الطرفين بشكل كبير.    

في هذه المرة، تم تحطيم رقم قياسي مقارنة مع أحداث تشرين الأول 2000. وقد ساهمت في هذا التوتر أسباب أخرى، منها ازدياد السلاح الموجود لدى العرب ونشاطات منظمات الجريمة وضخ تعزيزات لحماية الأنوية التوراتية في المدن المختلطة، والمستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية. وبرز في اللد وجود متطوعين مسلحين من مستوطنتي “ايتمار” و”يتسهار”. فعندما تم التخطيط هناك لخروج آمن من مبان لليهود، تحدثوا بمصطلحات من جنوب لبنان عن العبوات الناسفة وإطلاق النار على مفترقات الطرق.

لقد تم ضخ وحدات من حرس الحدود من الضفة الغربية إلى المدن المختلطة، وبذلك ساعدوا في هدوء نسبي في المنطقة. ولكن ارغمان قلق من اشتعال آخر. وهذا أحد الأسباب التي ضغطت لإنهاء العملية في غزة، وسيمر وقت طويل إلى حين يتلاشى التوتر الحالي. الجريمة المنظمة في أوساط الجمهور العربي تحولت إلى مشكلة أمنية وطنية تحتاج إلى عملية واسعة من قبل الحكومة.

المعضلة البرية

الجيش الإسرائيلي استنفد قبل يومين من وقف إطلاق النار. عدد أهداف سلاح الجو أخذ يتضاءل، وهيئة الأركان أشارت إلى المستوى السياسي بأن يمكن وقف العملية من ناحيتها، وأجل نتنياهو اتخاذ القرار لأسباب موضوعية واعتبارات شخصية. أما العملية البرية فلم تكن، وبحق، مطروحة على الأجندة. الخطط العملياتية شملت هذا العامل، لكن طالما كانت التوجه هو المس بشكل كبير بقدرات حماس وليس إسقاط حكمها، لم تكن هناك حاجة إلى ذلك.

وثمة ضباط احتياط كبار زاروا مقرات القيادة خلال العملية كانوا قد تأثروا من عدد الاختراقات الكبير التي زادت من نجاعة نشاطات الجيش الإسرائيلي في الهجوم والدفاع. في غزة استخدمت دائرة فعالة للاستخبارات والتكنولوجيا والنار الدقيقة. هجمات كانت تستغرق أسابيع تم ضغطها في بضعة أيام. والجيش لم يرفع قدمه عن دواسة الهجوم طوال العملية.

ولكن ما يكفي لغزة لن يكون كافياً كما يبدو لحرب في جنوب لبنان. فقبل سنتين تقريباً صاغ عضو الكنيست عوفر شيلح وعومر بار ليف، اللذان كانا في حينه عضوين رئيسيين في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، تقريراً تناول خطط الجيش الإسرائيلي لبناء القوة، وقد أشارا إلى إمكانية إدارة معركة طويلة نسبياً في غزة حتى بدون عملية برية؛ لأن قدرات أنظمة الاعتراض الدفاعية تقلص مستوى المخاطرة. ولكن قراراً كهذا سيكون كارثياً في لبنان؛ لأن قوة النيران التي بحوزة “حزب الله” لن تسمح لإسرائيل بدفاع شامل تقريباً.

تجنب الجيش الإسرائيلي استخدام القوات البرية في عملية مهمة طوال 19 سنة، منذ عملية “السور الواقي” في الضفة الغربية (التي لم يكن فيها للفلسطينيين قدرة حقيقية على الدفاع). وثمة لذلك أسباب جيدة، وعلى رأسها الخوف من الإصابات. ولكن طوال الوقت، كان شيلح وبار ليف على حق: من لا يستخدم القوات البرية في المعركة فهو بذلك يحكم عليها بالتعفن.

       ما زالت المنطقة تغلي

رغم وقف إطلاق النار إلا أن المنطقة ما زالت تغلي. القدس بشكل خاص حساسة إزاء استمرار الخلاف القانوني حول إخلاء عائلات فلسطينية من الشيخ جراح وصراعات السيطرة على الحرم. وسيكون من السهل نسبياً إشعال هذا الحريق من جديد. إسرائيل بحاجة إلى خطوات تبني الثقة مع الأردن والسلطة الفلسطينية فيما يخص الحرم. ولكن نتنياهو يخشى أن تورطه هذه الخطوة مع أحزاب اليمين، في الوقت الذي فيه علاقته مع الملك عبد الله، ملك الأردن، متعكرة.

وتنتظره في غزة والضفة ثلاثة امتحانات: الامتحان الفوري يتعلق بالرد على الصاروخ الأول. فإسرائيل فشلت في هذا الامتحان سنوات كثيرة. الأمر بدأ بعد الانفصال. وبعد شهر من ذلك، عندما أطلقت حماس للمرة الأولى رشقات ثقيلة، ضبطت إسرائيل نفسها. أما في هذه المرة فقد أوصى رئيس الأركان، افيف كوخافي، نتنياهو وغانتس برد دراماتيكي على أي هجوم من غزة. وسنرى إذا كان سيتم تطبيق اقتراحه.

الامتحان الثاني يتعلق بازدياد قوة حماس. في السنوات السبع منذ عملية “الجرف الصامد” زادت ترسانة الصواريخ لدى حماس وتم تطوير المدى ودرجة الضرر التي قد تتسبب بها (بفضل الرؤوس المتفجرة الأكبر). وثمة جزء من المسؤولية عن ذلك تتحمله إسرائيل، فقد تم تهريب مواد ثنائية الاستخدام في المعابر من إسرائيل إلى القطاع وساعدت على تحسين الصواريخ. سيكون الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى العثور على طرق لتشديد الرقابة، وستكون الحكومة بحاجة إلى تقرير ما إذا كانت ستقوم بخطوات هجومية لوقف زيادة القوة هذه، مثلما تفعل في سوريا ولبنان ضد حزب الله.

الامتحان الثالث والأهم منها جميعاً، يتعلق بالاستراتيجية في الساحة الفلسطينية. فقد امتنع نتنياهو خلال سنوات عن إجراء أي نقاش استراتيجي في هذا الأمر. عملياً، اتبع سياسة غير علنية سعت إلى التهدئة مع حماس مقابل غض النظر عن ازدياد قوتها على حساب السلطة الفلسطينية. يزداد عدد الأشخاص في القيادة الأمنية العليا الذين يعتقدون أن المعركة الأخيرة أثبتت أننا نحتاج إلى التغيير، أو على الأقل إلى نقاش جدي في السياسة. ومن المشكوك فيه أن يحدث ذلك طالما يستثمر نتنياهو معظم جهوده في المعركة لبقائه.